السعيد الخميسي يكتب: إني أرى الملك عاريا
بتاريخ : الجمعة 22 نوفمبر 2013
- كان فى ما كان... فى سالف الدهر والزمان ملكا فقد خصائص الإنسان .
ألقى بشعبه فى غياهب الجب والنسيان.!
وكان هذا الملك من فصيلة حكامنا الذين سامونا سوء العذاب سنين عديدة وعقودا مديدة بلا رحمة أو شفقة أو إحسان .
وكان هذا الملك تخشاه رعيته وترتعد فرائسها من مجرد ذكر الاسم والعنوان . وكانوا يتمنون لو تسوى بهم الأرض ولا يتعرضون ولو للحظة واحدة لغضبه وبطشه أيقاظا كانوا أم نيام...! . .
فأراد يوما أن يختبر فيهم عقيدة الولاء لذاته ومدى والحب والعشق والهيام فى قلب شعبه الولهان..! وفى نفس الوقت يتأكد من حقيقة هذا الولاء هل هو ولاء العقول أم ولاء الغفلة والنسيان..؟
فتفتق ذهنه أن يخرج عليهم فى موكب رهيب وحشد مهيب كما ولدته أمه عريان..! . وفى أثناء هذا الموكب الجلل العظيم نظر إلى رعيته وهو يستخف عقولهم سائلا : كيف تروني اليوم..؟
فقالوا جميعا فى صعيد واحد وبلا تفكير: " مارأيناك يوما ما أجمل ولا أفضل ولاازهى من هذا اليوم لأنك اليوم فى أبهى حللك وكامل زينتك وفى أجمل صورة يكون عليها أي إنسان .
وهو فى الأصل كان مجردا من ثيابه عريان. فاطمأن الملك أن شعبه مازال فى بيت الطاعة فقد العقل وأغلق الآذان..!
وكانت الطامة الكبرى أن طفلا صغيرا كان يسير وسط هذا الحشد وقد أذهله هذا النفاق وصدمته تلك المسرحية فصرخ بأعلى صوته مستنكرا نفاقهم قائلا " ياقوم .. انى أرى الملك عاريا..! " أرأيتم كيف تكون الفضيحة وكأن القوم أيقاظ نيام...!؟
- أردت أن أذكركم بتلك الواقعة من سجلات التاريخ القديم لكى أؤكد على حقيقة دامغة ونظرية ثابتة وهى أن الشعوب الضعيفة المستذلة الواهية التي هي أضعف من بيت العنكبوت هى التى تصنع حكامها الظالمين المستبدين .
وماكان لأي حاكم ظالم مستبد مهما أوتى من قوة ومن رباط الخيل أن يمتطى ظهر شعبه ويجره من عنقه صوب قبلته إلا إذا بادروا هم بتقديم فروض الولاء والطاعة واحنوا ظهورهم طواعية لكى يمتطيها ويسوقها ويمدد قدميه فى وجه شعبه واضعا ساقا على ساق...!!
- والجدير بالذكر أن القران الكريم قد حدد أسباب الطغيان وان الطاغية لايمكن أن يحكم ويستبد بلا أوتاد تثبت خيمته فى ارض الوطن فقال عز وجل " وفرعون ذي الأوتاد " ثم قال عز وجل " الذين طغوا فى البلاد " ثم قال " فأكثروا فيها الفساد " إذا لاطغيان ولا فساد بدون أوتاد..! ولابد لخيمة الفساد والطغيان من أربع أوتاد إذا فماهى أوتاد اى حاكم ظالم مستبد..؟
- هل أتاك حديث الوتد الأول..؟ إنها " أجهزة امن الطاغية " التى تزين لأى حاكم طاغية فى كل عصر انه من سلالة عمر بن الخطاب مع انه جلاد وظالم ومستبد .
تزين له سوء عمله فيراه حسنا..! وهو أقبح من القبح وأسوء من السوء وأمر من الحنظل..!
يسجن الأبرياء فتصور له ذلك انه عدل السماء. ينهب الأموال وهو ظلوم غشوم فتصور له أن ذلك حق له معلوم .
