الجــمــاعــة.. «متطرفة» هنا.. و«معتدلة» هناك!
بقلم: الأستاذ أوّاب إبراهيم
ينصح المدربون الذي يكسبون قوت يومهم من تقديم دورات إدارية وعروض نظرية جذابة تحمل عناوين براقة (كمثل: كيف تحقق نجاحاً خلال خمس دقائق، وكيف تصل إلى القمة، وكيف تتحول إلى مدير ناجح)، ينصحون بعدم الالتفات إلى الوراء والنظر دائماً للمستقبل، لأنه –حسب زعمهم- هناك نجاح ينتظر يجب الاستعداد له.
لست من المقتنعين بجدوى هذه الدورات كلها، لذلك سأخالف توجيهات المدرّبين وألتفت قليلاً إلى الوراء، وتحديداً إلى الانتخابات التي شهدتها بلدة برجا الأسبوع الماضي، التي حقق فيها تيار المستقبل انتصاراً على الجماعة الإسلامية.
لم يسبق لي أن عرفت حزباً وصل إلى مركز إدارة شؤون الناس إلا تراجع حضوره في الانتخابات التي تلي. فمن المستحيل إرضاء جميع الناس، وإذا رضي طرف تذمر آخرون.
ولعلّ حزب العدالة والتنمية التركي بزعامة رجب طيب أردوغان الوحيد الذي أذكر أنه حقق نجاحاً في الانتخابات ووصل إلى الحكم، ليستكمل تقدمه في انتخابات ثانية وثالثة..
وبالتالي ليس مستغرباً ما حصل في برجا، بعدما سيطرت الجماعة على المجلس البلدي طوال دورتيْن انتخابيتيْن.
هذا ليس مبرراً، بل يجب الاعتراف بأنّ ما حصل في برجا هو مؤشر يستحق التوقف عنده ويمكننا أن نطرح عشرات الأسباب التي أدت إلى هذه النتيجة، لكن ما أفرزته صناديق الاقتراع سيبقى حقيقة.
بناء على ذلك، هناك سبيلان اثنان يمكن أن تؤدي إليهما هذه النتيجة: إما أن ينعكس هذا التراجع سلباً، فتتراجع الهمم، وتغيب الجماعة الإسلامية عن البلدة وتتراجع خدماتها، ويضعف تواصلها مع الناس، وإما أن ينعكس إيجاباً، فيدرك المعنيون أن ما حصل كان نتيجة لتقصير يجب دراسته وتقييم نتائجه وتداركه.
هذا لا يعني حصر أسباب التراجع بتقصير من طرف الجماعة نفسها، فقد بدت واضحة الأهمية الكبيرة التي أولاها تيار المستقبل لانتخابات برجا، وهو لذلك أوفد (الأمين العام المنتظر لتيار المستقبل بعد هيكلته) الشاب أحمد الحريري إلى البلدة لتحسين النتائج، التي تبيّن للتيار أنها لن تكون في صالحه.
وهي خطوة يجب الاعتراف بأنها كانت مؤثرة، بدليل النتائج التي أثمرت عنها، لا سيما أن الأصوات التي أفرزتها صناديق الاقتراع كانت متقاربة بين الفائز والخاسر.
هذا الواقع يدرك الجميع أنه نتج من حملة انتخابية تم من خلالها تجييش المناصرين لحشد تأييدهم. ويتحدث البعض عن انفاق مالي غزير واكب الحملة.
وهي تطلبت طرحاً إعلامياً يدفع للتصويت لصالح صاحبه، ولشطب أسماء منافسيه.
ولتحقيق هذا الأمر يجب أن يكون الطرح الإعلامي مقنعاً للناخبين، ولكن الأهم أن يكون صادقاً. وحول هذه الجزئية أودّ التوقف قليلاً.
قدم تيار المستقبل في انتخابات برجا طرحاً إعلامياً لمنافسة الجماعة لم يكن -بكل أسف- صادقاً. فرفع التيار شعاراً انتشر في البلدة قبل أيام من الانتخابات، هو أن المنافسة قائمة بين خياريْ التطرف الذي تقوده الجماعة، والاعتدال الذي يؤمن به تيار المستقبل.
واجترّ لذلك ذكريات لفظها التاريخ لمحطات اتُهمت خلالها الجماعة بأحداث مفبركة.
علماً أن الجماعة (المتطرفة) نفسها تحالفت في بلدات شوفية أخرى مع تيار المستقبل، والجماعة نفسها هي التي دأب الرئيس فؤاد السنيورة والنائب بهية الحريري على زيارتها وعلى الإشادة بنهجها الوسطي واعتدال طرحها، ونظافة كفّها.
وللتذكير، فليست الجماعة الإسلامية التي اتُّهمت بنسج علاقة بتنظيم فتح الإسلام، وليست هي التي بعثت موفدين عنها لمقابلة شاكر العبسي، وليست المتهمة بدعم وتغطية العديد من الجماعات السلفيّة.
طرح آخر أخطأ تيار المستقبل في إشاعته بين الناس، هو أن المعركة القائمة في برجا، هي بين طرحيْن متناقضيْن.
وفي سبيل دعم هذا الطرح نشرت قناة «أخبار المستقبل» خبراً مفاده أن مؤيدين للجماعة الإسلامية رفعوا على دراجاتهم النارية أعلاماً لحزب الله، للدلالة على تأييد الجماعة لمشروع الحزب.
وفي إطار الاحتفال بالنصر الذي تحقق، اعتبر أحد المسؤولين في تيار المستقبل في برجا، أن النجاح جاء رداً على ما حصل يوم 7 أيار.
تهم ليست مشينة، لكنها غير صحيحة.
فالجميع يدرك أن رئيس الحكومة سعد الحريري ما كان ليشكل حكومته لو لم تكن علاقته بحزب الله دافئة.
أما علاقته بالجماعة فقد كانت طريقها «سالكة» باستمرار، والدليل على ذلك أن اشكالية برجا لم تعطل امكانية التحالف في مواقع أخرى كثيرة.
المصدر
- مقال:الجــمــاعــة.. «متطرفة» هنا.. و«معتدلة» هناك!موقع: الجماعة الإسلامية فى لبنان