العدوان على لبنان يبقى احتمالاً قائماً.. إلا بوجود صفقة!
بقلم: الأستاذ إبراهيم المصري
الأمين العام للجماعة الإسلامية في لبنان

بعد فشل المجلس النيابي في اقرار مشروع قانون خفض سن الانتخاب من واحد وعشرين عاماً الي ثمانية عشر، وانقسام مواقف الكتل النيابية من مشروع اصلاحي بديهي، كان المجلس النيابي السابق قد توافق على اعتماده في أول انتخابات تجري، وفق عريضة نيابية وقعها النواب في شهر تشرين الأول عام 2008، علماً أن مشروع القانون يعتبر واحداً من بديهيات الحياة السياسية، التي تقتضي مشاركة الشباب في انتخاب ممثليهم، سواء في الندوة النيابية أو المجالس البلدية..
أحسب أن على الراغبين في تطوير الحياة السياسية وتحديثها، ان يتواضعوا كثيراً في طموحاتهم، طالما أن الهاجس الطائفي يسيطر على عقول الناس ويضغط على أي رغبة في تطوير الحياة السياسية من خلال انعاشها واشراك الشباب فيها.
هكذا طويت صفحة اصلاحية لتفتح صفحة أخرى، سوف تثير الكثير من اللغط حولها، تلك هي النسبية في العملية الانتخابية.
فمن المعروف أن التوزيع الطائفي يحكم العملية الانتخابية، واذا كانت نسبة التمثيل الطائفي تقتضي المثالثة أو ما هو أوسع، الا أن المناصفة هي التي تحكم هذا التمثيل بموجب دستور الطائف.
وانطلاقاً من هذا، فإن التمثيل النسبي ينبغي أن يكون محكوماً بضوابط طائفية ومذهبية، مما يجعل عملية الفرز وتوزيع المقاعد في غاية الصعوبة.
يضاف الى هذا الكوتا النسائية، سواء كانت بحدود 20٪ كما اعتمدها مجلس الوزراء، أو ترتفع الى 30٪ في المجلس النيابي كما تطالب الجمعيات النسائية، فأي نسبيّة سوف يرسو عليها الاختيار، وأي كوتا نسائية، فضلاً عن إصرار الرئيس نبيه بري على تفعيل النص الدستوري القاضي بتشكيل «الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية»، وكل ذلك سوف يحال على المجلس النيابي في دورة انعقاده العادية في 16 آذار القادم.
وعلى هذا فإن البلد سوف يدور حول نفسه في قضايا تعتبر في كل بلدان العالم من البديهيات، كمثل سن الاقتراع، والتمثيل النسبي، ومشاركة المغتربين، واسترداد الجنسية، بينما سوف تتوقف الحكومة، وبعدها المجلس النيابي، عند أيّ من هذه العناوين ليناقش آثارها الجانبية وتداعياتها الطائفية، بصرف النظر عن المصلحة الوطنية.. في وقت بات فيه لبنان عضواً في مجلس الأمن الدولي ويشكل طرفاً فاعلاً في أزمة الشرق الأوسط التي تدور حول البرنامج النووي الإيراني، أو الحرب الاسرائيلية الأمريكية ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية. فأين يقف لبنان في هذه الأزمة، وما هي احتمالات وقوع الحرب؟!
يبدو أن عوامل الضغط على إيران قد استُنفدت، وأن الادارة الأمريكية باتت تدرك أن أي ضربة عسكرية يجري توجيهها الى إيران سوف تخلف آثاراً وتداعيات في غاية الخطورة، فالخليج (العربي أو الفارسي) الذي يشكل طريق عبور النفط الى العالم، سوف يكون ساحة الحرب الأولى فيما لو تعرضت إيران لأي عدوان، أمريكي أو اسرائيلي، فضلاً عن القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في كل أقطار الخليج.
وليس عبثاً تصريح الأميرال مايكل مولن رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيوش الأمريكية يوم الاثنين الماضي بأن «أي ضربة مهما كانت ناجحة (الى إيران) لن تكون حاسمة وحدها»، ودعا الى ممارسة ضغوط دبلوماسية واقتصادية على طهران.
واذا كانت القدرات الاسرائيلية، الجوية أو الصاروخية، قادرة في الحروب التي خاضها الكيان الصهيوني ضد العرب على الحسم العسكري خلال أيام، فإن المعركة القادمة سوف يكون لها شكل آخر.
