السعيد الخميسي يكتب: قراءة سياسية في حل " الحرية والعدالة "

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
السعيد الخميسي يكتب: قراءة سياسية في حل " الحرية والعدالة "

بتاريخ : السبت 13 سبتمبر 2014

جاءت ثورة يناير المجيدة على قدر، فصنعت جيلا من الشباب - رغم مدتها القصيرة وأحداثها المحدودة - اتخذ الحرية عقيدة ومنهج حياة، ولم لا وقد خلقنا الله أحرارًا، لا نركع إلا لله ولا نسبح بحمد أحد سواه، ولا نخشى مخلوقًا مهما كان منصبه وغناه.

وكانت أيام الثورة وما تلاها، أيام حرية وكرامة وعزة، وأيام أمل وإقدام وطموح، وقد ظن الناس أن القهر والظلم والاستبداد والتخلف قد ذهبت إلى غير رجعة، فانفتحت بذلك أمامهم طاقات الحماسة، وزاد الشعور بالوطنية والانتماء، والافتخار بالعروبة والإسلام.

وما كان أحد يظن أن فى بلدنا من يخون ويتكسب بالعمالة، ويقدم مصالحه التافهة على مصالح وطن بكامله ومستقبل أبنائه، ولم يفكر أحد أنه سيجىء يوم يرفع فيه السلاح - المفترض أن يشهر فى وجه الأعداء - فى وجوه أبنائنا وبناتنا، وإخواننا وأخواتنا، وصغارنا وكبارنا وكل من له رغبة فى الإصلاح، وكل من عنده أمل فى أن يضىء شمعة تبدد ظلام عقود مديدة عشناها فى أجواء التخلف والجهل والتبعية.

من أجل هذا انتفض الشباب بالملايين؛ دفاعًا عن الحرية واستمساكًا بالحقوق الآدمية التى شرعها المولى -سبحانه وتعالى- لنا وجاءت ثورة يناير لتؤكدها.

وليقولوا للفاسدين والعملاء: لا لمكان لكم فى قيادة بلدنا بعد اليوم.. وحتى الساعة لم يتوقف طوفان الشباب؛ فى الشوارع والجامعات، والمحافل والمنتديات وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، وفى المتاح من وسائل الإعلام.. الكل يطالب بالحرية، ويتغنى بها ويصر على انتزاعها ممن اغتصبوها انتزاعًا..

ولا أعتقد أن الظالمين سينعمون براحة - ولو لساعة واحدة - حتى تتحقق مطالب الشباب، وحتى تعود الحرية لبلدنا، وحتى يقتص من القتلة ويعاقب كل من أسال دمًا أو ارتكب جرمًا فى حق الآخرين.

إن من ذاق طعم الحرية لن يرضى عنها بديلا، ولن يخدع بوعود أو قرارات تخاطب البطون وتداعب الأفواه الجائعة المحرومة، على حساب الحريات والحقوق الإنسانية والاحتياجات الآدمية..

إن الأديان جميعًا تحض على احترام الإنسان وصون كرامته وتجريم الإساءة إليه، قولا وفعلا، وإن دم الإنسان مقدس على سائر الأشياء، فوق الأرض وتحت الأرض، وما بعث الله الرسل إلا لإتمام مكارم الأخلاق، ولإخلاص العبودية لله، وهذا ما فهمه حواريو الأنبياء ومن تبعهم بإحسان..

فما زالت كلمات ربعى بن عامر -ذلك الجاهلى الضال الذى اهتدى بنور الإسلام فصار ينطق بالحق، وصار يتحرك به- تدوى فى جنبات التاريخ، تصرخ من أجل الحرية، والكرامة الإنسانية: «جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام».

والحرية معنى عظيم لا يمكن المساومة عليه، والأحرار لا يعرفون غير هذا المعنى، ولا يستطيعون الحياة من دونه، ولو حرموا الطعام بتاريخ : الاثنين 08 سبتمبر 2014.

