السعيد الخميسي يكتب: بيقول : مافيش... مافيش!

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
السعيد الخميسي يكتب: بيقول : مافيش... مافيش!


بتاريخ : السبت 19 إبريل 2014

  • خرج علينا ذات يوم رجل ناعم الكلام , له أكثر من وجه وأكثر من لسان , دون أن يلقى على أحد من الحضورالسلام , فإذا به وسط الفنانين والفنانات بلا احترام , ثم يفاجأ الجميع وهو يصرح فى علو وافتخار , بأن مصرهى " أم الدنيا .. وحتبقى أد الدنيا " .

وما إن انتهى من ترديد تلك العبارة , حتى تعالت الصيحات والصرخات فى مبالغة كبيرة لاتخلو من إثارة.

وكأن صاحبهم قد انتشل الوطن من ضيق القبور إلى نور وسعة القصور . وماهى إلا أيام معدودات حتى ظهر الحق وزهق الباطل , ليصرح هو بنفسه بصوت كئيب حزين بائس يائس قائلا " مافيش.. مافيش.. مافيش " ونسى أم الدنيا وأد الدنيا وهو مازال على شاطئ السياسة يلهو ويرتع ويلعب.

فما بالكم لونزل البحر وغطس غطسة واحدة وواجه أمواجا عاتية وشعابا مرجانية قاتلة وحيتانا متوحشة وسمك قرش مفترس..؟

يعلنها صراحة "مافيش " وكأن الضرع قد جف والزرع قد ذبل وأخرجت أرض مصر أثقالها وزلزلت زلزالها وقامت قيامة الوطن وعلينا أن نشيعه إلى مثواه الأخير اقتصاديا وأمنيا وسياسيا .

  • السيسى كان غارقا فى بحر الأحلام الوردية تحيطه من كل جانب أمواج حلم الصعود إلى كرسى الرئاسة واعتلاء عرش مصر .

وكأن حلم الرئاسة أنساه حقيقة الواقع المر الأليم الذى دفع الوطن إليه بانقلابه على أول رئيس مدنى منتخب .

كان يظن أن رئاسة مصر نزهة خلوية وسط حقول خضراء وعصافير وردية شقراء تزقزق له عن اليمين وعن الشمال , وستجرى جنات من تحتها الأنهار من تحت أقدامه , وسيحيطه من كل جانب أنهار من عسل مصفى وأنهار من لبن لم يتغير طعمه , وكأن مصر بعد الإنقلاب صارت جنة الله الموعودة فى هذه الأرض.

ومن هذا المنطلق قال مستبشرا " مصر أم الدنيا وحتبقى أد الدنيا " .

فلما أفاق من غيبوبته واسترد وعيه المخطوف وذهنه المسروق نطق لسانه من غير تفكير فى عاقبة مايقول قائلا بلاوعى أو دراية أو خبرة " مافيش.. مافيش..! ؟" .

  • قال صاحب الأحلام الوردية بصوت عال غاضب " مافيش.. مافيش .. مافيش " وهو مازال على عتبة الباب ولم يدخل الدار بعد .

فما بالكم لو غطس غطسة واحدة فى عمق بحر الحياة السياسية ووقف على حقيقة التركة الاقتصادية الثقيلة , والوضع الأمنى المنهار , والوضع الاجتماعى السئ , والوضع السياسى الردئ المتردى..؟ .

ومابالكم لو علم أن سمعة مصر قد تلوثت بعد انقلابه العسكرى الذى أطاح بمستقبل البلاد والعباد وأعاد مصر إلى سيرتها الأولى..؟

لقد ارتدت مصر تحت سلطة الانقلاب إلى عهد القهر والكبت والقمع والقبضة الحديدية واللغة النحاسية والنبرة الخشبية المسمرة..! .

ليملك السيسى القضاء , ليسيطر السيسى على الإعلام , لتعمل الداخلية بأمره , ليكن الجيش رهن إشارته , لتعمل الصحافة وفق إرادته , كلهم بأمره يعملون , لايؤخر له أمر , ولايناقش له طلب , ولايرفض له تعليمات , وقد سبقه فى ذلك من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا .

والنتيجة كانت السقوط المدوى تحت أقدام شباب مصر الثورى الذى أطاح بكبير الطغاة ليكون من الأسفلين .

  • الآن وهو على الشاطئ يقول غاضبا " مافيش " وغدا لن يجد " مافيش " ولاأكثر منها ولاأقل منها لأن الله لايصلح عمل المفسدين .

لقد صدق وهو كذوب . نعم لن يكون فى مصر بعد اليوم مادامت سلطة الانقلاب قائمة على أصولها ديمقراطية , ولاحرية ولامدنية ولاإنسانية.

لن يكون فى مصر بعد اليوم اقتصاد ولاسياسة ولاانتخابات ولابرلمانات ولامؤسسات منتخبة .

لن يكون فى مصر بعد اليوم هواء نقى لافى مدينة ولاحتى فى ريف , ولا كوب ماء نظيف ولا حتى مسؤول شريف .

سيكون فى مصر فقط الزعيم والقائد والبطل والكل سيطوف حول كعبته ويصلى فى قبلته ويسبح باسمه ويعظم من شأنه .

تحت سلطة الإنقلاب لن يعلو صوت فوق صوت الفرد الواحد , والزعيم الواحد , والبطل الواحد , والإعلام ذو الوجه الواحد , والحزب الواحد .

وسوف تجرف جرافات الديكتاتورية أرض الوطن فلاتبقى فيها ولاتذر شيئا للديمقراطية مذكورا .

  • " مافيش " كلمة حق أراد بها باطلا .

