السعيد الخميسى يكتب: هل عادت " فيلة أبرهة " من جديد؟
- الطغاة من أشباه البشر فى كل زمان ومكان يعانون من انفصام فى الشخصية ومن أمراض نفسية وعصبية جذورها ممتدة فى أعماق نفوسهم كما تمتد جذور أشجار الشوك فى أعماق الأرض الجرداء التى لانبت فيها ولاماء .
ذلك الوصف ينطبق تماما على" أبرهة " الحبشى فى عصر الجاهلية عندما ظن أن ضخامة وقوة " الفيلة " سوف تنتصر على إرادة وقوة الله عز وجل .
وأنه بتلك " الفيلة " سيهدم صرح الكعبة التى كان يحج إليها العرب من كل حدب وصوب .
لقد كره " أبرهة" أن تكون مكة هى محط أنظار العالم والكل يحج إلى قبلتها فأراد أن يكون هو محط أنظار العالم ومركز الكون والكل يعمل له ألف حساب من عرب وعجم .
أراد هدم الكعبة فهدم الله بنيانه وبنيان جيشه وسقط وهو وجيشه أمام طير أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلتهم كعصف مأكول .
لقد انتشرت فوقهم كسحابة سوداء أخذت تمطرهم بحجارة طينية حارة فكان كل طير يحمل ثلاثة أحجار (واحد في منقاره واثنان في رجليه) تسقط على رؤوسهم وتخرج من أدبارهم .
إنها قنابل نووية إلهية مصغرة أنهت أسطورة أبرهة وجعلته عبرة للعالمين .
- إذا كان " أبرهة " أراد هدم صرح الكعبة من على ظهور فيلته الضخمة لأنه أراد مجدا شخصية لنفسه وزعامة سياسية حتى يهابه العرب والعجم , فإن سلطة الإنقلاب الدموى جاءت على ظهور الدبابات لهدم صرح الحرية والديمقراطية ودهس كرامة المواطن المصرى تحت عجلات دباباتها ومجنزراتها وتحت دوى طائراتها.
وظنت تلك السلطة الغاشمة أن ضخامة الدبابة أقوى من إردة الشعب , وأن طلقات الرصاص سوف تخيف الناس فيدخلون مهروليين مسرعين إلى جحورهم كنمل سليمان عليه السلام .
ظنوا وإن بعض الظن إثم أن الشعب سيرفع راية الاستسلام البيضاء ويخنع لإرادتهم ويخضع لقوتهم ويعترف بسطوتهم ويدع مالقيصر لقيصر لقيصر ومالله لله لكى يهنأ العسكر بحكم مصر حتى تطلع الشمس من مغربها وتلد الأمة ربتها..!؟.
- فإذا كان " عبد المطلب " رفع راية الاستسلام لأبرهة وفيلته الضخمة من باب لاطاقة لنا اليوم بأبرهة وفيلته , وقال له للبيت رب يحميه , وعلى إثر ذلك تفرقت قريش فى الشعاب وتحرزوا فى رؤوس الجبال خوفا على أنفسهم , فإن شعب مصر قرر مواجهة سلطة الانقلاب مواجهة سلمية حضارية حتى لاتهدم الدبابات صرح الحرية الذى ضحى الشعب من أجل إقامته وقدم فى سبيل ذلك كل غال ورخيص.
واستمرت وستستمر المظاهرات السلمية والاحتجاجات اليومية ضد مصادرة حق الشعب فى تقرير مصيره عبر آلية ديمقراطية حرة شفافة لاتمتد إليها يد التزوير الطويلة التى عاثت فى أرض مصر فسادا عبر سنوات عجاف حكمنا فيها الطاغية مبارك بالحديد والنار .
- عاجلا أم آجلا سوف يستقر فى ذهن سلطة الانقلاب أن جنين الحرية سوف يولد من رحم الاستبداد .
وأن اجهاضه والقضاء عليه بفعل فاعل لن يكون أمرا سهلا ميسورا لأنه بالفعل تخلق فى بطن أمه واكتمل نموه .
وإن مايحدث الآن ماهو إلا آلام المخاض التى تسبق ساعة الميلاد العسيرة الصعبة الشاقة .
لن تستطيع تلك السلطة الغاشمة وأد هذا الجنين وكتم أنفاسه وتعطيل نبضاته إلا إذا قتلت أمه من الأصل .
والأم هنا هى مصر الوطن والشعب والدولة . ولن تستطيع قوة فى الأرض داخلية أو خارجية أن تهدم صرح الوطن مهما كانت ضخامة الفيلة التى أتت بها لأن الشعب ذاق الحرية ولن يفرط فيها بأى ثمن وتحت أى ذريعة .
- أراد أبرهة بسط نفوذه على أرض العرب لأهميتها الاقتصادية والسياسية والعالمية . لقد كان يعلم أن سبب تلك المكانة هى وجود الكعبة التى يحجون إليها كل عام .