  • بادئ ذي بدء فأنا لم أكن عضوا رسميا فى حزب الحرية والعدالة " حتى تكون مقالتي خالصة لوجه الله , مجردة وبعيدة عن التوجهات الحزبية و الإملاءات السياسية والالتزامات الأيدلوجية .

فى البداية أود أن أشير إلى أن الدول العظمى تنعم بأحزاب كبرى ذات كوادر مميزة فى شتى المجالات . فأمريكا فيها الحزبان الكبيران الديمقراطي والجمهوري .

وبريطانيا فيها الحزبان الكبيران المحافظين والعمال .

وفرنسا فيها يمين الوسط واليسار .

والأحزاب الكبيرة ذات الشعبية الهائلة فى عرض الشارع وطوله لايمكن حلها بقرار سيادي فوقى أو حتى بقرار قضائي .

لقد كانت الحياة السياسية مجمدة فى مصر فى ثلاجة النظام العقيم 30 سنة كاملة .

وبعد ثورة يناير خرجت أحزاب كثيرة من رحم الثورة لترى النور وفى مقدمتها حزب " الحرية والعدالة " الممثل لتيار الإخوان المسلمين.

ونشطت الحياة السياسية لأول مرة فى مصر بعد ثورة يناير وتشكلت أحزاب ذو أيدلوجية إسلامية وعلمانية وليبرالية وماركسية , وأصبحت المنافسة فى سوق السياسة تعبر عن الوزن النسبي لكل تيار فى الشارع دون مبالغة أو تأثير أو تزوير من أى جهة .

  • ودخلت تلك الأحزاب حلبة المنافسة الحرة النزيهة فى أكثر من استحقاق انتخابي وفاز فيها حزب " الحرية والعدالة " بأكثرية الأصوات فى كل تلك الاستحقاقات .

ولأول مرة تقطع يد التزوير قبل أن تصل إلى فوهة الصناديق لتملأها ببطاقات مزورة لصالح حزب السلطة كما كان من ذي قبل .

وأصبح فى مصر أحزاب سياسية قوية وعلى رأسها " الحرية والعدالة " .

ولكن نظرا لان سلطة الانقلاب لاتريد وطنا قويا ولااحزابا تمثل غالبية الشعب ويلتف حولها جموع الناس , فلجأت إلى حل مجلسي الشعب والشورى وإلغاء الدستور وخطف الرئيس المنتخب وحل أكبر حزب لاأقول فى مصر فحسب , ولكن فى العالم العربي كله من شرقه لغربه ومن شماله لجنوبه .

لان عقلية تلك الأجهزة تريد أن يظل الشعب المصري شعب " سايب " ومفكك وغير مترابط حتى يسهل السيطرة عليه وتوجيهه إلى حيث تريد .

  • ولا أكون مبالغا إذا قلت أن حل حزب الحرية والعدالة " بليل من قبل المستشار " فريد تناغو " وهو مسيحي الديانة وتكريمه فى اليوم التالي بوسام الجمهورية من الطبقة الأولى من قبل قائد سلطة الانقلاب قبل أن يخرج للمعاش مباشرة , فإن ذلك يضع ألف مليون علامة استفهام أمام هذا الأمر الذي لايخلو من خيانة قضائية بإيحاء من سلطة الانقلاب التي هى الموجه الفعلي لقضاء مصر فى هذه الأوابة السوداء .

وأقول للمتشدقين بمصطلح " الأمن القومي المصري " إن حل " الحرية والعدالة " الذي كان يقوم بدور الدولة الغائبة اقتصاديا وعلميا وتعليميا وصحيا لهو ضربة قاصمة للأمن القومي المصري الذي تتشدقون به ليل نهار دون فهم أو وعى . لان حزبا بهذا الوزن النسبي, كان يجب الحفاظ عليه .

