البساتيني: الابتهال فن راقٍ
[20-10-2004]
حوار: ياسر هادى
مقدمة

- أدعو الدولة لرعاية فن الابتهال
- أرفض تقليد المبتهلين والموهبة وحدها لا تكفي
الابتهال فنٌ راقٍ، تخترق كلماته قلوب السامعين، وتحرك مشاعرهم، وتصل كلمات المدح النبوي أو الذكر إلى أعماق المؤمنين فتزيدهم يقينًا، وتقربهم إلى الله، وتزيدهم حبًّا في رسوله صلى الله عليه وسلم.
والشيخ عبد التواب البساتيني واحد من أشهر المبتهلين في مصر خلال هذه الفترة، وهو واحد من تلاميذ مدرسة الكبار في فن الابتهال وعلى رأسهم الشيخ علي محمود ونصر الدين طوبار وسيد النقشبندي، وهو إلى ذلك قارئ للقرآن، استضفناه في هذا الحوار الرمضاني وسألناه عن بدايته مع الابتهالات وحفظ القرآن، وعن شروط المبتهل الجيد، وأسرار فن الابتهال، كما روى لنا أطرف المواقف التي واجهته ولماذا سبَّه الشيخ إسماعيل صادق العدوي، كما يذكر أسباب غياب المبدعين في عالم الابتهال.
نص الحوار
- كيف كانت بدايتك مع القرآن الكريم؟
- بدأت علاقتي بالقرآن منذ الصغر، ففي كُتَّاب المنطقة التي أقطنها في بنى سويف حفظت القرآن وعمري 13 سنة، وذلك بعد أن وجد ناظرُ المدرسة لديَّ الموهبة فأوصى والدي بإلحاقي بمكتب تحفيظ القرآن، وبدأت القراءة وعمري 14 سنة في مناسبات المدرسة، واستفدت من الكُتَّاب استفادة رائعة؛ حيث تعلمت حفظ القرآن سليمًا خاليًا من اللحْن والأخطاء، وعلى يد شيخ يتقن القرآن، مما ثبَّته في ذهني.
- ثم انتقلت إلى "سيِّدنا المعلم" وهو الشيخ أحمد رشوان الذي منحني إجازة في قراءتي حفص ونافع، وبعد ذلك التحقت بمعهد القراءات وحصلت على عالية القراءات عام 1979، ثم بدأت القراءة في المناسبات، والطريف أن "سيدنا" كان يحصل على الأجر المخصص لي كاملاً، إلا أنني كنت سعيدًا لأني أقرأ القرآن أمام الناس وأجد تجاوبًا كبيرًا منهم.
أهمية حفظ القرآن في الصغر
- وما أهمية حفظ القرآن في الصغر وكيف أثَّر فيك الكُتَّاب؟
- الحفظ في الصغر نعمة كبيرة، حيث لا ينساه الطفل بعد ذلك، لأنه يكون خالي الذهن وعديم المسئوليات، مما يهيئ له أن يحفظ القرآن بسهولة ولا يخرج من ذاكرته إطلاقًا، أما الكُتَّاب فقد ساعدني كثيرًا في أن أجيد قراءة القرآن وحفظه، كما أن الحفظ على يد متخصص وبطريقة التلقين حافظت على اللغة العربية عندي وحسَّنتها مما أفادني كثيرًا بعد ذلك، والمؤسف أن الناس لم تعد تهتم بالكُتَّاب كما ينبغي، وهو ما أدى إلى ضعف الارتباط بالقرآن وباللغة العربية معًا، خلافًا لما كان يحدث منذ فترة؛
- حيث كان الاهتمام بالكُتَّاب يفوق الاهتمام بالمدرسة عند عدد كبير من الأسر، وكان الجميع بلا استثناء يحرص على تحفيظ أبنائه القرآن، مما رفع من تحصيلهم العلمي أيضًا، بدليل أن من حصل على الابتدائية في تلك الفترة كان أفضل في القراءة والكتابة والنطق السليم من بعض الحاصلين على مؤهلات عليا حاليًا.
- وكيف تحولت إلى الابتهال الذي يعرفك الناس به أكثر من معرفتهم بك قارئًا للقرآن؟
- بعد أن قضيت فترة التجنيد الإجبارية من 1966 حتى 1974 بدأت اتجه للابتهال؛ حيث كنت من عشاق كبار المبتهلين المشايخ علي محمود وطه الفشني والنقشبندي، وطلبت في إحدى الليالي من الله أن أصبح مبتهلاً مثل هؤلاء فاستجاب الله تعالى لدعواتي، وأهم ما كان يلفت إعجابي في هؤلاء المبتهلين أن كل واحد منهم له مدرسة متميزة في الابتهال، حيث لا يقلد واحدٌ منهم الآخر.
