السعيد الخميسي يكتب : سجلوا أسماءكم في مدرسة الحرية
بتاريخ : الاثنين 30 يونيو 2014
- إذا كانت حرية الأمم والشعوب تتمثل فى سيادتها على أرضها واستقلالها فى اتخاذ قرارها وعدم رضوخها لغيرها فى كل ماتراه يحقق مصالحها العليا , فإن حرية الإنسان الحقة ولاسيما إذا كان مسلما صائما تعنى السيطرة على الأهواء والتحكم في نوازع الشر وأن لاتستعبده عادة ولا تستذله شهوة جامحة ولا يخضع لرغبة جانحة .
فلابد للصائم أن يكون له السيادة على نفسه والسيطرة عليها وكبح جماحها فلا يتركها تقوده إلى طريق الغواية والشيطان الذي هو طريق الرذيلة والسقوط الأخلاقى المهين المشين .
إن المؤمن الحر الصائم لاتحد حريته حدود ولا يقيدها قيود لأن حريته وهبها له الله ولم يمنحها له بشر لأن من يملك المنح يملك المنع .
فمن استعبده الحق والخير والعدل والرحمة , فقد حرر نفسه من مطامع النفس وثقلها ورغباتها وزيغها وانحرافها وميلها وجنوحها عن الحق .
- رمضان مدرسة الحرية لأنه يحرر المؤمن من المراقبة إلا لله .
فأنت أمامك الطعام والشراب ويمكنك تناوله بعيدا عن أعين الناس , لكن أنت فى هذه اللحظة حر لاسلطان لشهوة عليك , ولاسلطان لرغبة جسدية على قرارك , ولاقوة تجبرك على الصيام غير حريتك فى تحرير إرادتك من مراقبة لبشر, لتكون فقط لرب البشر.
أنت فقط فى هذه اللحظة الإيمانية الفريدة حر لأنك لم تستسلم لرغبة جسدك ولأثقال بدنك وارتقيت بروحك فى عنان السماء بعيدا عن وحل وطين الأرض ومن عليها .
إذا أنت حر لأنك سموت بروحك فوق رغبات ومطالب الجسد من شهوات ورغبات ونزوات .
الصيام حررك من عبودية الطعام والشراب فلاتكن بعد اليوم عبدا مملوكا لأحد فى العالمين .
- رمضان مدرسة الحرية لأنه إذا سبك أحد أو شاتمك ثم رددت عليه وأنت لله صائم , فأنت فى هذه اللحظة لست حرا , لأنك وقعت أسيرا فى سجن الدوافع الذاتية والرغبات الشخصية وحب الانتقام والتشفي للنفس .
فإن سموت فوق شهوة الانتقام وكسرت قيد التشفي وتحررت من حظوظ النفس واخترت الصفح والحلم والإعراض عن الجاهلين وقلت لمن شتمك " إني صائم " , فإنك فى هذه اللحظة قد حققت معنى الحرية لأنك حررت نفسك البشرية من حظها فى النيل ممن تعرض لها بالأذى والسب والشتم .
الذي سبك وشتمك هو عبد ذليل ضعيف لكن ليس لله , ولكن لنفسه الأمارة بالسوء التي تقوده إلى سواء الجحيم .
وأنت حين سكت ولم ترد فأنت حر كريم قوى تعلم معنى الصوم ومعنى الحرية ومعنى الإنسانية .
- رمضان مدرسة الحرية لأنه يعلمك التمرد على العبودية..! . وهل هناك عبودية أكبر من عبودية الطعام والشراب ومالذ وطاب من الملذات والشهوات .
إن التمرد على العبودية هو أول صفة من صفات الأحرار الأبرار الذين لايسجدون لبشر أو طاغية مهما أوتى من قوة ومن رباط الخيل .
رمضان فيه جوع وعطش وعناء وتعب , ولكن هذا الجوع والعطش والتعب يحرر جسدك من عبودية العادات الرتيبة اليومية .
إنه يحرر روحك لتكون لها الكلمة العليا فوق رغبات جسدك وبدنك . إنها حرية الإرادة فى أن تفعل مايمليه عليك عقلك وروحك , فلاتنهزم أمام رغبات جسدك وترفع راية الاستسلام وتصبح أسيرا كالعبد المملوك الذي لايقدر على شئ .
- رمضان مدرسة الحرية لقول أحد العارفين بالله " فى الحرية تمام العبودية , وفى تحقيق العبودية تمام الحرية " .
فأنت فى رمضان تمتنع عن الفاحش من القول والفعل .
تبتعد عن القول الذميم والخلق الذميم والسلوك الذميم , وأنت فى كل هذا تحقق معنى الحرية .