  • إن حزب الحرية والعدالة " كان ومازال يضم فى عضويته أكثر من نصف مليون عضو من ]]الإخوان]] وغير الإخوان من المؤيدين والمحبين والمتعاطفين والمقتنعين بالحزب .

والحزب يضم أيضا فى أعضائه عشرات الآلاف من أساتذة الجامعات والأطباء والمهندسين والمحامين والمدرسين والمهنيين وعوام الناس .

وهذا النخبة المميزة لاتتوفر فى أي حزب آخر فى مصر .

وكان الحزب يمثل كنزا استراتيجيا للمصريين نظرا لضعف دور الحكومة فى الخدمات العامة فى التعليم والصحة والاقتصاد .

فكانت كوادر الحزب السياسية تعقد مؤتمرات توعية للجماهير من حين لآخر .

هذا فضلا عن القوافل الطبية المميزة التي كانت تقدم الكشف والعلاج المجاني للمصريين .

أضف إلى ذلك القوافل الاقتصادية فى القرى والنجوع , ولاننسى المساعدات العينية لطلبة المدارس الفقراء , ومساعدة الأرامل فى تزويج بناتهن .

فالإعمال الخيرية كانت لاتتوقف لابليل ولا بنهار .

  • إن حزب الحرية والعدالة " لم يكن الوجه الآخر للحزب " الوطني " المنحل الفاسد كما يزعم الكاتب الانقلابي المرتد عن الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان " فاروق جويدة" نظرا لأن الحزب الوطنى" كان يمثل التقاء المصالح بين نخبة فاسدة وقد تم تكوينه بقرارات فوقية سلطوية ولم يكن له علاقة بمشاكل الناس .

وشريحة كبيرة من نوابه كانوا فاسدين ناهبين ضدهم قضايا سرقة ونهب ومخدرات وتهريب واستيلاء على أراضى الدولة , وهو سبب الخراب الذي نعيش فيه الآن .

أما حزب الحرية والعدالة " فقد خرج من رحم الثورة المصرية وأعضاؤه منتشرون فى كل بيت وشارع وقرية ومدينة يقدمون الخدمات للناس دون مقابل ولم تثبت حالة فساد واحدة ضد أحد من أعضائه ولاسيما فى الصفوف الأولى منه .

إذا فإن المقارنة بين " الحرية والعدالة " " والوطني " هى مقارنة ظالمة خاسرة يائسة لأنها بين حزبين احدهما حكم 30 سنة بالحديد والنار والتزوير , والأخر لم يحكم يوما واحدا , ولم يتسنى له تشكيل حكومة تمثله أمام الشعب .

  • إن حل " الحرية والعدالة " بقرار ظالم خائن لهو ضربة قويه قاصمة ليست للحزب وأعضائه , بقدر ماهى لمصر وللعمل السياسي الحزبي بصفة عامة .

إن إقصاء الحزب وكوادره وتفريغ الدوائر الانتخابية من كوادر هذا الحزب المميزين لهو خطر كبير نظرا للفراغ السياسي الناشئ .

إن هناك بعض الأحزاب الكرتونية الورقية التى فرحت واستبشرت وبرزت أنيابها وهزت أذيالها ورقصت بقرونها وهزت وسطها وباضت وأفرخت بإقصاء أعضاء حزب الحرية والعدالة من الساحة , ظنا منهم أن الساحة ستخلو لهم وسيكونون هم فرسان الرهان أمام الناس , فأقول لهم إن أحلامكم طفولية وردية , وإن تصوراتكم لم تبلغ بعد سن الرشد السياسي لأن أجهزة الأمن هى التي ستحدد الفاسدين الجدد الذين يمثلون لا أقول الشعب ولكن سلطة الانقلاب .

وإن دوركم لن يكون أكثر من أدوات تجميل للوجه الدميم..!؟. فلتضحكوا قليلا ولتبكوا كثيرا على خيبتكم وهشاشة تصوراتكم.