- وما أهم ما تحرص على التميز به في أدائك للابتهالات؟
- أحرص على أن يكون لي أسلوبي الخاص، حيث صقلت الموهبة لدي بالدراسة، كما أرفض تقليد أي مبتهل، وأرى أن المبتهل الجيد هو الذي يبتكر أسلوبًا جيدًا ينفرد به بين زملائه.
- وما أكثر الأبيات التي أثرت فيك خلال إنشادها؟
- أذكر أنني كنت أنشد الأبيات الآتية في مدح النبي:
- وحظُّ قلبٍ فيك هام
وسلوا المُشاهِد لا الدَّعيَ
- ومن تشدق بالكلام
فتخيلت وقوفي بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فبكيت ولم أستطع استكمال الابتهال.
- وما المصادر التي تحصل منها على الأبيات التي تنشدها؟
- هناك بعض الشعراء يكتبون لي، ومنهم المستشار صلاح بريك، والأستاذ محمد طه، والشيخ أحمد عبد الحكم، وهم من الموهوبين في كتابة الشعر، وأطلب منهم كلمات محددة في المناسبات مثل الهجرة والإسراء والمعراج وتحويل القبلة، فضلاً عن بعض الكلمات التي أنتقيها من التراث من بردة الإمام البوصيري وغيرها.
- ومن الذي يلحن لك تلك الكلمات؟
- أنا الذي أقوم بذلك؛ حيث أحصل على الكلمات ثم أحدد المقام الموسيقي الذي يصلح، لها وأُجري بعض التعديلات حتى يكون الابتهال جاهزًا للإنشاد.
- ولكن لماذا لم يعد هناك نجوم في عالم الابتهال مثل طوبار وغيره؟
- لابد من الأخذ في الاعتبار التوقيت الذي ظهر فيه هؤلاء المبتهلون، حيث كان الناس لديهم وقت فراغ وأذهان متفتحة للاستماع للابتهالات والتأثر بها، بعكس الوقت الحالي الذي انشغل فيه الناس بأعمالهم واختفى "السمِّيعة" الذين يعشقون الابتهالات ويقدرونها، فضلاً عن تأثير التليفزيون الذي استولى على جانب كبير من اهتمامات الناس.
مواقف طريفة
- ألم تحدث لك مواقف طريفة خلال أدائك للابتهالات؟
- بالطبع.. فقد تعود الناس أن يطالبوني بإعادة بعض الأبيات التي يتأثرون بها، ولكن المثير أننى كنت في حفلة باحدى مدن الصعيد فأصابني "سعال" خلال الإنشاد فطالبني الحاضرون بإعادة "الكُحة" مرة أخرى!.
- كما كان الشيخ إسماعيل صادق العدوي-رحمه الله- يستمع إليَّ في إحدى المرات، فتأثر جدًا بالابتهال لدرجة أنه قام "بسبِّي" بصوت مرتفع من فرط الاندماج مع الكلمات.
- واكتشفت من خلال جولاتي في أنحاء مصر أن الصعايدة أكثر تأثرًا بالابتهالات من أبناء الوجه البحري، هذا غير غياب عدد من الذين كانوا يحضرون الحفلات عن الوعي.
- وما أمنياتك فيما يتعلق بفن الابتهال؟
- الابتهال فن رائع، أرجو أن يتم الاهتمام به خاصة من جانب وسائل الإعلام التي لا تعرضه إطلاقا سوى في إطار الحفلات الرسمية، ويستثنى بالطبع إذاعة القرآن الكريم، التي تمثل الراعي الأول للمبتهلين في مصر، ولها الفضل على المؤديِّن للابتهالات والجمهور في نفس الوقت.
- وأطالب أيضًا بالاهتمام بالتواشيح، وهي تختلف عن الابتهالات في أنها تُؤدى بصورة جماعية، وهي فن راق للغاية تلاشى حاليًا بسبب عدم الاهتمام، وأدعو إلى إحيائه مرة أخرى.
- وما نصيحتك للشباب الذين لديهم الموهبة ويرغبون في أداء الابتهالات؟
- أؤكد لهم في البداية ضرورة توافر الصوت الجيد، ثم صقل تلك الموهبة بالدراسة، وإجادة اللغة العربية، والأهم من كل ذلك الإخلاص؛ لأن ما خرج من القلب وصل إلى القلب، فليس كل من يبتهل يؤثر في الناس ويصل إلى قلوبهم.
المصدر
- حوار: البساتيني: الابتهال فن راقٍ موقع اخوان اون لاين