الشعوب تصوِّت لصالح الإسلاميين... فمتَى يستجيب الحكام لإرادتها؟!
لم تختلف نتائج انتخابات الكويت الأخيرة عن الانتخابات التي جرت قبلها بأيام في الأردن أو بأسابيع فياليمن.
يمكننا رصْد ثلاث ظواهر صاحبت هذه الانتخابات جميعًا، بل ومن قَبلها أيضًا خلال الشهور الماضية في المغرب والبحرين وباكستان وتركيا... هذه الظواهر هي:
- الإسلاميون إمَّا في المقدمة أو يحصدون أفضل نتائج المعارضة.
- العشائر عادت لتلعب دورًا كبيرًا، خاصةً في البلاد التي تتكون من قبائل وعشائر، مثل الأردن والكويت.
- الأحزاب التقليدية على النمط الغربي- ليبرالية، واشتراكية، وقومية- تتراجع بصورة كبيرة، أحيانًا تحصل على نتائج متواضعة كما في اليمن، وأحيانًا تفقد مقاعدها جميعًا، كما في الأردن والكويت.
كيف نفسِّر هذه الظواهر في ظل المتغيرات الإقليمية والمحلية والدولية؟!
وما هي النصيحة الواجبة للتيار الإسلامي الذي يحظى بثقة الشعوب؟
وكيف تتعامل الحكومات والنظم مع هذه الإرادة الشعبية الواضحة؟ وما هو موقف النخب السياسية والفكرية والثقافية؟
جاءت انتخابات الكويت "5/7" لتُضيْف تأكيدًا جديدًا لهذه الظواهر، فقد كان أكْبر الفائزين التيار الإسلامي، الذي استطاع الجناح السلفي فيه أن يُعوِّض خسارة "الإخوان المسلمين" بحيث ارتفع رصيد الإسلاميين في النهاية إلى 18 مقعدًا؛ مما قوى مكانتهم في مجلس الأمة، وعزَّز وضعهم السياسي إذا قارنَّا نتائجهم بالهزيمة والخسارة الكبيرة التي لحقت منافسيهم اللَّدودين من التيار الليبرالي، الذي لم يَعد له تمثيل يُذكر في المجلس الحالي، إلا أن هذا يتوقف على وحدة الكتلة الإسلامية.
استمعت إلى فارس المنبر الديمقراطي النائب المخضرم "عبد الله النيباري" يعْزو فشل المنبر في الحفاظ على المقعدين أو تحقيق نتائج ما إلى أن الحكومة أيَّدت التيار الإسلامي، وكان هذا من أعجب التبريرات، حيث إن كافة المراقبين يقررون أن العكس هو الصحيح، وأن مواقف الليبراليين في الدورة السابقة التي كانت إلى صفِّ الحكومة- خاصةً أثناء استجواب وزير المال السابق "يوسف إبراهيم"- كانت أقوى أسباب انصراف الناس عن هذا التيار الذي خسر رموزه الكبار جميعًا، ولعل ما يُخفف حسرتهم هي خسارة الحركة الدستورية الإسلامية "الإخوان المسلمون" لأبرز نوابهم النائب المخضرم "مبارك الدويلة" وإن بقي لهم تمثيل بنائبين فقط.
يفتقد التيار الإسلامي إلى التنسيق بين فصائله، خاصةً الإخوان والسلفيون، وقد بذلت جهود طيبة للتقريب بين وجهات النظر وجرت محاولات لرأْب الصدع الذي جرَت؛ بسبب عزْل وزير الأوقاف السلفي لوكيل وزارة الأوقاف الإخواني، وتسبب ذلك في تراشقات كلامية حادة، ويظهر أنها أدت إلى تشويه صورة التيار كله، ففاز الوزير، وخسر الإخوان مقعدين.
هل هذا هو السبب الوحيد؟!
أعتقد أن دراسات جادة بدأت داخل كل التيارات السياسية الكويتية لمحاولة فهم هذه النتائج التي يعتبرها البعض مُريحة للحكومة القادمة والتي شهدت لأول مرة في الكويت فصل ولاية العهد عن منصب رئاسة الوزراء؟ بينما يري البعض أن المجلس سيزعج الحكومة.
أول هذه الأسباب- لتراجع القوى السياسية عامة "خسرت 7 مقاعد عن برلمان 99"- هو تشرذمها وعدم اتفاقها على برنامج إصلاح محدد وواضح يلتقي عليه الفرقاء جميعًا، ولا شكَّ أن التراشق بين هذه التيارات يؤدي إلى عزوف الناخب الكويتي عنها.
