الفاتحة على روح الشهيد!
بقلم: الأستاذ أوّاب إبراهيم
خمس سنوات مرت على اغتيال الرئيس الأسبق رفيق الحريري.
وقد أعادت المشاهد التي استرجعتها وسائل الإعلام المرئية للجريمة إلى الأذهان الكثير من الألم والحزن الذي ما زال يحتل جزءاً من قلوب اللبنانيين على خسارة رمز وطني كبير، أثبتت الأيام أن تعويضه ليس سهلاً.
اغتيل رفيق الحريري واغتيلت معه بصمات لبنان الجينيّة (DNA)، فضاع البلد في بحر المحاور الداخلية والمصالح الخارجية.
كل طرف أراد استثمار جريمة الاغتيال بما يتوافق مع مصالحه ورؤيته الخاصة الضيّقة، مهملاً كل ما يمكن أن ينتج من هذا الاستثمار من خسائر وضحايا.
خمس سنوات مرت، هي مجرد محطة في تاريخ البلاد، ستسجل أسطراً قليلة في كتب التاريخ، لكنها ستُظلّل باللون الأحمر، للدلالة على أنها سنوات كادت أن تكون انعطافة في مسيرة هذا البلد وتوجّه أهله.
انعطافة تداركت العناية الإلهية في عدم تزحلقه إلى أتون حرب أهلية طائفية، لم يكن أحد يملك التنبؤ بنهايتها، في ظل احتفال الخارج بها واستعداده لاستثمارها.
خمس سنوات مضت على اغتيال رفيق الحريري، مرّ خلالها خطاب المعنيّين بالمناسبة بصعود ونزول هو أشبه بتخطيط لمريض يعاني من ذبحة قلبية.
في 14 آذار من عام 2005، أي بعد شهر على ارتكاب الجريمة، غصّت ساحة الشهداء بطوفان بشري قال البعض إنه الأضخم في تاريخ لبنان.
عنوان التجمع المعلن كان «الولاء للبنان والوفاء لرفيق الحريري»، لكن الغاية منه كانت الرد على تجمع سبقه بأسبوع، دعت إليه الأحزاب الموالية لسوريا، التي فرض عليها «وفاؤها وإخلاصها» لمرحلة الوصاية أن تقول «شكراً سوريا» على كل ما قدمته للبنان.
لكن صمّام أمان الذكرى لخّصته كلمة «أخت الشهيد» النائب بهية الحريري، التي خاطبت سوريا قائلة «الأشقاء لا يتباعدون ولا يتحاسبون، بل يكبرون معاً وينهضون ويتساعدون، واللبنانيون أحرار لا يتنكرون ولا يغدرون».
في 14 شباط ض، كان النائب وليد جنبلاط قد أنهى مهمة تشكيل الخلفية الفكرية لقوى 14 آذار القائمة على العداء لسوريا وحلفائها في لبنان. الحشد المليوني حضر كذلك.
تشابكت أيدي من وُصفوا حينها بـ«الحبيب ابن الحبيب» سعد الحريري، مع «قائد انتفاضة الاستقلال» وليد جنبلاط، مع «رجل الأرز» سمير جعجع.
يومها أطلق جنبلاط خطبته العصماء فقال «يا حاكم دمشق، يا طاغية الشام ورفاقك وحلفاؤك، أنت قلّة عابرة مجرمة حاقدة، هم قداسة وهميّة، ياحاكم دمشق أنت العبد المأمور ونحن الأحرار».
في 14 شباط 2007 تكرّر الحشد المليوني سنداً لمنظميه. يومها لم تكن «تكويعة» جنبلاط قد حان قطافها، فاستكمل خطبته مخاطباً الرئيس السوري «يا قرداً لم تعرفه الطبيعة، يا أفعى هربت منها الأفاعي، يا حوتاً لفظته البحار، يا وحشاً من وحوش البراري، يا مخلوقاً من أنصاف الرجال، باقون على الموعد، ولن يخيفنا تهديد ولا وعيد، ولن ترهبنا الصواريخ ولا المدافع»، وتوجّه الى أمين عام حزب الله بالقول «اعط السلاح للجيش اللبناني والتبن والشعير إلى حلفائك».
أما 14 شباط 2008 فقد تزامن مع تشييع حزب الله لقائده العسكري عماد مغنيّة، الذي اغتيل في دمشق. المشهد في ساحة الشهداء هو نفسه، ووليد جنبلاط نفسه.
فساعة الانقلاب لم تحن بعد. فتابع نهجه بالتحذير من «الاستسلام والتخلي أمام النظام السوري والعصابات الملحقة به».
وخاطب روح الرئيس رفيق الحريري قائلاً «في اللحظة التي قد ينتخب فيها رئيس للبلاد مع ثلث معطل، مع ثلث الإجرام السياسي والاغتيال، تكون لحظة خيانة وتسليم لبنان إلى ريف دمشق، لحظة الاستسلام أمام الشر الأسود السوري الإيراني».
وفي 14 شباط 2009 خيّمت الانتخابات النيابية على كلمات المتحدثين، لأنها «ستحدد وجه لبنان» الذي لم يتحدد. أما النائب وليد جنبلاط، فما زالت تفصله ثلاثة أشهر عن يوم السابع من أيار الذي حدده موعداً لالتفاتته الكاملة.
فخاطب الحشود في ساحة الشهداء معتبراً أنه «لا تسوية ولا تهدئة ولا اعتذار، ولا تسوية على معابر التهريب وقواعد التفجير، ولا تسوية على الخطة الدفاعية وحصرية قرار الحرب والسلم في يد الدولة، فالتهدئة ليست كلمة من قاموسنا في الخلافات السياسية الداخلية في لبنان».
قوى 14 آذار أمام خيارين لإحياء 14 شباط 2010: إما أن تستعيض عن تجمع ساحة الشهداء بإقامة مجلس عزاء في مسجد محمد الأمين، تتولى النائب بهية الحريري إلقاء الكلمة الوحيدة في الحفل، حفظاً لماء وجه الجميع..
وإما أن تتلى آيات من القرآن الكريم وسورة الفاتحة عن روح الشهيد رفيق الحريري.
عشتم وعاش لبنان، وعادت ثورة الأرز الى مهدها!
المصدر
- مقال:الفاتحة على روح الشهيد!موقع: الجماعة الإسلامية فى لبنان