  • إن التاريخ يعيد نفسه ولكن في أماكن جديدة وأزمنة مختلفة بأسماء جديدة وإشكال متطورة وصور متنوعة .

إن تجربة حزب " الرفاة " فى تركيا وحله وسجن رئيسه " نجم الدين اربكان " ومنعه من ممارسة السياسة بعد فوز الحزب بالانتخابات فى تركيا وتدخل الجيش السافر فى الحياة السياسية ليذكرنا بما يحدث اليوم فى مصر .

لقد انتهى حزب "الرفاة " ولكن ظهر حزب جديد يحمل نفس الأيدلوجية ألا وهو حزب " العدالة والتنمية " برئيس جديد وهو رجب طيب اوردغان الذي فاز بأغلبية الأصوات فى كل الانتخابات وترأس الحزب والحكومة ونال على ثقة الشعب التركي واستطاع تحييد الجيش وتقديم قادته الفاسدين للمحاكمة .

وأخيرا تنازل عن رئاسة الحزب والحكومة وترشح للرئاسة تركيا وفاز من الجولة الأولى دون إعادة مع منافسيه بعد حصوله على أكثر من نصف الأصوات .

وهذا يعنى أن حل الأحزاب الكبرى تجربة خاسرة فاشلة يدفع ثمنها الوطن المنكوب في سلطته والمهزوم فى إداراته السيئ فى سمعته .

* خلاصة الطرح ::

  • إن حزب الحرية والعدالة " سيعود بعد كسر الانقلاب طال الزمن أو قصر ولكن باسم جديد وبقيادة جديدة وبنهج جديد وسيقود الحياة السياسية والديمقراطية فى مصر نحو آفاق جديدة وسيفتح شرايين جديدة للعمل السياسي كانت قد انسدت تحت سلطة الانقلاب , وسيضخ دماء جديد فى قلب العمل السياسي , وستزدهر الحياة السياسية من جديد وسيعود الجيش إلى ثكناته .

وستكون الكلمة العليا هى للشعب فى أى استحقاقات قادمة .

وسيحصل الحزب على أكثرية الأصوات فى المستقبل القريب , هذه ليست أحلام وردية او خيالات طفولية وإنما قراءة واقعية لميزان القوى السياسية على ارض الواقع رغم القتل والسجن والاعتقال والتشريد والخطف لأعضاء الحزب .

أن الأحزاب القوية لم تكن يوما ما أوراقا تحرق أو مباني تهدم أو أموالا تصادر بقدر ماهى أفكار قوية ومبادئ صلبة ومعتقدات راسخة ثابتة رسوخ وثبات الجبال الراسيات .

وكما يقولون " ياجبل مايهزك ريح..!؟"

حق فرطوا فى شىء اعتقدوه، أو تنازلوا لخصم فلم يستكملوا الطريق، بل سمعنا عمن قُتلوا صبرًا فما أعطوا لمن قطع أجسامهم عضوًا عضوًا فرصة للسخرية منهم أو للشماتة فيهم، إنما عاشوا رجالا وقتلوا رجالا، على الهيئة الطاهرة التى خلقهم الله عليها، وفى التاريخ الدرس والعبرة.

والأحرار لا تغريهم المغريات، ولا يقعون فى شراك الخصوم، ولا تلتبس عليهم الأمور، وفى طريق الأحرار هناك العديد من الألغام، لكنهم يعرفون كيف يتفادونها، وكيف يسيرون إلى هدفهم الأسمى: الحرية دون تخبط أو تلكؤ أو انزلاق، فإذا سقط أحدهم فى الطريق؛ لعجز أصابه أو لإغراء جذبه أو لرغبة فى راحة ودعة، فإن ذلك لا يفت فى عضدهم ولا يثبط هممهم، بالعكس فإنه يكون دافعًا لعلو الهمة والتفاؤل بقرب انتهاء المحنة، ويكون يقينًا عندهم أن من بقى على الطريق هو من يستحق أن يتسلم الجائزة.

المصدر