الانتهاك الإسرائيلي للأجواء السورية : عربدة معهودة أم توطئة لحرب مقبلة؟
بقلم : فؤاد محجوب
أول ما يلفت الانتباه في الخرق الإسرائيلي الأخير للأجواء السورية (6/9) هو التزام إسرائيل سياسة التكتم والغموض إزاء ما حدث، على غير مألوف عادتها في الثرثرة والتفاخر بمثل هذه الانتهاكات والأعمال العدوانية التي اعتادت عليها، معطية لنفسها وحدها حق القيام بها. كما حصل في الغارة على موقع عين الصاحب في تشرين الأول (أكتوبر) 2003، والتحليق فوق الساحل السوري في حزيران (يونيو) 2006.
الصمت الإسرائيلي الرسمي أطلق باب التكهنات والافتراضات حول حقيقة ما حدث.
مصادر أطلسية ووسائل إعلام غربية أوردت روايات عدة، أبرزها أن الطيران الإسرائيلي استهدف «منشآت معنية بتطوير الصواريخ وإنتاجها بمشاركة خبراء إيرانيين وكوريين شماليين».
ومنها أن الغارة كانت بمثابة عملية جس نبض واختبار للقدرات الدفاعية السورية، خاصة أن إسرائيل كانت تحدثت عن تسلم سورية صواريخ روسية متطورة.
بعض المصادر الاستخباراتية الغربية ذكرت بأن الغرض من الانتهاك الجوي الإسرائيلي هو «تنفيذ عملية استخباراتية لاستكمال معلومات عن منظومة صواريخ تعرف باسم «pantsyr - s1» يعتقد أن سورية حصلت عليها من روسيا منذ مدة وجيزة، إضافة إلى حاملات حديثة للصواريخ المضادة للطائرات تم تشغيلها ونشرها خلال الأيام الأخيرة في مختلف أرجاء سورية، بحسب تقارير الاستخبارات الإسرائيلية.
مصادر الاستخبارات الغربية قالت إن الطائرات الإسرائيلية جابت أوسع مساحة ممكنة من الأجواء السورية بقصد استفزاز الجيش السوري لاستخدام المنظومات الصاروخية الجديدة، بغية التعرف على مواقعها وجهوزيتها، هذا يحيلنا إلى ما قامت به إسرائيل قبل حرب تشرين أول (أكتوبر) 1973، بأشهر عدة، حين عمدت إلى اختراق الأجواء السورية مرات عدة، للوقوف على فعالية المنظومات الدفاعية السورية، بيد أن دمشق فضلت طبعاً، أن تدفع ثمناً باهظاً من طائراتها التي اشتبكت مع الطيران الإسرائيلي، على أن تكشف أسرار عمل صواريخها الحديثة آنذاك، والتي استخدمتها بفعالية فائقة في الحرب.
فهل تكرر إسرائيل محاولات فشلت في ما مضى؟ !.
ومن ضمن الروايات التي تداولتها المصادر الغربية أن إسرائيل قصفت مستودعات أسلحة تزعم أن إيران أرسلتها عبر سورية إلى حزب الله.
غير أن أخطر الروايات تلك التي تحدثت عن أن الحادث يرتبط بما يشتبه أنه شحنة نووية من كوريا الشمالية أرسلت إلى سورية، وعن تعاون نووي بين الجانبين، وهو ما روج له مسؤولون أميركيون، وتبنته بعض الصحف الإسرائيلية وأعادت نشره، الأمر الذي دفع بالوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى نفي أي علم لها بأي نوع من النشاط النووي في سورية يمكن أن يحمل صبغة عسكرية، مشيرة إلى أن سورية عضو في الوكالة وموقعة على اتفاق تعاون وتزودها بتقارير حول ما يطلب منها. كما نفت بيونغ يانغ هذه المزاعم الأميركية معتبرة أنها «أشياء لا أساس لها من الصحة».
أما الصحف السورية فقد وصفت المزاعم الأميركية بالأكاذيب، واعتبرتها مقدمة لاعتداءات أخرى مبيتة ضد سورية.
الافتراض بأن الطيران الإسرائيلي نفذ هجوماً ضد هدف استراتيجي سوري، رأى فيه محللون محاولة لـ «استرداد هيبة الردع» للجيش الإسرائيلي الذي تلقى ضربة موجعة في حربه الأخيرة على لبنان.
