الانتخابات الفرعية: معركتان على صعيد الوطن..
بقلم : فادي شامية
رمت معركتا الانتخاب الفرعي في بيروت والمتن الشمالي، حجراً ثقيلاً في بركة الخلاف السياسي المستحكم في البلد. مبدئياً المعركة في بيروت محسومة لصالح مرشح تيار المستقبل، الرئيس السابق لاتحاد جمعيات العائلات البيروتية محمد الأمين عيتاني، أما في المتن فيبدو أن المعركة ستكون قاسية بعد فشل الوساطات الهادفة إلى تجنيب المسيحيين معركة كسر عظم بين العماد ميشال عون، ومعه حليفه الأرثوذكسي ميشال المر، وحليفه الأرمني حزب الطاشناق من جهة، وحزب الكتائب مدعوماً من مسيحيي 14 آذار من جهة أخرى. ويأتي تأجيل اللقاء المقرر بين العماد ميشال عون والشيخ سعد الحريري إلى ما بعد الانتخابات، وكذلك تحديد عمرو موسى الموعد المقبل لزيارته إلى لبنان بعد 5 آب تاريخ إجراء الانتخابات، كتأكيد على ما لهذه المعركة من آثار على الوضع السياسي العام في لبنان بعدما قررت كتلة الإصلاح والتغيير خوض المعركة حتى النهاية. وكدليل على التداخل بين المعركتين أعلن النائب سعد الحريري دعمه الرئيس الجميل في المتن، وبالمقابل أعلن عون دعمه لمرشح حركة الشعب التي يرأسها نجاح واكيم في بيروت.
معركة بيروت
الانتخابات في بيروت ستجري في دائرة من أصل ثلاث دوائر، نص عليها قانون العام 2005، تضم أحياء: المصيطبة والباشورة والرميل، وهي الدائرة الأصعب بالنسبة لأي مرشح لأنها تضم خليطاً طائفياً معقداً، من السنة والشيعة والمسيحيين والأرمن، وهذه الدائرة يمثلها في البرلمان اللبناني حالياً: ستة نواب، أربعة منهم من تيار المستقبل، استشهد أحدهم، وهو النائب وليد عيدو في تفجير سيارة مفخخة في 13/6/2007، وقد قررت الحكومة إثر اغتياله تجاوز عقبة توقيع رئيس الجمهورية إميل لحود على مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، من خلال تحويل قرار دعوة هذه الهيئات من قرار وزير إلى قرار الحكومة مجتمعة، بحيث يصبح نافذاً حكماً بعد مضي خمسة عشر يوماً من عدم إصدار المرسوم أو إعادته من قبل رئيس الجمهورية كما تنص المادة 56 من الدستور.
ويشكّل الناخبون السنّة في هذه الدائرة 40% من الناخبين، يحظى تيار المستقبل بتأييد أكثر من 80% منهم وفق آخر استطلاع أجراه "مركز بيروت للابحاث والمعلومات"، بينما يشكّل الشيعة نحو 22% من ناخبي هذه الدائرة، وقد أعلن حزب الله وحركة أمل المقاطعة لعدم اعترافهما بشرعية الحكومة، وفي ظل دعم الجماعة الإسلامية والنائب تمام سلام لمرشح تيار المستقبل "من أجل تجنيب بيروت أيّة تداعيات في المرحلة الصعبة التي يجتازها البلد"، فإن المعركة تبدو محسومة، رغم وجود تسعة مرشحين أبرزهم مرشح "حركة الشعب" إبراهيم الحلبي.
ويعتقد أركان الماكينة الانتخابية لتيار المستقبل أن قرار حزب الله وحركة أمل بالمقاطعة لا يعني بالضرورة أن المؤيدين لهما لن ينتخبوا، سواء بتشجيع خفي أو باندفاع من أنفسهم، وذلك من أجل إضعاف المرشح العيتاني، والقول لاحقاً بتراجع شعبية تيار المستقبل، تماماً كما حدث في انتخابات العام 2005 في عز "الحلف الرباعي" الذي ضم حزب الله وأمل إلى جانب الحريري وجنبلاط، لذا فإن أركان هذه الماكينة يعملون على حث الناخب البيروتي على الاقتراع، وهذا ما يفسر دعوة النائب الحريري أبناء بيروت للتوجه بكثافة الى صناديق الاقتراع في الخامس من آب للقول لقتلة النائب الشهيد وليد عيدو ورفاقه، "إن بيوتكم أصبحت من زجاج ... وإن بيروت البطلة أنجبت مئة ألف وليد عيدو، وهي خط أحمر وكذلك كرامتها وعروبتها خط احمر"
معركة المتن
أما في المتن فتبدو المعركة شديدة ومثيرة في آن معاً. الرئيس أمين الجميل ترشح للمقعد الماروني الشاغر داعياً إلى "حياة جديدة لبيار"، فرد عون باتهامه بالمتاجرة بدم الشهيد، رافعاً شعار "الحفاظ على صلاحيات رئيس الجمهورية، وإزالة التهميش المسيحي"، ليشد بذلك عصب المسيحيين خلفه، على غرار ما قبيل وأثناء انتخابات العام 2005. وعلى الرغم من ادعاء النائب البارز في كتلة العماد عون نبيل نقولا بأن ترشيح الدكتور كميل منصور خوري هدفه إيجاد شخص صاحب مصلحة للطعن في مرسوم دعوة الهيئات الناخبة بعدما رد مجلس الشورى الطعن الأول، فإن خطاب رئيسه في الكتلة العماد ميشال عون يبدو مغايراً، فحماسة الجنرال لخوض المنازلة الانتخابية كبيرة جداً.