من هذه الأسباب أن القوي السياسية فشلت في النفاذ إلى المجتمع العربي بحيث تساهم في تحديثه وطرْح قضاياه الحقيقية، بينما يعوض التيار الإسلامي هذا الغياب بالحضور الدعوي القوي والنشاط الاجتماعي والخيري البارز والجهود التربوية التي يبذلها، من خلال اللقاءات الخاصة أو الدروس العامة أو نشاط المدارس والمساجد، فضلاً عن القدرات التنظيمية الجديدة،
وبذلك يتحمل هذا التيار العبء في القيام بالدور التحديثي للانتقال بالمجتمعات العربية من القبلية والعشائرية إلى البُنى الحديثة المجتمعية دون إغفال للدور الذي تقوم به البُنى التقليدية، وذلك عملاً بالحديث الشريف: "ليس منا من دعا إلى عصبية"، ولن يمكن تجاوز العصبية العشائرية المخصة إلا بما هذبها به الإسلام الذي دعا إلى الوحدة الإنسانية العامة وساوى بين الناس جميعًا وجعل معيار التفاضل بين الناس في الخدمة العامة والكفاءة لقول الله تعالى: ﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ﴾ (القصص:26) وقول الله تعالى: ﴿اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾ (يوسف:55)
كان للموقف من التحالف العدواني ضدَّ الأمة الإسلامية الذي تقوده أمريكا بزعم محاربة الإرهاب سببًا يمكن به تفسير بعض النتائج في الانتخابات الكويتية، ولذلك ما سبقها في الأردن واليمن.
يقول المفكر الإسلامي الدكتور "عبد الرزاق الشايجي" عن نتائج الانتخابات: إنها "هزيمة لأنصار أمريكا والعولمة في البرلمان الكويتي"، ويظهر أن هذا سببٌ وجيه قد يفسر صعود التيار السلفي والذي عارض الحرب على العراق ببيان قويّ، وكان الصوت الوحيد في الكويت الذي أعلن هذا الموقف الشجاع في مناخ شعبي وحكومي وإعلامي يناصر الحرب لإزاحة نظام "صدام حسين" الذي تسبب بكارثة غزو الكويت في آثار خطيرة أكبرها هو ملف الأسرى المعلق.
لعل مضي ثلاثة شهور منذ سقوط النظام البعثي في بغداد واحتلال العراق أمريكيًا وظهورالمستور كان له سبب في هزيمة أنصار أمريكا.
فالأسرى لم يظهر منهم إلا ثلاثة، عثر على جثتهم والملف مازال مفتوحًا، وقلوب الأهالي ملتاعة، ونوايا أمريكا اتضحت فهي جاءت لتبقى وتحكم العراق وتتحكم في ثرواته، وقد تطالب الكويت بما طالبها به "صدام" من قبل، بتعويضات عن نزيف النفط المدعى به، وحينئذ ستختلف الإجابات، فهنا نريد إعمار العراق، وهذا يتكلف مليارات، فلتسقط العقوبات المالية، ولنطالب بتعويضات عن آبار نفطية، وهكذا تنعكس المواقف فحاكم العراق اليوم هو "بريمر" وليس "صدام".
كانت المواقف الإسلامية- التي بررت الغزو والاحتلال- تفتقر عند الناخب الملتزم إسلاميًا- بجانب عوامل أخرى بالقطع- إلى المصداقية المطلوبة وإلى فقه الموازنات الدقيق.
لقد حافظ التيار الإسلامي على مواقعه في الكويت واليمن والأردن مع تحقيق نسبة تصويت عالية، ورغم المواقف الحكومية ضده ورغم زيادة النزعة العشائرية في تلك البلاد، ورغم القصف الإعلامي الليبرالي والاشتراكي- والمُعولَم أمريكيًا- ضدَّ كل ما هو إسلامي!!.
واستطاع أن يحقق انتصارات مهمة في المغرب وتركيا والبحرين وباكستان لأسباب سبَق شرحُها من قبل، ويحتاج هذا التيار إلى نصائح مهمة من كافة المخلصين.
أهمها: أن يتحلَّى بروح المسئولية، وأن يستمر في بناء الجسور مع الجميع لإزالة شوائب الانتخابات، وأن يعلم أن خلافات السياسة ليست تتعلق بالكفر والإيمان، ولكنها تتعلق بالمصالح والمفاسد والقمع في دائرة الخطأ والصواب.
وإذا استطاع هذا التيار أن يتبنَّى الصالح المفيد من برامج التيارات الأخرى فهي بضاعته رُدَّت إليه، وهذا لا يُعيبه أن يطعم بها برامجه.
- يحتاج التيار الإسلامي إلى شرْح وتوضيح حقائق الإسلام- خاصةً في مجال الحكم والإدارة وبناء المجتمعات فيما يتعلق بقضايا الأسرة والمرأة والأقليات والمجتمع الأهلي والحريات العامة في النشر والإعلام- للشعوب أولاً ثم للعالم المتربص بنا، والذي يحتَكر الصوت العالي في إعلامه الكارهِ للإسلام أو الحاقد عليه، الذي يرى الإسلام عقبة في سبيل تحقيق أحلامه الإمبراطورية.
- على الإسلاميين تبنِّي هموم الناس البسطاء والجهاد من أجل تحقيق مصالحهم وشرح حقائق الأمور لهم لبناء ديمقراطية حقيقية في بلادنا، فنحن أولى الناس بها،
- على الإسلاميين أن يحققوا قدرًا معقولاً من التنسيق فيما بينهم لبناء جبهة إسلامية عريضة تحتفظ بالحق في تنوع الآراء في إطار الإسلام لتقديم نموذج للتعددية داخل التيار الواحد، بحيث يقتنع الجميع أنه ليس في الإسلام من يَحتكر الصواب.
