العلماء بين ميدان الرماية وميدان الجباية..!؟

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
العلماء بين ميدان الرماية وميدان الجباية..!؟

بقلم : السعيد الخميسي

(27/06/2014)

  • هناك علماء مجاهدون وقفوا كالطود العظيم فى ميدان الرماية بصدور عارية وقدموا حياتهم رخيصة فى سبيل إعلاء كلمة الحق لايهمهم فى ذلك من خالفهم وتآمر عليهم . وهناك علماء آخرون وقفوا فى ميدان الجباية يفتشون فى جيوب الفقراء والمساكين عن ماتبقى عندهم من حطام الدنيا ليجمعوها ويهبوها للحاكم المتغلب بالشوكة . حقا.. لقد كان الربيع العربي بمثابة الزلزال الذي زلزل الأرض من تحت أقدام الجميع وخاصة العلماء , وميز الله به الخبيث من الطيب , ميز به بين العلماء الربانيين وعلماء السلطة والمنافقين والمنتفعين وعاشقي الشهرة والمال وحب الظهور . رأينا وسمعنا علماء السلطان وهم يحرضون على القتل ويقولون " اضرب فى المليان . طوبى لمن قتلهم وقتلوه . ولا يكتفون بذلك بل يخرجون في بيانات مشتركة مع الكنيسة التي يعادي رئيسها الإسلام علنًا، ويسعى بكل قوة لشطب كل ما يتعلق بالإسلام من الدستور، ليدينوا الأحرار الشرفاء ويتهموهم بالخروج عن الملة! . . صمت علماء كثيرون ظننا كما ظننتم أنهم أصحاب علم وموقف , فوجدناهم أصحاب ألسنة حداد وبطون منتفخة واسعة تنتظر عطاء وهدايا السلطان.
  • لقد أفرزت الأحداث مايسمى بفقهاء البيادة وعلماء السلطان الذين أحلوا كبائر وجرائم ماسبقهم بها أحد من العالمين . أحلوا ماأحل السلطان وحرموا ماحرم السلطان . فبئس العالم على باب الحاكم , ونعم الحاكم على باب العالم . لقد وقف هولاء العلماء , وماهم بعلماء , أذلة وهم خاشعون مرتعشون مرتجفون على باب الحاكم يرجون رضاه ويخافون عقابه وكأنهم إله حاشى لله تعالى . إنهم ليسوا بعلماء لأن العالم الحقيقي ماقال عنه الله عز وجل " إنما يخشى الله من عباده العلماء " . وربط الله وصف العالم بالخشية . وهولاء يخشون السلطان كخشية الله أو أشد خشية . ولو كانوا يخشون الله حق خشيته ماوضعوا أصابعهم فى آذانهم والمساجد تقتحم وتحرق . ومااستغشوا ثيابهم وجثث العلماء تتفحم . وما بلعوا ألسنتهم والحرائر تغتصب . وما صمتوا صمت القبور والفتيات تسحل وتسجن . ومادفسوا رؤوسهم فى الرمال كالنعام وحرمات الله تنتهك نهارا جهارا .
  • إن العلماء الربانيين هم ورثة الأنبياء يهدون إلى الحق ويرشدون إليه ، فهم منارات الهدى ومصابيح الدجى ، الذين ينيرون للناس الطريق، قال الإمام ابن القيم - رحمه الله- واصفا العلماء:" هم في الأرض بمنزلة النجوم في السماء بهم يهتدي الحيران في الظلماء وحاجة الناس إليهم أعظم من حاجتهم إلى الطعام و الشراب " . ويعرف العالم الرباني بثباته في الفتن المضلة ، ورسوخ قدمه في مواطن الشبهات ، حين تضل الإفهام و تزل الأقدام . وليس العالم الذى يتساقط على موائد اللئام كما يتساقط الذباب على أكوام القمامة . إن للعلم هيبته ومكانته ومثل هولاء ماخلفوا وراءهم للعلم هيبة ولامكانة . ويوم ان وقف العالم على باب الحاكم , يوم أن ضاع الحق بين الناس لأن الحق مرهون بثبات العلماء وابتعادهم عن باب السلطان .
  • هل تنسى صفحات التاريخ الناصع جهاد وثبات الإمام أحمد بن حنبل فى فتنة خلق القرآن عندما ألقوه في السجن مكبلا بالأغلال حتى يحسم الخليفة أمره, مات المأمون وجاء من بعده المعتصم الذي أمر بإحضاره، فجاءوا به مثقلاً بكهولته ومرضه , وما يحمل من قيود وأغلال ليناقشه العلماء في حضرة الخليفة, وكلما أسقط حججهم وفند براهينهم أعادوه إلى السجن من جديد، وتكرر هذا المشهد المؤلم مرات ومرات فما كان من المعتصم إلا أن أمر بتعذيبه، فانهالوا عليه بالسياط، وكلما غاب عن الوعي أفاقوه ليسألوه أن كان قد عدل عن رأيه، وكلما تمسك برأيه اشتد التعذيب، حتى شارف على الموت، ، لقد باع ابن حنبل الدنيا واشترى الآخرة ولم يخترع قصة الحاكم المتغلب بالشوكة..! ؟.
  • وهل تنسى صفحات التاريخ سلطان العلماء العز بن عبد السلام الذى ذهب ذات مرة إلى السلطان في يوم عيد إلى القلعة، فشاهد الأمراء والخدم والحشم يقبلون الأرض أمام السلطان، وشاهد الجند صفوفاً أمامه، ورأى الأبهة والعظمة تحيط به من كل جانب، فتقدم الشيخ إلى السلطان، وناداه باسمه مجرداً، وقال: يا أيوب، ما حجتك عند الله إذا قال لك: ألم أبوئ لك مصر، ثم تبيح الخمور؟. فقال السلطان نجم الدين أيوب: هل جرى هذا؟. قال الشيخ: نعم تباع الخمور في الحانات وغيرها من المنكرات، وأنت تتقلب في نعمة هذه المملكة. وأخذ الشيخ يناديه بأعلى صوته. فقال السلطان: يا سيدي، هذا أنا ما عملته، هذا من زمان أبي . فقال الشيخ: أنت من الذين يقولون: إنا وجدنا آباءنا على أمة. نعم قال هذا ولم يسجد على باب الحاكم بحجة انه متغلب بالشوكة..! ؟
  • وهل تنسى صفحات التاريخ سعيد بن جبير وموقفه من الحجاج فى ذلك الحوار التاريخي بينهما , قال له الحجاج : فما تقول في يابن جبير..؟ قال سعيد : أنت أعلم بنفسك . قال الحجاج : بل أريد علمك فى . قال سعيد : إذا يسوءك . قال الحجاج : أريد أن أسمع منك . قال سعيد : إني لأعلم أنك مخالف لكتاب الله تعالى .