ولم تكن الكعبة هى هدف أبرهة فقط , بل كانت مكة نفسها كلها مستهدفة بما تمثله من ملتقى حيوي ورئيس لطرق التجارة في شبه الجزيرة العربية آنذاك .
كذلك فإن سلطة الانقلاب انقلبت على الديمقراطية وألغتها بجرة سلاح ليس لأن الاخوان كانوا فى صدارة المشهد فحسب , لكن لأن العسكر لايؤمنون لا بديمقراطية ولابحرية ولا بمدنية ولابحقوق إنسان ولابصناديق الانتخابات .
فمن كان يؤمن بالقوة وبصناديق الذخيرة , لايمكن له أن يؤمن يوما ما بحق الشعب وبصندوق الانتخابات .
فما جعل الله لرجل من قلبين فى جوفه , فإما صندوق الانتخاب أو صندوق الذخيرة , ولقد اختار العسكر حسم الموقف عبر صندوق الذخيرة .
- إن أبرهة لم يكن يؤمن بحق العرب بالعيش فى حياة حرة كريمة ينعمون بالاقتصاد الوافر والأمن والأمان .
كان يريد من العرب أن تحج إلى كنيسته التى بناها لتضاهى مكانة الكعبة ولسحب أنظار العالم إليها بديلا عن الكعبة
. إن مطامعه الشخصية وتطلعه إلى مجد ذاتى تاريخى تتحدث عنه الاجيال القادمة جعله يظن أن التوجه إلى مكة فى جيش عرمرم سوف يكون بمثابة رحلة خلوية قمرية يعود بعدها بأحجار الكعبة على ظهور فيلته وهى تسير مزهوة تتمخطر.
كذلك سلطة الانقلاب ظنت ظن السوء أن هدم صرح الحرية فى مصر سوف يستغرق بضع دقائق , بعدها سوف يستقر لها الطقس ويعتدل من أجلها المناخ , وسوف تهدأ الرياح وتتوقف الزوابع وتتجمد الأعاصير .
هكذا أرادوا لكن الله أراد شيئا آخر . أراد الله لشعب مصر أن يسطر ملحمة بطولية سلمية فى كل الميادين رغم القتل , رغم الدماء , رغم السجن , رغم الاعتقال , رغم الإعدامات بسعر الجملة .
- ستفشل سلطة الانقلاب فى هدم صرح الحرية والديمقراطية فى مصر كما فشل أبرهة الحبشى فى ركوب ظهر الفيلة لهدم الكعبة الشريفة .
نعم.. لمصر رب يحميها , لكن لن نقولها لسلطة الانقلاب ونحن مستسلمون لها , معترفون بسياسة الأمر الواقع , ونهرب إلى رؤوس الجبال وبطون الأودية ندعو عليهم .
سنظل شوكة فى حلوقهم لاتسيغها أفواههم .
وسنظل خنجرا فى ظهورهمم تؤرق مضاجعهم . كما سنظل كابوسا مزعجا ينغص عليهم منامهم بالليل ويفسد عليهم حياتهم بالنهار .
ستصرخ سلطة الانقلاب قريبا فى واد عميق من الفشل والخيبة والندامة , وساعتها لن يصل صراخها إلى الآذان وسيكون مصيرها الفشل الذريع والسقوط المدوى فى بئر النسيان .
- إن سحب الإنقلاب الداكنة السوداء لن تحجب شمس الحرية أن تشرق فى كل نفس وكل بيت وكل شارع وكل حارة .
الحرية غالية الثمن لذا فمهرها عال وباهظ . إننى أؤمن بحقى فى الحرية وحق بلادى فى الحرية وحق أبنائى فى الحرية , كما أؤمن بأنه لاخير فى وطن يعيش فيه أبناؤه عبيدا تحت سياط الجلادين . ماقيمة الدنيا الواسعة الشاسعة إذا كان وطنك يضيق بك..؟ .
أريد أن أعيش فى وطنى حرا استمتع بشمس الحرية , ولاأريد أن أعيش فى وطنى أخشى فيه من صواعق الديكتاتورية . أريد أن أعيش فى كوخ لكن مفتاح بابه فى جيبى .
ولاأريد أن أعيش فى قصرمنيع مفتاحه بيد أعدائى . ذهب أبرهة الحبشى إلى مزبلة التاريخ وهلكت فيلته وبقيت الكعبة رمزا للاسلام والمسلمين . وستذهب سلطة الانقلاب إلى غير رجعة وسيعيد الأحرار كتابة تاريخ مصر بحروف من ذهب لايمحوه عبث العابثين ولافساد الفاسدين .
لاوجود لوطن حر إلا بمواطنين أحرار. الاحرار يبنون الوطن والعبيد يعيشون فيه .
قررنا نحن الموقعين أدناه بناء وطننا بلبنات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان , انتهى زمن أبرهة وهلكت فيلته ولاعودة للوراء.
المصدر
- مقال:السعيد الخميسى يكتب: هل عادت " فيلة أبرهة " من جديد؟ موقع: إخوان الدقهلية