فالحروب السابقة دارت مع جيوش متخلفة وضعيفة، بينما الحرب مع إيران أو مع المقاومة الإسلامية في لبنان سوف تكون «المقاومة» هي العنصر الأبرز فيها، سواء عبر الحرس الثوري الإيراني أو مجاهدي حزب الله في الجنوب اللبناني.
وهكذا فإن تكامل جهود المقاومة مع القوات النظامية (في إيران ولبنان) سوف يفرض معطيات عسكرية جديدة لم يألفها الكيان الصهيوني في حروبه السابقة.
هذا جانب من عوامل احتمالات نشوب حرب في المنطقة. أما الجانب الآخر فهو احتمالات عقد صفقة أمريكية إيرانية، قد تكون سوريا وسيطاً فيها وغالباً ما تؤدي تركيا هذا الدور.
فقد استشهد عماد مغنيّة (أبرز القادة العسكريين لحزب الله) في شباط من العام الماضي في دمشق، في عملية لم يكشف عنها النقاب بعد.
كما أن الشهيد محمود المبحوح الذي جرى اغتياله في دبي خرج من دمشق كذلك!! أما احتمالات الصفقة مع طهران فهي عالية، وأبرز تجلياتها وقوع عبد الملك ريغي زعيم جماعة «جند الله» الإيرانية السنية، المتهم بأحداث تفجيرات واغتيالات لزعماء الحرس الثوري الإيراني، في يد السلطات الإيرانية، في عملية اعتراض طائرة كان يستقلها فوق مياه الخليج.
ويجري الحديث عن صفقة تم الوصول اليها عبر الاستخبارات الباكستانية قضت برفع الغطاء الأمريكي عنه وتسليمه الى إيران، وقد تحدثت أوساط إيرانية عن ريغي أنه كان قبل 24 ساعة من وقوعه أسيراً داخل قاعدة أمريكية في المنطقة، وما زالت المعلومات متناقضة حول عملية تسليمه، فهل هناك صفقة في الموضوع.
ماذا عن لبنان في كل هذه الدوامة؟ لقد كان الكيان الصهيوني يركّز على ضربة محتملة للأراضي اللبنانية، لكن كل تصريحات كبار المسؤولين الصهاينة توحي بأنهم صرفوا النظر عن هذا التوجه، وأبرز هذه التصريحات ما أدلى به رئيس الطاقم السياسي والأمني في وزارة الأمن الاسرائيلية عاموس غلعاد، نفى فيه أن تكون اسرائيل تخطط لتوجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية أو شنّ حرب ضد سوريا ولبنان.
وأكد «أن اسرائيل لا تنوي بأي شكل من الأشكال مهاجمة سوريا أو إيران أو حزب الله، كما أن هذه الجهات لا ترغب اطلاقاً باشعال النيران في المنطقة، ادراكاً منها لقوة الدفاع الاسرائيلية».
وهذا الكلام لا يأتي من الفراغ، ولا ينبغي لانسان واع أن يصدق أن الكيان الصهيوني يمكن أن يسلم بوجود القدرات النووية لدى دولة مثل إيران ينادي زعماؤها بازالة اسرآئيل من الوجود.. الا اذا كانت هناك صفقة، أو مرونة إيرانية ازاء قبول الوساطة التركية التي تقضي بنقل مفاعلات التخصيب الى الأراضي التركية أو غير ذلك.
وقد تكون إنذارات أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله سبباً في اقناع الصهاينة بأن أية عمليات عسكرية ضد إيران أو ضد سلاح ومناطق المقاومة لن تكون مجرد نزهة.
يبقى الواجب الذي نلفت النظر اليه باستمرار، ان يكون لبنان جاهزاً لمواجهة أية عملية عسكرية اسرائيلية، بذريعة تختلقها اسرائيل أو تستوردها من أي مكان في العالم كما حدث قبل غزو لبنان عام 1982، وان يكون للبنان - كل لبنان - دور في المواجهة القادمة، جيشه ومقاومته وشعبه، جنوبه وشماله وبقاعه وعاصمته، لأن أحداً لن يكون بمنأى عن تداعيات هذا العدوان الاسرائيلي المحتمل في أي وقت.
المصدر
- مقال:العدوان على لبنان يبقى احتمالاً قائماً.. إلا بوجود صفقة!موقع: الجماعة الإسلامية فى لبنان