أنت فى رمضان تمسك لسانك عن الخوض فى أعراض الناس وتعلن السيادة والسيطرة عليه فتقوده للخير ولا يقودك هو للشر والقيل والقال وكثرة السؤال .
أنت فى رمضان تبرئ ذمتك من حقوق الناس وماعليك من دين مادي ومعنوي وأدبى .
فى هذه اللحظة أنت تحقق العبودية لله وتحرر نفسك من الخضوع لغير الله والمذلة لغير الله .
فأنت تحقق العبودية التي هى تمام الحرية . أرأيت كيف..! ؟.
- رمضان مدرسة الحرية والتحرر لأن الحرية خاصية وهبها الإسلام لأبنائه الصائمين .
فهل المفطرون جهارا نهارا فى رمضان أحرار..؟ ألا تعتقد معي أنهم عبيد لقمة وصرعة لذة عارمة اجتاحت نفوسهم المريضة..؟ ألا ترى معي أن المفطرين حرمتهم شهوة بطونهم وفروجهم من أن يعيشوا أحرارا مثلنا ..؟
ألا تعتقد أن المفطرين فى رمضان بلا عذر هم جنود الحظيرة الأوفياء لسيدهم إبليس الذي يقدم قومه يوم القيامة ليتبرأ منهم ويعلن أنه لم يكن له عليهم من سلطان غير أنه دعاهم فاستجابوا له .
لوكانوا حقا أحرارا ماعاشوا عبيدا فى حظيرة الشيطان يقدمون له فروض الطاعة والولاء . لقد خلقهم الله بشرا أسوياء غير أنهم رفضوا إلا أن يعيشوا كالأنعام بل هم أضل .
- إن رمضان يعلمنا الحرية من أوسع معانيها .
إنها الحرية التي تنبعث وتنطلق من الجوع والعطش والحرمان لكن بإرادة حرة تنبع من ذات الإنسان دون وصاية من بشر .
إن رمضان يعلمنا السمو والارتقاء والتحليق فى سماء الحرية بعيدا عن أرض العبودية والعبيد .
هل تعتقد أن هذا العالم سوف يسعد ويتقدم ويسموا إذا تحكم فيه الطغاة العبيد..؟
إنهم عبيد لمطامعهم وشهواتهم ونزواتهم السياسية .
هل تعتقد أن البشرية كلها سوف تتقدم وهى مازالت تربى عبيدا على أراضيها..؟
إن الشعوب سوف تظل حبيسة فى حظيرة العبودية , تأكل من طينها , وتشرب من كدرها إذ هى لم تتحرر من قيود العبودية التي منحها لهم الإسلام دين الحرية والعزة والكرامة .
لقد كان الفاروق عمر حرا أبيا قويا كريما حين خاطب الحجر الأسود قائلا له " والله إنى أعلم أنك حجرا لاتضر ولا تنفع ولولا أنى رأيت رسول الله يقبلك ماقبلتك " .
الفاروق عمر يعلم البشرية معنى التحرر من الأصنام..!؟.
- حان الوقت وآن الأوان لكل حر على هذه المعمورة أن يتعلم من رمضان معنى الحرية .
الحرية التي تجعله يقود نفسه ولاتقوده . الحرية التي تجعله يكون سيدا على لسانه فيسوده ولا يسوده لسانه .
الحرية التي تجعله يرتقى ويسمو فوق مطالب الجسد فلايقع أسيرا لهواه ومطامعه ورغباته ونزواته .
الحرية التي تجعله لايخضع لطاغية أو مستبد أو ظالم خشية الموت , لأن الموت والحياة بيد الله عز وجل والطغاة لايملكون لأنفسهم ضرا ولانفعا ولا حياة ولا نشورا .
الحرية التى تجعل كل مواطن يعتقد أن الله خلقه حرا يحقق تمام العبودية له .
ومن كان عبدا لله لايمكن أن يعيش عبدا لبشر طاغية .
حرروا أنفسكم أولا لكى تتحرر أوطانكم بعد ذلك لأن العبيد لايقيمون وطنا حرا .
رمضان مدرسة الحرية والتحرر وقد فتحت أبوابها فهيا التحقوا بها وسجلوا أسماءكم فى سجل الخالدين الأحرار الصائمين وباب التسجيل 30 يوما فقط..! ؟ .
أسرع ولا تضيع الفرصة فالمتقدمون كثر والطابور طويل والوقت قليل..!؟.
المصدر
- مقال:السعيد الخميسي يكتب : سجلوا أسماءكم في مدرسة الحرية موقع: إخوان الدقهلية