الخدمة الوطنية"إياكم والوقوع في المصيدة !
بقلم : د. عدنان بكريه
/عرب 48
تحتد النقاشات والاجتهادات حول المحاولات الإسرائيلية السلطوية الحثيثة لجذب شبابنا وشاباتنا إلى ما يسمى بالخدمة الوطنية ! ومع الأسف الشديد لا يوجد موقف موحد للأحزاب السياسية والجمعيات والفعاليات الاجتماعية بهذا الخصوص ولا يوجد تفسير صريح وواضح للخدمة الوطنية طبيعتها مسارها وهدفها والى أين ستؤدي في نهاية المطاف ؟!
لقد بدأت الحملة تشتد يوما بعد يوم ومن قبل جمعيات عربية لإغراء الشباب والشابات للانخراط في هذا السلك الغامض ومن خلال الإغراءات المادية والوعودات بتسهيلات تعليمية مستقبلية للطلاب ونلمس انجذاب أعداد كبيرة من شبابنا نحو هذا المشروع المشبوه ! والانكى من ذالك بأن بعض الجمعيات تتفاخر بسرعة تجنيدها للشباب العرب هنا في الداخل !
إن ما يؤسف حقا وبعد أكثر من نصف قرن على تجربتنا المريرة مع حكومات إسرائيل المتعاقبة والتي ما زالت تمارس ضدنا سياسة التمييز العنصري وتجهد في سبيل تجريدنا من انتمائنا للأمة العربية وللشعب الفلسطيني بكافة السبل المتاحة ، أن نقف على أرصفة التسويق لهذا المشروع، دون أن نعي خطورته على شبابنا ومستقبلهم! ويحاول البعض تفسير الأهداف بأنها تندرج في إطار خدمة قرانا ومدننا العربية ! ومن حقنا أن نسأل أليس هناك طريق أخرى لخدمة مدننا وقرانا إلا طريق الانخراط والتوقيع على مشروع مشبوه بأهدافه المعلنة والغير معلنة والتي تثير أكثر من سؤال ؟!
وهل خدمة قرانا ومدننا بحاجة لرعاية حكومية ودعاية إعلامية تهدف إلى استقطاب الشباب العرب وخرطهم في مشروع تتبناه الوزارات المختلفة ؟!!
وهل خدمة قرانا بحاجة لهذه الزوبعة وحملة التسويق الإعلامية الجارية على قدم وساق.. ومنذ متى كانت الحكومة حريصة بهذا الشكل على خدمة قرانا ومدننا العربية وهي التي لم تتدخر جهدا في سبيل تجريدنا مما تبقى لنا من أراض في هذا الوطن الذي لا وطن لنا سواه ؟ ومن هو الذي سيحدد شكلية هذه الخدمة ومسارها نحن أم الأجهزة السلطوية ؟؟
إنني متيقين من أن هذا المشروع يندرج في خانة تضييع الرؤية الوطنية للجيل الشاب وتهيئته للانخراط مستقبلا في الخدمة العسكرية !! نعم الخدمة العسكرية ! وحتى أكون واضحا في تحليلي الذي يعتمد على الحقائق الماثلة فقوة الاستنفار لدى المؤسسات الحكومية والحماس الذي تبديه هذه الأجهزة إزاء " الخدمة الوطنية " والإغراءات التي تقدمها ،تجعلنا نضع أيادينا على قلوبنا خوفا من المستقبل وما يحمله هذا المشروع من مخاطر على الأقلية الفلسطينية هنا !وإذا كان البعض قد انجرف وراء هذا المشروع ودون تفكير فأنني أدعو الاخرين إلى عدم الوقوع في الفخ .. وهنا ألوم الهيئات التمثيلية والأحزاب السياسية التي لم تعمل على توعية الجيل الشاب من خلال إطلاق حملات إعلانية لتحذير الشباب من مغبة هذا المشروع المشبوه !
