الصادق شورو ونقاهة عابرة بين سجنين!
ياسر الزعاترة
لم يمض سوى شهر واحد على خروج الصادق شورو -الرئيس السابق لحركة النهضة التونسية- من السجن حتى عاد إليه من جديد بعدما حكم عليه بالحبس مدة عام واحد بتهمة الانتماء إلى جمعية غير مرخص بها!
كان شورو قد خرج للتو بعد مكوثه 18 عاما داخل السجن، قضى أكثرها في زنزانة انفرادية لمنعه من الاختلاط بإخوانه الآخرين الذين سبقوه إلى الحرية الجزئية. نقول الحرية الجزئية لأن سيارات البوليس ما زالت ترابط أمام بيوتهم وتلاحق أنفاسهم ليل نهار.
لم يرتكب شورو جرما يستحق العقاب، تماما كما لم يرتكب في السابق، وكل ما اقترفه هو الحديث إلى برنامج «بلا تأشيرة» الذي تبثه فضائية «الحوار» اللندنية، وفيه أشار إلى ما تعرض له هو وإخوانه من تعذيب خلال سنوات اعتقالهم، الأمر الذي يعرفه القاصي والداني ووثقته العديد من منظمات حقوق الإنسان الدولية.
أما قصة الجمعية غير المشروعة التي ينتسب إليها فمثيرة للسخرية، إذ يعلم الجميع أنه كان رئيس حركة كانت ولا تزال موجودة في الداخل والخارج.
أيا يكن الأمر، فقد أراد النظام من خلال ما فعله أن يعيد الرجل إلى السجن بتهمة جديدة، ربما لقناعة منه بأهميته لحضور الحركة وقوتها من جهة، والأهم حتى يشرد به من خلفه، ويبعث رسالة للجميع مفادها بأن أية جهود لاستعادة وجود الحركة وتعزيز حضورها لن تقابل بغير القمع والسجون.
شورو كان أمام المحكمة كما عهده إخوانه رابط الجأش لا يخشى سيف الجلاد، فقد استنكر مداهمة بيته وترويع أهله رغم إمكانية اعتقاله دون ذلك، ومن ثم احتجازه في ظروف قاسية حيث ترك يومين كاملين على كرسي في غرفة ضيقة ليس معه فيها أحد. أما الأهم فهو إعلانه عدم التنصل مما قاله في «الحوار»، رافضا أن يصادر حقه في التعبير عن أفكاره ومواقفه التي يقدر فيها مصلحة البلاد والعباد.
كانت محاكمة الصادق شورو محاكمة للظلم وانتصار للحرية، إذ تطوع للدفاع عنه عدد من كبار المحامين والسياسيين بلغ عددهم حوالي 70، ومن بينهم أحمد نجيب الشابي المرشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، و عبدالفتاح مورو وهو الشيخ الذي أسس حركة النهضة مع الشيخ راشد الغنوشي ، و عبدالرزاق الكيلاني رئيس فرع تونس للمحامين، ومحمد النوري رئيس منظمة «حرية وإنصاف» للدفاع عن حقوق الإنسان. هؤلاء جميعا استنكروا الحكم الجائر معتبرين ما جرى محاكمة سياسية لا صلة لها بالقانون، كما رفضوا استمرار المحاكمات السياسية مهما كانت.
في أجواء من هذا النوع، معطوفة على استهداف مظاهر التدين بمختلف أشكالها، بما في ذلك عمارة المساجد، كان لا بد أن تجد للسلفية الجهادية فضاء للعمل والتحرك، من دون أن يعني ذلك أن الخطاب الوسطي للنهضة قد فقد بريقه، لكننا نتحدث عن حراك طبيعي في مجتمع تتعامل دولته مع التدين مثل فرنسا وتركيا، بل ربما أسوأ من ذلك.
هكذا عاد الصادق شورو الأستاذ الجامعي القدير إلى السجن من جديد، فيما يعيش إخوانه الذين خرجوا قبله ومعه أجواء ترهيب غير عادية، ما يعني أن تونس لم تغادر بعد حقبة القمع، الأمر الذي تشهد به منظمات حقوق الإنسان، ومختلف العاملين في الشأن السياسي في البلاد.
ربما كنا نتمنى أن يستريح الصادق شورو بعض الشيء قبل أن يبدأ رحلة جهاده الجديدة في مواجهة الظلم، لكن الكبار لا يستريحون، فقد خرج ليحدث العالم عما وقع له ولإخوانه، كما خرج ليقول للجميع إن الراية لن تسقط مهما غلت التضحيات.
الله وحده هو من يمكنه أن يجزي هؤلاء الرجال وأمثالهم من المجاهدين في كل مكان خير الجزاء عن صبرهم وتضحياتهم، «إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب»، وهو من سيتكفل بالظالمين «ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون».