التغيير سنة الحياة (2)

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
التغيير سنة الحياة


التغيير سنة من سنن الحياة، لولاه لتجمدت وتحجرت الحياة من حولنا، الماء الراكد يفسد والهواء غير المتجدد لا يصلح للحياة، والطعام الواحد يسد الشهية، التغيير استجابة للطبيعة البشرية، لو شاهدك الناس بلباس واحد وقتا طويلا لأصبحت محل تندر وسخرية، والسيدات يعرفن ذلك جيدا، اللباس الواحد عندهن لا يصلح لمناسبتين بل لكل مناسبة لباسها، فإذا كانت هذه هي الطبيعة البشرية وهذه هي مقتضيات الحياة وبديهياتها وأساس تقدمها وازدهارها فما بال ذلك يختلف إذا تحدثنا عن السلطة والحكم، فصاحبها لا يريد مغادرة الكرسي مهما كلفة ذلك وكلفنا بالطبع من خسائر مادية ومعنوية قد تؤدي بنا إلى كرة الحياة ذاتها والرغبة في التخلص منها هربا من المسئول الذي يطالعنا ليلي نهار بصورته وأخباره تمسي وتصبح عليها، وسماع أنكر الأصوات تطالب ببقائه حفاظا على استمرار المسيرة، مسيرة النفاق والفساد والظلم والجوع والطوارئ والمعتقلات والبطالة والعطش وتزييف إرادة الناس من أجل البقاء على كرسي لا يستند إلى رغبة الناس وحبهم هذا الحب الذي لو شعر به ذوي السلطان لضحوا بالسلطة من أجله.

صدقني يا سيادة السلطان الراغب في البقاء على كرسي الحكم إلى الأبد، صدقني إذا قلت لك إلى الأبد ليس ببعيد، بل هو أقرب مما تتصور فما أسرع مرور الأيام، ولو أنك غادرتنا قبل أن نملك لبقيت في قلوبنا نذكرك ونمجدك ونثني عليك الثناء كله ، وتحفظ ودك ونصون عرضك وأهلك، أما إن بقيت فينا حتى ينتهي أمدك وهو لابد منته، شيعناك باللعنات وذكرنا لك الموبقات ونسينا الحسنات من كثرة السيئات، وتندر بأعمالك المتندرون واغتابك أصحاب الحاجات والمحتاجون، وذمك المظلومون ولم يترحم عليك حتى المنافقون الذين كانوا يترحمون من قبل علي كلبك وأنت على كرسي الحكم، ولا يكادون يذكرونك وأنت تحت التراب لأنهم مشغلون بالهرولة خلف السلطان الجديد.

حب السلطة والبقاء في الحكم ليس قاصرا على بلد دون أخر أو على شعوب دون غيرها بل هو طبيعة إنسانية مثل حب التملك والسيطرة إذا شئت الدقة قل هو جزء منها، من أجل ذلك نشأت الرغبة في تحديد مدة البقاء في الحكم وأصرت عليها الشعوب المتقدمة وتكافح من أجلها شعوب العالم الثالث كفاحا مريرا لا تكاد تعرف له أخر لأن الحكام عندما يشعرون بالرغبة في إقصائهم عن كرسي الحكم تشتد شراستهم من أجل البقاء، فيكثرون من الحراس ويملؤن السجون بالمعارضين لبقائهم في السلطة ويحصون على الناس أنفاسهم خوفا وهلعا ويحاولون إخافة الناس بمظاهر القوة التي يحيطون بها أنفسهم وفي الحقيقة هم الخائفون والمرتعدون من كل حركة حولهم ويصبحون أسرى حراسهم، كلها مصر كانت تشاهد مدى قوة وسطوة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وإذا بهم يعلمون بعد رحليه أنه كان أسير صلاح نصر مدير المخابرات يحركه كما يحرك ممثل مسرح العرائس الدمية التي في يده، يحدد له أين يقيم ومتى يرحل وماذا يأكل ويتدخل في كل كبيرة وصغيرة في حياته بحجة المحافظة عليها وإمكان تعرضها للخطر إذا لم يستجب لهذه التعليمات، والرئيس لا يدرك أنه عندما تحين الساعة فلن يمنعها كل قوات الأرض لأن الذي يحددها هو الذي أوجدها وهو وحده القادر على أخذها وأن الموت مدركنا ولو كنا في بروج مشيدة. عندما أنظر حولي وأرى جنود الأمن المركزي بعرباتهم المصفحة وخوذاتهم السميكة وبنادقهم ذات الرصاص الحي وعصيهم الكهربائية التي تصيب الناس بالصرع أكاد أجزم أن الرئيس يرتعد خوفا وإن بدا غير ذلك وأن الخوف لا يكاد يجعله يأخذ كفايته من النوم وهذا قد يؤثر بلا شك على سلامة قراراته وتصرفاته، وأتذكر قول القائل لعمر بن الخطاب عندما شاهده ينام تحت ظل شجرة بلا حراسة سوى عناية الله حكمت فعدلت فآمنت فنمت يا عمر. كما أتذكر رسالة عمر بن عبد العزيز إلى أحد ولاته عندما طلب منه أن يأذن ببناء سور حول لمدينة التي يحكمها ليحصنها والتي قال فيها حصنها بالعدل ونق طريقتها من الظلم، ترى لو أن صدام حسين كان يتمتع في شعبه بحب وتقدير هل كان في وسع الأمريكان التغلب عليه؟ ووضع نهاية لحكمه بالصور التي حدثت أو وضع نهاية لحياته بالصورة التي شاهدناها جميعا عبر الشاشات والتي أصابت الحكام العرب جميعا بالخوف والهلع وأصابت الشعوب بالغضب من أمريكا التي تباهي أنها إنما فعلت ذلك من أجل حرية وكرامة الشعب العراقي الذي بلا شك كان يتمنى أن يكون مصير هذا الدكتاتور على يده وهو الآن يترحم على يوم من أيامه السود لأنه يعيش الآن أياما أشد سوادا دخلت أمريكا العراق وفعلت بحكامها ما فعلت لأنه لم يكن لهم قاعدة شعبة يستندون إليها، والدليل على ذلك أنها دخلت أفغانستان ولم تستطيع أن تصل إلى قادتها وتفعل بهم ما فعلت لأن لهم قاعدة شعبية نسندهم وهم الآن يستعيدون قوتهم للخلاص من أمريكا وأعوانها.

