المادة الثانية.. والسباحة ضد التيار!!
بقلم : إسلام عبد التواب
كثُرَ الحديث والجدل في مصر حول التعديلات الدستورية عقب دعوة رئيس الجمهورية لحزمةٍ من التعديلات تدعو إلى تكريس حالة الطواريء، واغتيال الحريات الفردية، وتقنن لتزوير الانتخابات عبر إلغاء الإشراف القضائي، وتمنع إنشاء الأحزاب وإقامة الأنشطة السياسية على أساسٍ ديني، وذلك في إطار حملة النظام الحاكم وأذياله لإقصاء جماعة الإخوان المسلمين الطرف الفاعل في الحياة السياسية المصرية عنها؛ تمهيدًا لتنفيذ مخطط التوريث كما يريده النظام وأعوانه.
وفي إطار مسعاه لإقصاء الجماعة عن الساحة السياسية رفع النظام راية المواطنة؛ مدعيًا أن ترسيخها هو المقصود من التعديلات.
ومن الغريب اللافت للنظر أن كثيرًا من النشطاء الأقباط في الداخل والخارج، وعلى رأسهم قساوسة الكنيسة المصرية دخلوا في مساجلات مع الحكومة والنظام محاولين استغلال ضعفه في إقرار مطالبهم الخاصة بإلغاء المادة الثانية من الدستور المصري والتي تنص فيما تنص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، ولم تهدأ تلك الحملة حتى الآن إلا أنَّ تدخل الكنيسة فيها خفَّ بعدما دعا البابا شنودة المسيحيين إلى عدم إثارة ذلك المطلب، وذلك - كما هو معلوم للمتابعين للسياسة المصرية – بعدما تلقى وعودًا من لجنة السياسات بالحزب الوطني بأن تلك المادة – رغم أنها معطلة في الواقع – ستبقى في نص الدستور شكليًّا لعدم إثارة جموع الشعب، ولكنها ستُلغَى عمليًّا عن طريق إضافة وتعديل مواد أخرى تحت مسمى ترسيخ المواطنة تنفي تحكيم الشريعة الإسلامية تماماً.
وأنا في هذا المقال لا أريد أن أدافع عن تلك المادة، ولا أن أبين مزايا الشريعة الإسلامية، ولا خطورة ما يريد النظام أن يفعله، وإنما أريد أن أطرح تساؤلاً، وهو: هل هذه المادة بنصها الحالي مطابقة للشريعة الإسلامية؟ وهل هي ما يرضى عنه الإسلام؟
ما دعاني لطرح هذا الاستفهام هو ما أراه من تسابق الرموز الإسلامية في الدفاع عنها، وطلبهم إبقاءها كما هي دون المساس بها، بل ودفاع بعض الإسلاميين عن هذه المادة في مجالسهم الخاصة، واعتبارها من حسنات الدستور؛ لذا قررت أن أتحدث عنها، وعن مدى شرعيتها لكي لا يختلط الحق بالباطل، وأسأل الله عز وجل أن يوفقني إلى الحق والصواب.
من المعلوم أن هذه المادة كانت سابقًا تقول: إن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع، وتم تعديلها بإضافة الألف واللام التي تفيد التعريف، وتجعل من الشريعة هي المصدر الرئيسي، ولكن ما لا ينتبه إليه الكثيرون الذين يؤيدون هذه المادة من الإسلاميين هو أن كونها المصدر الرئيسي للتشريع يعني أن معها مصادر أخرى للتشريع وإن كانت ثانوية، وهنا تكمن المشكلة؛ فهل يقبل الإسلام من المسلم أن يتحاكم للشريعة ولقوانين أخرى غير ما أنزل الله عز وجل.
إن الله عز وجل أمر نبيه \"وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم\" فجعل سبحانه ما هو غير الشرع هوًى، والهوى مذموم كما نعلم، وقد حكم سبحانه على من حكم بغير شرعه حكمًا عظيمًا؛ فقال: \"ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون\"، فهل يجوز للمسلم – بعد ذلك - أن يقبل التحاكم لغير شرع الله سبحانه.
أعلم ما سيقوله البعض من أن هذا الكلام ليس أوانه، وأن الإسلام مُستضعَف حتى في بلاده، وأننا يجب أن نحافظ على هذا الحد الأدنى، ولكنني أقول: إن استسلامنا لهذا المنطق لم يفلح في أن يطور حالتنا لنجعلنا نحقق ما يريده الله سبحانه وتعالى منَّا، وهو أن يكون نص الدستور: \"إن الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد للتشريع\" وذلك قولاً وعملاً، تنظيرًا وتطبيقًا؛ بل قادنا استسلامنا إلى الانتقاص من المادة العرجاء التي لا تعبر عن حكم الشرع؛ فيجب أن نرفع سقف مطالبنا لنطالب بما يرضي الله سبحانه وتعالى.
قد يثير هذا الكلام القلق في نفوس البعض الذين تأثروا بكثرة كلام العلمانيين وخصوم الإسلام في الداخل والخارج حول عدم صلاحية الشريعة للحكم في هذا الزمان، وأن ما أطالب به فيه حجر على الإبداع وتضييق لما هو متسع على الناس. والواقع أن ذلك غير صحيح؛ فالشريعة الإسلامية - بفضل الله سبحانه وتعالى - تحوي العديد من المصادر التي تجعلها تتميز بالمرونة؛ ففيها القرآن والسُّنة، كما فيها الإجماع والقياس وسائر مصادر الاجتهاد كالاستحسان، والمصالح المرسلة، والاستصحاب.. وغيرها، وهذا التنوع يمنح الشريعة – كما بيَّنتُ- مرونة كبيرةً في التطبيق، وسَعَةً تشمل جميع مَن يعيشون في كنفها، ومن الأدلة على ذلك اجتهادات الفاروق عمر ابن الخطاب رضي الله عنه التي واكبت حاجات الناس، ورفعت عنهم الضيق، وساوت بين المسلم وغير المسلم في الحقوق والواجبات، وكفلت لليهودي المحتاج عطاءً لازمًا من بيت مال المسلمين، وأعطت غير المسلمين المواطنة الحقة؛ فرفعت عنهم المظالم الفردية، وأشركتهم في الحروب جنبًا إلى جنبٍ مع المسلمين.. وهكذا كان الشأن في عصور التمسك بالشريعة على وجهها.
وأقول للإخوة المادحين للمادة الثانية على عوارها: إن غاية ما يصلح أن تقولوا عنها: هو أن هذه المادة أقل سوءًا من سابقتها، أما مدحها بأنها غاية ما نريد، أو الظن بأنها توافق الشرع فهذا ما لا يصح لمسلمٍ أن يعتقده فضلاً عن أن يدعو إليه، والله سبحانه وتعالى أعلى وأعلم.
المصدر
- مقال:المادة الثانية.. والسباحة ضد التيار!!موقع:الشبكة الدعوية