- وعلى النخب السياسية والفكرية والثقافية التي تساير الإمبريالية الأمريكية والمحافظين الجدد في أمريكا مراجعة أنفسهم بأمانة، وأن يقتربوا من الشعوب، وأن يجتهدوا في فهْم الإسلام، وإذا أخلصوا النوايا فسيرَون أن الثقافة الإسلامية والعقيدة الإسلامية تحافظ على كرامتهم وتحترم عقولهم وتغنيهم بثرائها عن التقاط الفتات من موائد الآخرين، وتحقق لهم سلامة النفس والروح والضمير، فضلاً عن رجاحة العقل.
- أما الحكومات فهي أمام اختبار صعب وعسير، فهل ستستخدم التيار الإسلامي لتتكدس في مواقعها أكثر من ذلك وقد انتهى عمرها الافتراضي تمامًا، وماذا تفعل عندما تنتصر وجهة نظر التيار الذي يقوده "بول وولفوفيتز" داخل إدارة "بوش"، والذي يدعو لعدم الخوف من حكم شيعي في العراق، خاصةً إذا وجدت أمريكا نفسها تغرق في المستنقع العراقي، ولم تجد منقذًا إلا احترام إرادة الأغلبية الشيعية، خاصةً مع إشارة الغزَل التي أرسلها الرئيس "خاتمي" إلى الإدارة الأمريكية، ويشير فيها إلى هدوء المناطق الشيعية وعدم وجود مقاومة فيها.
وهنا يكون هناك حكم شيعي عراقي يتمتع برضاء أمريكي، وحكم سني إسلامي تركي يتمتع برضاء أمريكي، مع ضغوط أمريكية واضحة لإدخال إصلاحات ديمقراطية حقيقية وليست شكلية، ماذا تفعل النظم الحاكمة؟
النصيحة الواجبة هي أن يعترفوا بالحقيقة ويمتثلوا لإرادة الشعوب بدلاً من الامتثال لإرادة أمريكا، وأن يبادروا إلى إصلاحات حقيقية جادة، وأن يتخلَّوا عن أوهام توريث السلطة وتحويل الجمهوريات إلى ملكيات، عليهم أن يغيِّروا اتجاه البوصلة، فبدلاً من استجداء رضا أمريكا والمحافظين الجدد فيها- وهو رضًا صعب المنال كما هو واضح- فالأسهل هو الاستجابة لرغبات وتطلعات الشعوب وهي سهلة التحقيق، وليكن الانتقال السلمي للسلطة أو على الأقل المشاركة في المسئولية والحكم هو البديل الجاد والدليل على الانتقال إلى مرحلة الديمقراطية الحقيقية حتى ولو جاءت بالإسلاميين، المهمّ أن يكون دون ضغائن أو أحقاد حتَّى يتفرغ الجميع لترميم الوطن وبناء المستقبل.
لقد جاء تشكيل "مجلس الحكم الانتقالي" في العراق يحمل رسالة قوية إلى النظم الحاكمة في المنطقة العربية.
لم يكتف الأمريكيون بالتشكيل الطائفي الذي يحمل نذر "لبننة" العراق وتفتيته وتقسيم أراضيه.
ولكنهم أرادوا استيعاب كل القوى السياسية المؤثرة في الحياة السياسية العراقية، والتي أقصاها حزب البعث الصدامي السابق، فها نحن نرى في المجلس شيوعيين إلى جِوار إسلاميين إلى جوار ليبراليين لم يختفِ إلا التيار القومي لصعوبات لا تخفى على أحد.
نحن هنا لا نرصد كل ما يتعلق بالمجلس؛ لأنه حديث طويل يحتاج إلى مقال مستقل، ولكننا نرصد الرسالة التي يوجبها إلى النظم الحاكمة، ولعل الوزارة الجديدة في الكويت تحمل قدرًا من التوازن، فقد انخفض عدد مقاعد آل الصباح بمقعد واحد "رسالة" وتم تمثيل التيار الإسلامي بأكثر من وزارة، وغابت وجوه ليبرالية كانت تسبب مشكلات؛ بسبب توجهاتها المصادمة للروح المحافظة في الكويت.
أمام هذا المجلس الجديد، وأمام الحكومة الجديدة ملفات صعبة، وحتى تفيق التيارات السياسية من صدمة الانتخابات نؤجل الحديث عن هذه الملفات الجديدة القديمة.
كل التهنئة للكويت وشعب الكويت، رغم ما شاب الانتخابات من مؤثرات، وكل التهنئة للفائزين، خاصةً الوجوه الجديدة التي نأمل فيها خيرًا وخالص التهنئة للتيار الإسلامي الذي حصد18 مقعدًا، آملين في وحدة الموقف.... وكلمة إلى الذين لم يوفَّقوا هذه المرة أو غابوا: "نسأل الله ألا يكون غيابكم طويلاً".
المصدر
- مقال:الشعوب تصوِّت لصالح الإسلاميين... فمتَى يستجيب الحكام لإرادتها؟!إخوان اون لاين