والحق أن عون يتخذ من صلاحيات رئيس الجمهورية وسيلة لاستثارة الشارع المسيحي خلفه، لأن الحكومة لم ترغب في التعدي على صلاحيات الرئيس، بل العكس هو الصحيح، فالرئيس لحود، وباجتهاده هو، قرر أن الحكومة غير موجودة، وأنها تخالف ميثاق العيش المشترك، فيما مجلس النواب لم يقل كلمته بعد لتعذر فتح أبوابه المقفلة بقرار من رئيسه نبيه بري، كما أن الرئيس لحود هو الذي خرق الدستور برفضه التوقيع على مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، وفق ما تنص عليه المادة 41 من الدستور التي "توجب" ملأ الشواغر النيابية خلال شهرين، وأقصى ما يمكن أن يقال في الحكومة أنها خالفت القانون، في تخطيها "الشكلية القانونية" في صدور مرسوم الهيئات الناخبة، مبررةً ذلك بالحاجة إلى منع القاتل من بلوغ مبتغاه من وراء التصفية الجسدية، أياً كان هذا القاتل، فيما الرئيس لحود خالف الدستور الذي أقسم على احترامه، عندما امتنع عن توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة الذي يوجبه الدستور الذي لا يعترف بشيئ اسمه "حكومة غير موجودة"، انطلاقاً من عدم اعترافه بالفراغ في المواقع الدستورية.
حماوة المعركة تنبع من تقارب أحجام القوى الأساس في المتن: حزب الكتائب وعموم مسيحيي 14 آذار-التيار الوطني الحر-أنصار النائب ميشال المر- الأرمن بقيادة حزب الطاشناق. لكن التداخل بين هذه الكتل ولا سيما بين كتلة النائب ميشال المر وحزب الكتائب قائم، ويعوّل المر على ولاء مؤيديه الذين أغدق عليهم الخدمات سنوات طويلة أثناء فترة الوصاية السورية على لبنان، بينما يراهن حزب الكتائب على تعاطف الناس معه، وتغليبهم السياسة على الخدمات.
وتبلغ نسبة الناخبين الموارنة في المتن 45%، يليهم الأرمن الأرثوذكس 16%، ثم الأرثوذكس 14,4%، ثم باقي الكاثوليك 9,2%، وينوب عن هذه الدائرة في البرلمان اللبناني ثمانية نواب، أربعة موارنة، اثنان أرثوذكس، واحد كاثوليك، واحد أرمن أرثوذكس. وإذا كان الأرمن اشتهروا بأنهم يصبون أصواتهم ككتلة واحدة، فإن الرهان الحقيقي هو على الموارنة لأن المعركة معركتهم والمقعد مقعدهم.
معركة المتن تبدو مهمة للعماد عون الذي يريد من خلالها تثبيت زعامته في الشارع المسيحي، ويعزز مطالبته بالرئاسة كونه يمثل 70% من أصوات المسيحيين، وهي مهمة لفريق 14 آذار لإثبات العكس والتخلص من لازمة الزعيم المسيحي الأقوى، بينما يجد المر نفسه محرجاً بين رغبة قواعده الشعبية التي تؤيد أيضاً آل الجميل الذي أتوا بالمر وعون كليهما إلى الحياة السياسية، وبين خوفه من انفراط تحالفه مع عون إن لم يدعمه في هذه "الموقعة"، التي لا يبدو أنها في خدمة الشارع المسيحي، فضلاً عن كونها تخالف قرار حليفه حزب الله بالمقاطعة، وستحرج الرئيس بري إذا ما قرر عدم الاعتراف بنتائج الانتخابات... لكن عون المغامر دوماً قرر ومصمم، ولن يرده شيء!.
المصدر
- مقال:الانتخابات الفرعية: معركتان على صعيد الوطن..موقع:الشبكة الدعوية