الشوبكي: مبادرة (الإخوان) كشفت عجز الآخرين
[17-03-2004]
المقدمه

(الإخوان) أثبتوا أنهم قادرون على التعايش والاندماج في الحياة السياسية.
المبادرة تناولت فكرًا جديدًا ومعتدلاً غير ذي قبل.
لا إصلاح سياسي حقيقي دون الاعتراف بوجود (الإخوان).
هناك بعض النقاط كان يجب على (الإخوان) التريث بها.
مبادرة (الإخوان) الأخيرة هي حدث سياسي وتاريخي؛ ذلك لأن البعض يتهم (الإخوان) بأنهم لا يملكون برنامجًا سياسيًّا، وليست لديهم رؤية لحل مشكلات الواقع أيضًا؛ فجاءت المبادرة وسط ضغوط خارجية تحاول العبث بالمنطقة لمصلحة الصهاينة، فاتهمها البعض بأنها مغازلة للأمريكان وإظهار ضعف وعجز النظام الحالي والأحزاب، ولقد جاءت المبادرة تقول بأن (الإخوان) ليسوا معصومين من الخطأ، وأن موضوع المبادرة هو محل نقاش.
ولقد انتقد البعض بنود المبادرة، سواء لوجود خصومه سياسية بينهم وبين الإخوان، أو على أسس موضوعية تستحق النقاش، أحد هؤلاء الباحثين المتخصصين الدكتور "عمرو الشوبكي"- الباحث والخبير بمركز الدراسات السياسية بالأهرام، الذي حاورناه لمعرفة رؤيته لمبادرة (الإخوان) الأخيرة للإصلاح الشامل في مصر-.
نص الحوار
- ما رأيك في طرح مبادرة (الإخوان) في هذا التوقيت؟
- شهدت الساحة العربية الأيام الماضية تعدد في المبادرات سواء من الخارج أمريكا وألمانيا أو من الحكومة المصرية وهي أفكار عامة تردد حولى الإصلاح السياسي والإقتصادي، ليس لها أجندة واضحة، وبالتالي فالساحة السياسية فارغة، بمعنى أنه لا توجد مبادرات حقيقية، ودون طرح بديل للإصلاح، فهناك مرحلة فراغ حقيقي لقوى الداخل؛ ولذلك فتوقيت طرح المبادرة بالنسبة لـ(الإخوان) هو توقيت مناسب؛ لأن (الإخوان) طرحوا أنفسهم كأحد التيارات السياسية القادرة على أن تبادر وتعلن أنها موجودة وبقوة ولديها رؤية وبرنامج محدد وواضح.
- ولقد أثبتوا أنهم هم التيار الوحيد القادر على طرح أفكار وبرامج في هذا الوقت، فالساحة مفتوحة للجميع لكننا لم نر من طرح مبادرات غيرهم، وهذا يحسب لهم، ولقد كشفت مبادرة (الإخوان) عن عجز الآخرين.
- من تقصد بالآخرين؟
- هم الأحزاب والقوى السياسية والدولة، التي لم تقدم خطاب تطور يتناسب مع ما تمر به المنطقة من ظروف صعبة، وكانت المبادرة بمثابة إحراج للدولة، وإن كانت غير مقصود من (الإخوان) وإظهار ضعف الأحزاب.
- فهل ترى أن ذلك كان سببًا لمهاجمة بعض الأحزاب للمبادرة؟
- الأحزاب التي هاجمت المبادرة كانت لوجود خصومة سياسية، فهناك حساسية البعض من (الإخوان) كتنظيم كبير، فأي موقف صادر من (الإخوان) يؤخذ بحساسية شديدة، ويكون بمأخذ الجد من جميع الدوائر، ومهاجمة (التجمع) لـ(الإخوان) والمبادرة، هذا ليس جديدًا، فالتجمع هو أقرب للدولة من الإسلاميين، وهم دائمًا في خصومه إيديولوجية وسياسية مع الإسلام السياسي، ويعتقدون أن حركات الإسلام السياسي أخطر على المجتمع من النظام الحالي وهذه أفكار يسارية متشددة.
- ما رأيكم في ادعاء البعض من أن (الإخوان) طرحوا المبادرة، وعينهم على الخارج؟
- لا يوجد أحد بالعمل السياسي يستطيع القول بأن (الإخوان) لم يكن في ذهنهم الخارج، وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية؛ لكن ليس معنى ذلك أن هناك اتفاق بين (الإخوان) والأمريكان أو أن (الإخوان) مجرد بوق، فأفكار الخارج تؤثر على الداخل وهذا ما يظهر من اهتمام النظام بما يطرحه الخارج، فالاهتمام بالخارج موجود ومطروح سواء من الدولة أو الأحزاب، فنحن في عالم متشابك، و(الإخوان) طرحوا المبادرة بهذا الشكل وفي هذا التوقيت، ليظهروا أنهم ليسوا متعارضين مع الخارج في قضايا كثيرة، وإن كان هناك خلاف في بعض القضايا.
