الإيمان هو الحل (1/2)

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
الإيمان هو الحل (1/2)


بقلم : حسام العيسوي إبراهيم

إن المتطلع لأحوال مصر الآن يجد العديد من المشاكل التي خلّفها النظام البائد من فساد قد غمر البلاد وفاض في كل مؤسسة صغيرة أو كبيرة ، كذلك يجد السلوكيات المذمومة والتي انتشرت في مجتمعنا من فساد أخلاقي وانهيار للقيم ، وتفشي ظواهر البلطجة وتجارة المخدرات ، هذا فضلاً عن واقع تعليمي مؤلم بعيد كل البعد عن واقع الحياة ، ونهضة البلاد ، اقتصاد منهوب ، وسياسة فاشلة في التعامل حتى مع الجيران ، هي تركة محملة بسنين من الضياع والاضمحلال والانحلال والانهيار على مستوى الحياة .

ومنذ أن منّ الله علينا بثورة الخامس والعشرين من يناير فاضت الأفكار ، وتعددت الرؤى الداعية للإنقاذ والانتشال من هذا النفق المظلم ، أطروحات وأفكار كثيرة ومتميزة ، شيدها الكتاب والمفكرون والخبراء تظهر فيها الغيرة الشديدة على هذه البلاد ، والحرص على عودة الحياة من جديد .

ولكني أتصور في هذه الأطروحة الصغيرة أن أي تغيير حقيقي لابد أن ينشأ من داخل الإنسان ، فالإنسان هو مصدر النهضة والوسيلة الفاعلة في التغيير والعودة إلى هذه الحياة من جديد .

ولكن يبقى السؤال : تُرى ما الذي يضع للإنسان القواعد الأخلاقية السليمة ؟

وما الذي يحدّد للإنسان سلوكه المستقيم ؟ ويرسم له طريقاً موصلاً إلى غاية لا عوج فيه ؟ ويدفعه إلى السير لنهضة أمته ومجتمعه ؟

هل هو القانون ؟

أم هي الفلسفة الأخلاقية ؟

أم هو الدين ؟

وتأتي الإجابة الحاسمة من الدعاة والمصلحين ، يقول الدكتور محمد عبد الله دراز في كتابه (الدين) :

" لا قيام للحياة في الجماعة إلا بالتعاون بين أعضائها ، وهذا التعاون إنما يتم بقانون يُنظِّم علاقاته ، ويحدِّد حقوقه وواجباته . وهذا القانون لا غِنَى له عن سلطان نازع وازع ، يكفل مهابته في النفوس ، ويمنع انتهاك حرماته ، ونقرر أنه ليس على وجه الأرض قوة تكافئ قوة التدين ، أو تدانيها في كفالة احترام القانون وضمان تماسك المجتمع ، واستقرار نظامه ، والتئام أسباب الراحة والطمأنينة فيه . إن الإنسان يساق من باطنه لا من ظاهره ، وليست قوانين الجماعات ولا سلطان الحكومات بكافيين وحدهما لإقامة مدينة فاضلة تُحترم فيها الحقوق وتؤدى الواجبات على وجهها الكامل ، فإن الذي يؤدِّي واجبه رهبة من السوط أو السجن أو العقوبة المالية ، لا يلبث أن يهمله متى اطمأن إلى أنه سيفلت من طائلة القانون ، ومن الخطأ البين أن نظن أن في نشر العلوم والثقافات وحده ضماناً للسلام والرخاء وعوضاً عن التربية والتهذيب الديني والخلقي ، ذلك لأن العلم سلاح ذو حدين يصلح للهدم والتدمير ، كما يصلح للبناء والتعمير ، ولابد في حسن استخدامه من رقيب أخلاقي يوجهه لخير الإنسانية وعمارة الأرض لا إلى الشر والفساد ، ذلكم الرقيب هو ( العقيدة والإيمان ) .

لقد انتشرت عادة السكر وشرب الخمور انتشاراً واسعاً أقنع الحكومة الأمريكية بضرر ذلك على الفرد والأسرة والمجتمع ، فأصدرت الحكومة قانوناً يمنع الخمر ، ففي حوالي عام 1918 ثارت المشكلة في الرأي العام الأمريكي ، وفي عام 1919 أدخل الدستور الأمريكي تحت عنوانه : " التعديل الثامن عشر " أيد هذا التعديل بأمر حظر ، أطلق عليه التاريخ قانون " فولستد " .

وقد أعدت لتنفيذ هذا التحريم داخل الأراضي الأمريكية كافة وسائل الدولة وإمكاناتها الضخمة :

1- جنِّد الأسطول كله لمراقبة الشواطئ ، منعاً للتهريب .

2- جُنِّد الطيران لمراقبة الجو .

3- شُغلت أجهزة الحكومة واستخدمت كل وسائل الدعاية والإعلام لمحاربة الخمر وبيان مضارها ، وجُنِّدت كذلك الصحف والمجلات والكتب والنشرات والصور والسينما والأحاديث والمحاضرات وغيرها ، وقد صرفت الدولة في الدعاية ضد الخمر ما يزيد عن ستين مليوناً ، وأن ما أصدرته من كتب ونشرات يبلغ عشرة بلايين صفحة ، وما تحملته في سبيل تنفيذ قانون التحريم في مدة أربعة عشرة عاماً لا يقل عن مائتين وخمسين مليون دولار ، وقد أعدم في هذه المدة ثلاثمائة نفس ، وسُجن 335و532 نفس ، وبلغت الغرامات أربعمائة مليون وأربعة ملايين دولار ، ولكن كل ذلك لم يزد الأمة الأمريكية إلا غراماً بالخمر ، وعناداً في تعاطيها ، حتى اضطرت الحكومة سنة 1933 إلى إلغاء هذا القانون ، وإباحة الخمر إباحة مطلقة .

لقد فشل القانون ، وعجزت السلطات ، وأفلست أجهزة الدولة ، في منع الخمر ومحاربة السكِّيرين ، برغم الاقتناع العقلي الذي كان سائداً في الأمة بضرر الخمر ، ولكن الاقتناع شيء ، وعمل الإرادة شيء آخر .

ولقد قال أحد الكتاب الغربيين بحق :

" إن طلب شيء في تصميم وقوة يتطلب روحاً في التعبد والتقشف ، أي تكريس الحياة لبلوغ مثل أعلى واحد ، اختاره الإنسان بعناية وتفطن .. إن الإرادة تغلب دائماً الثقافة ، حينما تكون الثقافة لا المبادئ الدينية هي التي يركز عليها تصميم المرء ونشاطه ومدده الروحاني ". وللحديث بقية إن شاء الله تعالى .

المصدر