ولكن هل يكفي مثل هذا الحادث لاستعادة «هيبة وقوة ردع» هشمت ولحقت بها أضرار شتى؟
وألا يعني هذا أن إسرائيل لم تستوعب بعد أحد أهم دروس الحرب على لبنان؟
الذي يتمثل بما تمتلكه الصواريخ بعيدة المدى من فعالية استثنائية، تبدو وكأنها أشبه بـ «كعب آخيل» لإسرائيل، يجدر الاستفادة منها واستغلالها إلى أبعد مدى ممكن.
الغريب والطريف في الأمر أن إسرائيل، وعلى الرغم مما فعلته بعربدتها، فإنها شرعت بالحديث فوراً عن ضرورات «ضبط النفس وتهدئة الخواطر» و«عدم وجود مصلحة لها بتسخين الجبهة السورية».
وبان نهج التكتم وعدم الإفصاح عما جرى يعبر عن مصلحة إسرائيلية بخفض التوتر وإبعاد شبح المواجهة مع السوريين، مع الإيحاء بأنه «ليس من مصلحة دمشق كشف كل التفاصيل، لأن في ذلك إحباطاً لها».
وذهب رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت إلى حد إبداء استعداده للتفاوض مع القيادة السورية من دون شروط مسبقة!!.
ولكن من الواضح أن السلوك الإسرائيلي هذا، المراوغ والمضلل، يرمي إلى تهدئة وتبريد ردود الفعل السورية الممكنة، خاصة بعد إعلان دمشق، وعبر ناطق عسكري، احتفاظها بحق الرد، وتحذيرها لإسرائيل من عواقب هذا العمل غير المسؤول، وأخذ المسؤولين الإسرائيليين لهذه التهديدات على محمل الجد.
اللافت، في هذا الصدد، أن العدوان الإسرائيلي الأخير جاء في وقت كانت حرصت فيه القيادة الإسرائيلية على بث أجواء توحي بالتهدئة وخفض التوتر، بعد أشهر من التدريبات والمناورات المتبادلة على طرفي الحدود، بدت معها احتمالات الحرب مطروحة بقوة بين سورية وإسرائيل.
وحسبما كشف وزير الخارجية السوري وليد المعلم فإن اختراق الطائرات الإسرائيلية للأجواء السورية، جاء بعد ساعات من نقل المسؤول الأوروبي خافيير سولانا رسالة إلى القيادة السورية تفيد بأن أولمرت سيبدأ خفض عديد قواته المنتشرة في مرتفعات الجولان المحتلة؟!
سورية كانت اعتبرت أيضاً أن الحادث يمثل انتهاكاً من جانب إسرائيل لاتفاقية فك الارتباط الموقعة معها عام 1974، وبأنه خرق لقواعد القانون الدولي، وبأن الحادث يهدد بتصعيد التوتر في منطقة لا تحتاج لمزيد من التصعيد، مع ما يمكن أن يخلفه ذلك من تداعيات على مصالح المنطقة وأمنها، وعلى الجهود المبذولة لإحياء «عملية السلام»، ومحاولات إيجاد حلول للاحتلال الأميركي في العراق والانتخابات الرئاسية في لبنان.
وفي الواقع، وأمام ترابط الملفات الشائكة في المنطقة، من إيران إلى العراق، مروراً ب سورية و لبنان، وصولاً إلى فلسطين ، فإن العدوان الإسرائيلي الأخير أعاد شبح الحرب ليخيم بوطأة ثقيلة على المنطقة، خصوصاً أن طبول الحرب ضد إيران تقرع في واشنطن ويتردد صداها في باريس ولندن وتل أبيب، لتنذر بما هو أسوأ، وسط سيناريوهات شبه جاهزة وبانتظار التنفيذ.
فهل تكون المنطقة على موعد مع مغامرات عسكرية جديدة ومجنونة، أم أن الحربين الدائرتين في العراق وأفغانستان ، بلا أفق لنهايتهما، يمكن أن تلجما حماس المغامرين وتردعهما عن خوض المزيد؟.
المصدر
- مقال:الانتهاك الإسرائيلي للأجواء السورية : عربدة معهودة أم توطئة لحرب مقبلة؟المركز الفلسطينى للتوثيق والمعلومات