- إذن أنت ترى فكرًا جديدًا في المبادرة؟
- بالطبع هناك فكر جديد لـ(الإخوان) بالنسبة للعلاقات الدولية وطبيعة السياسة، وكان خطابهم في المبادرة أكثر اعتدالاً من ذي قبل، فهناك اختلاف واضح عن انتخابات 87 م وشعار (الإسلام هو الحل)، فكان بذلك ضد الجميع، وأنه يطرح نفسه كبديل؛ لكن اليوم نعترف بأن هناك نظام موجود وهى جزء منه.
- فهي تعترف بوجود نظام جمهوري برلماني، وهي بذلك توضح للنظام أنها لا تريد هدم المعبد على من فيه؛ ولكنها تطلب إصلاحات محددة؛ لكن كان يجب على (الإخوان) طرح كيفية تفعيل ما طرحوه من بنود في المبادرة، وهل التفعيل يكون عن طريق التنسيق مع الدولة أو الأحزاب؟، وكيف يمكن ترجمة هذه الأفكار بدلاً من ترديدها منذ عشرين عامًا من كل الأحزاب والقوى الوطنية؟.
- إذن أنت تؤيد ما جاء من تجديد في المبادرة فمع ماذا تختلف؟
- الأفكار الجديدة طيبة فهي أكدت على قيم المجتمع العليا كالنظام الجمهوري البرلماني، ودخول (الإخوان) الحيز السياسي بشعار (الدستور هو الحل) بدلاً من (الإسلام هو الحل).
- أما الاختلاف فيكون في بند المرأة وتوليتها الولاية الكبرى أم لا، فإن هناك جدلاً داخل (الإخوان) لم يُحسم حتى الآن في هذا الموضوع، فهناك مَن يرى أن تتولى المرأة الولاية الكبرى، وهناك مَن يرى عكس ذلك، فكان من الواجب عليهم ترك هذه النقطة مفتوحة للنقاش، وبحسمهم لها أتت في غير صالحهم.
- أيضًا الكلام عن حرية الرأي وتنظيم الأحزاب والحفاظ على الآداب العامة كان كلامًا تقليديًّا قيل من كل أحزاب المعارضة؛ لكن ما تميز به كلام (الإخوان)، أن اللغة السياسية للخطاب هذه المرة كانت أكثر إحكامًا مما قبل، وقد أثبت (الإخوان) أنهم لا يعيشون في جزيرة منعزلة، ليس لديهم مشروع انقلابي ضد أحد، وهم أعلنوا إن كنا نختلف مع الأمريكان لكننا لن نعلن الحرب عليهم.
- أترى أن (الإخوان) مستعدون لتطبيق ما جاء في المبادرة في الواقع العلمي؟
- ما طرحته المبادرة كان جزءًا من سياسة اتخذها (الإخوان) في السنوات الماضية، وخير دليل على ذلك انتخابات 2000م، وانتخابات نقابة المحامين، ولقد أثبتوا من خلال هذه السياسة أنهم أكثر تصالح سياسي وقيمي، وأنهم قادرون على الاندماج في الحياة السياسية، فـ(الإخوان) قد طبقوا بالفعل قبل أن يعرضوا مبادرتهم، ولقد أوضحت المبادرة أن (الإخوان) اتجاه سياسي له مرجعية إسلامية، ومن الوارد الاختلاف معهم دون القول بأن هناك اختلاف مع الإسلام.
فزاعة الأخوان
- هل تعتقد أنه بعد ذلك ما تزال فزاعة (الإخوان) تلاحق البعض؟
- لم يعد لها نفس البريق القديم، فلم يعد الخوف من الحركات الإسلامية له مكان حتى بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فالحركات الإسلامية قد نجحت في التفاعل مع الأنظمة في كثير من الدول العربية وغيرها، مثل الأردن والجزائر وأيضًا تركيا.
- لكن ما يزال النظام المصري يمتلك بعض الأوراق التي تعرض ضد الإسلام السياسي، وما تزال هذه الأوراق تأخذ مآخذ الأخذ والرد من جانب الأمريكان.