أراد بها أن يتبرأ من سوء الأوضاع وهو السبب . أراد أن يتبرا من إراقة الدماء البريئة وهو المحرض .

أراد أن يتبرأ من سوء الأحوال الأمنية وهو المسؤول . أراد أن يتنصل من تردى الأحوال المعيشية وهو الذى يدير البلاد من طرف خفى .

أراد أن يغسل كلتا يديه من رائحة الدماء وهى عالقة به ولن تزول ولو غسلهما بماء البحار والمحيطات .

أراد أن يعلنها مسبقا أن الفشل يحيط به من كل جانب كما يحيط السوار بالمعصم .

الذين زرعوا الشوك لن يجنوا إلا الشوك ومن زرع العدوان لن يجنى غير الخسران.

وهو حقا قد زرع الكراهية فى كل شبر فى أرض هذا الوطن ورواها بماء الغل والحقد فماذا تنتظرون ان نجنى من وراء كل ذلك غير الخيبة والندم والخسران على كل الأصعدة وفى شتى الميادين .

  • لقد اندلعت ثورة يناير لاسترداد حق الشعب المصرى فى إدرارة شئون بلاده وليس لوضعه فى السجون والمعتقلات وقتله فى الميادين وتهديده بالليل والنهار وإشعال الوطن من شرقه لغربه ومن شماله لجنوبه بالنار .

قامت الثورة لإعطاء كل ذى حق حقه وللقضاء على القطط السمان التى انتفخت كروشها وامتلأت بطونها بخيرات هذا الشعب الذى مازال يسكن شريحة كبيرة منه القبور وتتغذى على مخلفات القمامة وتقيم فى الشوارع وتحت سقوف الكبارى وفى عشش الغاب .

ثم يفاجأ الشعب " بسبع البرمبة " الذى خرج من قمقمه ليقول للشعب " مافيش " وكأنى به يخرج لسانه للشعب مرددا قول سيده الطاغية " خليهم يتسلوا " . حقا إنهم ذرية بعضها من بعض .

ذرية فاسدة مفسدة ضالة مضلة لاترقب فى مصرى إلا ولاذمة .

  • ثم يأتى السؤال المنطقى الموضوعى , إذا كانت مصر عنوانها من أسفلها إلى أعلاها كما تقول " مافيش " فلما تحرص على التضحية بكل شئ لاعتلاء كرسى الرئاسة..؟

هل كرسى الرئاسة صار مغنما..؟ لما الحرص على الوصول لهذا المقعد بأى ثمن..؟

أنت تعلم أن مصر هى الآن " مافيش " فلما تحرص أن تقود بلدا عنوانها " مافيش " ..؟ , لماذا أنت مصمم على قيادة وطن وأنت تمتطى ظهر الدبابة وتضع كل من يعارضك تحت عجلاتها..؟

إذا كنت تعلم أن " مصر " صارت خاوية على عروشها فاترك قيادتها لمن هو أهل للمسؤولية .

اأحد يصدقك وأنت تقول ذلك لأن البعرة تدل على البعير وأثر السير يدل على المسير , فوطن ذات أنهار , وبلد فيها شباب أبرار , وموقع جغرافى متميز كله أسرار, ودولة بها رصيد حضارى جبار , أفلا يدل كل ذلك على أنك غير صادق فى وصفك الوطن بأنه " مافيش " باستهتار..؟ ارحل يارجل واترك مصر لأهلها الأبرار...!؟ .

  • لن يحكم مصر المفلسون عقليا .

ولن يحكم مصر العراة أخلاقيا . ولن يحكم مصر المرضى نفسيا . ولن يحكم مصر الهابطون سلوكيا .

ولن يحكم مصر المتخلفون علميا .

ولن يحكم مصر الطامعون فيها حصريا . ولن يحكم مصر من زرعوا جماجم الشباب فى ربوع الوطن وسقوها بدماء الأبرياء .

ولن يحكم مصر من يرفع شعار :" أليس لى ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتى " لأن مصر بعد اليوم لم تعد ملكا لأحد إلا لشعبها فقط .

ولم تعد فى مصر أنهار تجرى تحت مقعد رئاسة أحد .

وليعلم أى رئيس قادم أيا كانت أيدلوجيته أنه أجير عند الشعب وليس أميرا عليهم .

فقد ولى عهد الأمراء وأدبر .

  • من كان عنده فضل خير لهذا الشعب فليأتى به على أعين الناس أما من تلوثت أيديهم بدماء المصريين , وتلطخت سمعتهم بانتهاك أعراض شرف نساء مصر , وتلوثت صفحتهم باغتضاب الفتيات فى سجون الانقلاب , فليس لهم مكان فى هذا الوطن حتى يتم القصاص منهم حتى تهدأ فوران الدماء فى العروق . فالدم يغلى كغلى الحميم .

ولن يهدأ هذا الشعب ولن يستطيع أى حاكم أن ينظر إلى الشعب وكأنه مجرد جحافل من" نمل سليمان " يلوح لهم قائلا " أدخلوا مساكنكم فيدخل الجميع فى صفوف متراصة تؤدى التحية العسكرية للسلطان الولهان .

من يرفع للشعب شعار أن مصر اليوم جرداء بور وليس فيها غير " مافيش " فليذهب غير مأسوف عليه وليترك الشعب حرا كما يشاء يعيش , بدلا من أن يتركه كالطير الذليل مقصوص الجناح بلاريش .

من كان يظن أن مصر اليوم هى " مافيش " , فليقعد فى الظل وراء جدران الحياة حبيس , وليوقف نزيف الدماء لأن كل قطرة دم ستكون لعنة على من أراقها إلى يوم الدين .

المصدر