يحكم طيلة عمره بالطوارئ فتمجده وتقنعه انه هدية من الله الخالق البارئ. يقتل الشرفاء فتصور له انه من تلك الجريمة براء..! يحول الوطن إلى فلاة جرداء فتصور له أن الوطن فى عهده حديقة فيحاء..!
تزين له انه فى أبهى صوره وأحلى حلله وفى الوقت ذاته يصرخ الشعب كله كذاك الطفل " ياقوم.. إني أرى الملك عاريا..! " ولكن لقد أسمعت لو ناديت حيا.. ولكن لاحياة لمن تنادى. انه ليس وتدا بل خنجرا فى ظهر الشعب...!
- أما وتد الطاغية الثانى فهو وتد " المجالس التشريعية " يلجأ الطغاة فى كل العصور إلى اصطفاء أشباه كائنات حية فى صورة بشر وماهم ببشر ولا برجال ولاحتى بنساء لان النساء اشرف منهم بكثير..!
ويمنحهم لقب " نواب الشعب " وهم فى الأصل نواب مخدرات تربوا فى الكباريهات ولصوص عقارات سرقوا المليارات .
هم كالعبيد المناكيد الذين لايقدرون على فعل شئ غير الموافقة والتصفيق بأيديهم الملطخة بدماء الشعب.
تأتيهم الأوامر ليلا فينفذوها صباحا وتأتيهم الأوراق فيبصمون عليها بلا شرف أو أخلاق..!
هم فى الأصل ترزية قوانين يفصلون القوانين على مقاس سيدهم وولى نعمتهم حتى يغذق عليهم بالفتات الساقط من على مائدته فيلعقونها بأطراف ألسنتهم حامدين شاكرين له حسن صنيعته وتفضله عليهم بهذا الخير الوافر والعطاء الزاخر..!
يراه شعبه لصا مزورا وهم يصورونه بأنه أساس العدل ومنبع المساواة . يصورون الطاغية انه كامل الزينة يرتدى ثوب العدالة ولا يخلعه أبدا لا فى سفر ولافى حضر...!.
وهو فى الأصل عار من كل الأخلاق. تراه رعيته على حقيقته دون تجميل وهم يصرخون بأعلى أصواتهم " ياقوم انى أرى الرئيس عاريا...! " إنها ليست وتدا بل خنجرا فى عقل الشعب...!
- أما وتد الطاغية الثالث فهو " القضاء " وماادراك مالقضاء..! ثم ماادراك ماالقضاء..!
يغدق الطاغية على بعضهم المناصب ويمنحهم المكاسب ويعدهم ويمنيهم ومايعدهم الطاغية إلا غرورا لو كانوا يفقهون أو يعلمون..!
يستدعى الطاغية منهم من يرضى أن يدخل بيت الطاعة فيفصلون له الأحكام ويوصلونها له مجانا خالية من مصاريف الشحن لأنه ولى نعمتهم .
يضيقون له الأحكام تارة ويوسعونها له تارة اخرة. يطولون له الأحكام إن شاء ويقصرونها تارة أخرى حتى تناسبه بل حتى يرضى عنها تماما..!
ومن يرفض منهم أن يدخل بيت طاعته فالويل والثبور وعظائم الأمور فى انتظاره آجلا أم عاجلا..! وما سقطت امة فى غياهب الظلم إلا وقضاؤها مائل عن طريق الحق .
ثم لايلبث أن يخرج الطاغية على مرأى ومسمع من الجميع شاكرا قضاء وطنه الشامخ...! نعم إنه الشموخ الذي احدث فى صرح الوطن كل هذه الشروخ...! ؟
- أما وتد الطاغية الأخير فهو " الإعلام " يقوم الطاغية بشراء الألسنة بثمن بخس فيطبلون للطاغية وله ويرقصون فى كل الموالد ويثنون عليه وعلى عهده الميمون.
يجعلون الحق باطلا والباطل حقا إن شاء ذلك . يثبتون له بالبراهين الساطعة والأدلة الناصعة أن الشعب يأكل بملاعق من ذهب وهم لايجدون ملاعق من خشب..! وان الأموال فاضت بها الخزائن حتى ملأت المدائن ولا يوجد فى الوطن مدين ولا دائن...!
يصورون للعامة أن الانكسارات انتصارات , وان الهزائم غنائم , وان الشقاق فى عهده وفاق , وان ضربات سيادته فوق رؤوس شعبه تثبت أقدامهم على الأرض...!