- إذن لماذا الخوف والقلق من (الإخوان) إذا كانوا قادرين على التعايش السياسي؟
- المشكلة الحقيقية هي أن الدولة لا تستطيع الانفتاح على التيارات الشعبية، ومنها (الإخوان) والمشكلة تكمن في أن الصدام مع (الإخوان) هو صدام مع التيار الشعبي بأكمله وسبب استبعاد (الإخوان) هو عدم وجود جيل من الشباب، وبعض الليبراليين في الحكم أدى إلى جود في التعامل مع الواقع السياسي نظرًا لوجود شللية، ومصالح مشتركة بين القائمين على النظام.
- هل تعتقد أن المستقبل والواقع قادران على فرض (الإخوان) على الساحة السياسية؟
- المشكلة الأساسية هي أن النظام السياسي المصري، ما زال يصر على التعامل مع ملف (الإخوان) كملف أمني، وهذا ما حدث أخيرًا من تصريحات وزير الداخلية على المبادرة، ولم نجد أي رد فعلي من القيادات السياسية، فالأولى أن تتعامل الدولة مع (الإخوان) من جانب سياسي وليس أمني، ومن هذا يتضح أن الدولة لها موقف ثابت من (الإخوان) لن تغيره في ظل وجود هذه النخبة الحاكمة، وأنه لا توجد مساحة للانفتاح على الإخوان.
الأصلاح والأخوان
- كيف ترى الإصلاح بدون (الإخوان)؟
- لا إصلاح سياسي حقيقي إلا بدمج التيار الإسلامي و(الإخوان) داخل الحياة السياسية، ولا يمكن القبول بأن هناك إصلاح إلا إذا انفتحت الدولة على (الإخوان)؛ لأنهم واقع موجود بالشارع المصري، ولهم تكتل برلماني أكبر من كل أحزاب المعارضة مجتمعة.
- هل سيقبل الأمريكان بما يفعله النظام المصرى من إصلاحات شكلية، ودون دمج (الإخوان) في الحياة السياسية؟
- النظام ما زال يروج للتجربة الجزائرية وما حدث بالجزائر، وأن الإسلاميين هم أخطر على العالم، وما زال هذا الملف موضوع أخذ ورد من جانب الأمريكان، ولم يحسم بعد خاصة أن هناك تجارب لحركات إسلامية ناحية مع الأنظمة.
- نعود إلى المبادرة وموقفها من أهل الذمة فما رأيك؟
- موقف المبادرة إيجابي تقليدي وليس إيجابيًّا تجديديًّا، فالموقف ثابت ومعروف.
- بم تفسر موقف الباحثين من مبادرة (الإخوان)؟
- لا بد أن يكون هناك حد مهني للتعامل مع (الإخوان)، وإن كان المطلوب أن يتعامل معهم الجميع؛ لكن تتميز بعض ردود أفعال الباحثين بسوء النية والتربص بكل ما يطرحه الإخوان، وهذا يأتي على حساب الموضوعية، إضافة إلى أن فكرة المبادرة في مصر مرفوضة وتحارب أيًّا كانت، فهناك جمود تام في الحياة السياسية والاقتصادية وهناك أناس مستفدون من ذلك، ويخافون على كراسيهم، فأي مبادرة تفزع النخبة الموجودة سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو أدبية.
- هل ما يدور حولنا الآن يدل على وجود إرادة سياسية للتغيير؟
- لا توجد إرادة سياسية حقيقية للتغيير، والخطوات التي اتخذت من إنشاء المجلس القومي لحقوق الإنسان، وإلغاء محاكم أمن الدولة خطوات إيجابية؛ ولكنها ليست كافية فلا بد من فعل شيء ملموس في مضمون الإصلاح السياسي، كإلغاء قانون الطورئ والسماح بإنشاء أحزاب وحرية إصدار الصحف.
- ماذا ترى في طرح (الإخوان) لمبادرتهم بنقابة الصحفيين؟
- لا شيء في ذلك؛ لأن النقابة مكان لطرح كل الأفكار والبرامج؛ ولكن كان على (الإخوان) أن يوضحوا أن ما يصدر عن المؤتمر الصحفي هو لا يعبر عن النقابة.
- كباحث سياسي بما تنصح (الإخوان)؟
- لابد أن يكون هناك مزيد من التفاعل مع القوى السياسية الأخرى والأحزاب، وضرورة أن يعرفوا مواطن قوتهم الحقيقية، ويتمسكوا بها للنهاية، وأن يتعاملوا سلميًا، أيضًا مزيد من تبلور الرؤية السياسية، وعدم الخوف من الانفتاح على العالم الخارجي.
المصدر
- حوار: الشوبكي: مبادرة (الإخوان) كشفت عجز الآخرين موقع اخوان اون لاين