تغيير نظام الحكم له طريقتان طريقة الثورة على الحكام وهو طريق محفوف بالمخاطر ويحتاج من الشعوب كثير من التضحيات ويعرض البلد للفوضى ويتعرض فيه الناس والبلد والأموال والممتلكات للضياع والتلف، وطريق التغيير السلمي وهو طريق سهل تسلكه جميع الشعوب المتحضرة التي تنعم بهذا التغيير كلما وجدت نفسها في حاجة إليه وأسلوبه هو الانتخابات الحرة التي يعبر فيها الناس عن رغبتهم في التغيير، والناس والشعوب عادة لا تلجأ إلى الطريق الأول إلا إذا سد الأمل في الطريق الثاني، ولذلك فإن الحاكم الحصيف لا يسد أمام الناس طريق الإصلاح السلمي حتى لا يلجأهم إلى طريق الثورة، وتزييف إرادة الشعوب عن طريق تزوير الانتخابات هو سد لطريق التغيير السلمي ودفع الناس إلى طريق الثورة ، وما نحن فيه الآن من تزوير لإرادة الشعب المصري هو دفع له إلى طريق الثورة والتمرد الذي بدت نذره ، فيما نراه الآن من حركات احتجاجية وتمرد وإضراب واعتصام تقوم به بعض فئات الشعب لمحاولة إقناع الحكومة بما يريد، والحقيقة أن الأوضاع في مصر الآن تدعوا إلى الخوف والقلق من مصير البلد وتعدد الأزمات التي تمر بها في كافة مناحي الحياة يدعوا لضرورة إعادة النظر في نظامنا السياسي المسئول عن تردي الأوضاع وترهل الجهات المسئولة عن الحكم فيه والتي بدت عاجزة عن حل أبسط المشاكل وأقلها شأنا، هل يعقل أن مؤسسات الدولة عاجزة عن الجزم بما إذا كانت إقامة مصنع للسماد في صالح البلد أم غير في صالحها، هل يعقل أن الدولة بكل سلطاتها عاجزة حل مسألة توافر رغيف العيش، هل يعقل أن بلد عريق مثل مصر غير قادر وأجهزته عن معرفة السبب في غرق الباخرة التي راح ضحيتها أكثر من ألف شخص، هل يمكن تصديق أن البلد عاجزة عن حل مشاكل السكن والبطالة وتوفير العلاج لغير القادرين، وإذا لم تكن الحكومة قادرة على القيام بدورها في هذا الشأن ورغم ذلك تظل باقية في مكانها لأن الشعب لا يملك القوة اللازمة لتغيرها والقادر على ذلك فقط هو الرئيس الذي لا يفعل إلا ما يمليه عليه البطانة المحيطة به، أليس في ذلك دفع للشعب دفعا إلى سلوك طريق التغيير بالقوة وهو ما نرجو من الله أن يجنب شب مصر شره.