وان ركلهم من الخلف تدفعهم للأمام وان توصيات سيادته هى أوامر واجبة التنفيذ بلا مماطلة أو تأجيل لان فيها أسرار النجاح وسر الفلاح..!
يرى الإعلام الطاغية بأنه أسد هصور مد للشعب الجسور وأخرجهم من الظلمات إلى النور. هم يرون ذلك لكن الشعب يصرخ بأعلى صوته " ياقوم أنى أرى الملك عاريا..! " انه عرى الأخلاق والقيم والمبادئ قبل عرى الأجساد والأبدان...!
- تلك هي أوتاد أي طاغية أو مستبد يحاول أن يغرس أنيابه فى جسد شعبه ويمضغ لحمه بأضراسه العريضة التي لاتكاد تتعب أو تمل من كثرة اللحوم المعروضة عليها..!
إن إصلاح تلك المؤسسات هو واجب الوقت وتطهيرها فرض عين على الدولة إن أرادت الدولة ألا تقع فريسة فى بطن حاكمها .
إن فساد هذه المؤسسات هو بداية بل ونهاية لاى دولة لأنه لايمكن أن ينخر السوس فى الجسد ويظل الجسد سليما معافى ..!
لايمكن لاى حاكم فى اى دولة فى اى عصر أن يسير عاريا من ثيابه متجردا من أدنى القيم الأخلاقية والسلوكية وهو مطمئن تماما أن أحدا من رعيته لن يكتشف حقيقة أمره إلا إذا كان يعلم علم اليقين أن وراءه أجهزة فاسدة ودولة عتيقة تجمل وجهه الكالح وتحلى كلامه المالح..!
- إن الطفل الصغير الذي صرخ محتجا ياقوم " أنى أرى الملك عاريا ..! " وسط هذا الحشد المهيب والموكب الرهيب قد أزال الغشاوة من اعلي أعين القوم . وأزال الران الذي تراكم على قلوب القوم .
وأزال الضباب الذي حال بين القوم وبين الرؤية الصحيحة لهذا الملك بل وآفاقهم من مفعول المخدر الذى حقنهم به هذا الملك فرأوه فى كامل ثيابه وأبهى حلله وهو فى الأصل كان متجردا عاريا كما ولدته أمه.
لابد للأمة أن تتمكن من رؤية حاكمها رأى العين بلا تزييف أو تجميل أو تكبير وفى الوقت نفسه يرى الحاكم أمته وآلامها وأملها وتطلعاتها دون إخفاء أو منع من الأجهزة الفاسدة المستبدة التي لايهمها إلا مصالحها الشخصية وليذهب الشعب إلى سواء الجحيم...!
- إن شعبنا اليوم لابد أن يرتقى إلى أعلى درجات الوعي ويفيق من الغيبوبة السياسية التى لازمته طيلة عقود مديدة وسنين عديدة فإذا عارض حكامه فيعرف لماذا يعارض وكيف يعارض .
وإذا أيد حكامه فلابد أن يعى لماذا يؤيد والى متى سيظل يؤيد..؟
انتهى عصر " الشيك على بياض " التى كانت تمنحه الشعوب الضعيفة المستعبدة تحت سياط الجلاد لحكامها فيحدد هو بنفسه مدة حكمه إن شاء ذلك وان لم يشأ كتب فيه " باق حتى آخر نبضة فى قلبي ...! "
- انتهى عصر الإعلام المزيف والقضاء المسيس والحاكم الأبدي فى القصر المكيف..!
وآن للشعوب أن ترى حكامها على حقيقتهم وان يرى الحاكم شعبه على حقيقتهم بلا تزييف أو تجميل من كلا الطرفين. وان يدرك اى حاكم فى الحاضر أو المستقبل انه يحكم شعبا واعيا فاهما وليس قطيعا يساق بالعصى الغليظة.
انتهى عصر التصفيق والتلفيق وبدا عصر التدقيق والتحقيق فى كل صغيرة وكبيرة فأفيقوا حكاما وشعوبا يرحمكم الله .
المصدر
- مقال:السعيد الخميسي يكتب: إني أرى الملك عاريا موقع: إخوان الدقهلية