يحاول البعض تسويق هذه الفكرة من خلال إيهام الشباب بأنهم سيحصلون على المساواة الكاملة في الدولة وسيحظون بتسهيلات متعددة وفي كافة المجالات.. التعليم الجامعي... مخصصات التأمين الوطني.. قروض الإسكان وما شابه ذالك من إغراءات .
وهنا ينتصب السؤال هل مساواتنا مشروطة بالانخراط في الخدمة الوطنية ؟ ومنذ متى كانت الدولة حريصة على مساواتنا ؟ ولو كانت حريصة لأنصفت إخواننا الدروز الذين فرض عليهم التجنيد الإجباري ومنحتهم المساواة التامة وأحداث قرية"البقيعة" الأخيرة والصدامات بين المواطنين والشرطة اكبر دليل على بهتان هذه الحكومة وتحقيرها للعرب بغض النظر عن علاقتهم بالمؤسسة الحاكمة وخدماتهم المقدمة!
علينا أن نناضل للحصول على المساواة دون قيد أو شرط وإذا كانت هذه المساواة مشروطة بخدمة المؤسسة الحاكمة فإننا نفضل أن نبقى منقوصي الحقوق على أن نخدم آلية القمع والاضطهاد .
ولمن يحاول إيهامنا بان هذه الخدمة لا تتعدى تقديم الخدمات الاجتماعية البلدية للوسط العربي.. نقول الوسط العربي أدرى باحتياجاته من السلطة ويبقى هذا الأمر من اختصاصات القيادة العربية المحلية واستثمار طاقات الشباب في أيام عمل تطوعية لتطوير المدن والقرى العربية وخارج نفوذ الأجهزة الحكومية !
لم يتجرأ القائمين على هذا المشروع بالإفصاح عن طبيعة العمل الوطني المراد به ! ويحاول البعض إيهامنا بان المشروع لا يتعدى خدمة المؤسسات المدنية.. ونحن نسأل ما مدى صدق المروجين لهذا المشروع ؟
حكومة إسرائيل تسعى وبكل الطرق لخرط الشباب العرب في مشاريع تخدم إستراتيجيتها المعلنة منذ إقامة الدولة، وهي تهويد الوسط العربي حضارة وثقافة ودمج الشباب العرب في مسار التهويد وبالتالي مصادرة الفكر الوطني المتنور والانتماء الوطني القومي والحضاري ! فشلت كل المحاولات السابقة لمصادرة الفكر الوطني .. وتأتي اليوم لتستغل الوضع السياسي والاقتصادي المزري الذي تحياه الأقلية الفلسطينية هنا لجرها إلى مشروع وطريق مظلم .
إن ما يؤلم أن يقف البعض من أبناء جلدتنا ليسوقوا هذا المشروع مستغلين بساطة البعض من أبنائنا والمؤلم أيضا أن يحاول بعض الإعلاميين وأصحاب الأقلام من أبناء جلدتنا فلسفة الأمور والدفاع عن هذا المخطط الخطير واللعين .
والمؤلم أكثر واقع قيادتنا المحلية التي لا تعمل بما فيه الكفاية لتوعية الشباب العرب والتحذير من مغبة الوقوع في الفخ المنصوب ! لا نريد لأبنائنا أن يتحولوا إلى أداة طيعة بيد السلطة الحاكمة تفرض عليهم "خدمة وطنية "! لا ندري طبيعتها وطابعها .. فقد يأتي اليوم الذي تطلب فيه السلطة تشغيلهم في غسل ثياب الجنود أو تحضير الطعام لهم ! وحتى لا نصل إلى هذه الحالة علينا التفكير مليا في كيفية التصدي لهذا المشروع اللعين وإحباطه.
الدكتور عدنان بكريه
/فلسطين / الجليل
المصدر
- مقال:الخدمة الوطنية"إياكم والوقوع في المصيدة !المركز الفلسطينى للتوثيق والمعلومات