تقدم على أمور تريد بها الهيبة وهى تقحمك فى الهلكة وتدفع بك إلى النار دفعا . غضب الحجاج وقال له لأقتلنك . قال بن جبير : إذن تفسد علي دنياي وأفسد علي آخرتك . قال الحجاج : اختر لنفسك أية قتلة شئت . قال بن جبير كلمة قوية ألا وهى : بل اخترها أنت لنفسك يا حجاج والله لا تقتلني قتلة إلا قتلك الله مثلها يوم القيامة .

قال الحجاج : أفتريد أن أعفو عنك..؟ قال بن جبير : إن كان عفو فمن الله تعالى أما أنت فلا براء لك ولا عذر. فاغتاظ الحجاج وقال السيف ياغلام . فتبسم سعيد فقال الحجاج : وماتبسمك..؟ قال بن جبير : عجبت من جرأتك على الله وحلم الله عليك . يروى أن أحد الناس رأى الحجاج في منامه فسأله ما فعل الله بك..؟ قتلنى الله بكل امرأ قتلته واحدة , وقتلني بسعيد بن جبير سبعين قتلة . لم يستسلم بن جبير لظلم الحجاج بحجة أنه متغلب بالشوكة..!؟

  • واختم بموقف " صاحب الظلال " من زبانية عبد الناصر .يوم الحكم جاءه شيخ السلطان ليعظه ويقول له كما جرت العادة يا بني قول أشهد أن لا إله إلا الله

فقال له سيد: أنا من أجلها أموت وبها أنت تأكل الخبز . ولم يرتعش حين جاءه الضابط قبل الإعدام بلحظات وهو يخاطبه بصوت مرتعش قائلا له : يا أخي.. يا سيد.. إني قادم إليك بهدية الحياة من الرئيس الحليم الرحيم.. ! كلمة واحدة تذيلها بتوقيعك، ثم تطلب ما تشاء لك ولإخوانك هؤلاء ولم ينتظر الجواب، وفتح الكراس الذي بيده وهو يقول: اكتب يا أخي هذه العبارة فقط: " لقد كنت مخطئا وإني أعتذر. ورفع سيد عينيه الصافيتين، وقد غمرت وجهه ابتسامة لا قدرة لنا على وصفها.. وقال للضابط في هدوء عجيب: أبدا.. لن أشتري الحياة الزائلة بكذبة لن تزول!

قال الضابط بلهجة يمازجها الحزن: ولكنه الموت يا سيد . فأجاب سيد قطب :" يا مرحباً بالموت في سبيل الله"، الله أكبر .هكذا تكون العزة الإيمانية، ولم يبق مجال للاستمرار في الحوار، فأشار الضابط بوجوب التنفيذ والإعدام .

  • هكذا فإن تاريخ العلماء الكبار أبيض وناصع من بن حنبل إلى بن جبير إلى العز بن عبد السلام إلى صاحب الظلال . تعرضوا لنار المحن فكانوا كالمعادن النفيسة التي لايزيدها لهب النار إلا نقاء وصفاء . أما فقهاء البيادة وعلماء السلطان ومنهم من طالت لحيته وتدلت حتى منتصف صدره وقصرت ثيابه حتى بلغت ركبتيه..!؟, فلم تغنى عنهم تلك المظاهر الخادعة لبسطاء الناس من الله من شئ وسقطوا جميعا فى بئر العمالة والخيانة والجباية . هناك علماء فرسان أبطال سجلوا أسماءهم بحروف من نور فى سجلات التاريخ وصفحاته إلى أبد الآبدين . وهناك آخرون سجلوا أسماءهم بحروف من وحل وطين فى سجلات الخائنين إلى يوم الدين

المصدر