الإمام البنا ومواجهة الاحتلال الإنجليزى لمصر (2)

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
الإمام البنا ومواجهة الاحتلال الإنجليزى لمصر (2)


بقلم : د. محمد عبدالرحمن ... عضو مكتب الإرشاد

الإمام حسن البنا

لقد كانت المنهجية التى وضعها الإمام الشهيد واضحة محددة مكافئة للواقع الموجود فكان عليه تأمين حركة الجماعة ونموها فى ظل قوى متربصة ومعادية، وأن يمر بمهارة من المنزلقات والمكائد والفخاخ الى نصبت فى طريق الدعوة، وألا يدخل معركة فاصلة دون تهيئة وإعداد أو قبل الأوان.

كان عليه كل ذلك وفى نفس الوقت ان يتخذ الخطوات العملية الفعالة لإزالة هذا الاحتلال البغيض وتحقيق الاستقلال للأمة وفق منظومة أهداف الجماعة.

عندما تجاوز الإخوان محنة وضربة عام 1948، واغتيال قائدها ومؤسسها، كان المتوقع من كل المراقبين أن ينكفأ الإخوان على أنفسهم وعلى تنظيمهم، وان يتراجعوا ولو إلى حين عن المضى فى مشروعهم العام وجهادهم ضد المحتل الأجنبى خاصة وأن ذلك فى النهاية سيصب فى صالح من يمسكون بمقاليد الحكم وسيوظفونه لتثبيت سلطاتهم، وأن هؤلاء بموقفهم من الجماعة أصبحوا متربصين بها ينتظرون أن تضعف قوة الإخوان عند صدامهم مع الإنجليز، فينقضون عليها ويجهزون على ما بقى منها.

لكن الإخوان كان لهم ميزان آخر لأنهم دعوة ربانية وحملة رسالة إسلامية يستهدفون مصلحة الوطن وما يحتاجه ورفعة أمة الإسلام وتحريرها لا يعملون بمفهوم حزبى ضيق، ويضحون فى سبيل الإسلام والوطن ويبذلون جهدهم فى التخطيط والأخذ بالأسباب ومراعاة سنن الكون وقواعد التغيير.

شملت خطة الإمام الشهيد فى مسارها العملى أربعة مراحل متداخلة مترابطة:

1. المرحلة الأولى : شملت التركيز على تأصيل الفكرة ووضع الاستراتيجية وقد سماها الإمام مرحلة التعريف، ونشر الوعى الصحيح حول الواجبات والأهداف ودور أفراد الإخوان فى مواجهة المحتل الغاصب، وكذلك توعية أفراد الشعب بذلك، مع العمل على اتساع مساحة التأثير والوصول إلى الجماهير فى أعماق الريف وأنحاء القطر المصرى كله، وقد أخذت هذه المرحلة حوالى عشر سنوات واستمرت بعد ذلك تعمق هذا الجانب بفاعلية متزايدة .

2. المرحلة الثانية : وهى قد بدأت من عام 1938 حيث انتقل بها الإمام للخطوة الثانية من الإعداد وسماها الخطوة التكوينية، مع استمرار ما بدأ به من نشر الدعوة ومبادئها، وفى هذه المرحلة من عمق الإعداد والتدريب والتكوين اشتملت على هذه الخطوات الأساسية :

أ‌- إنشاء النظام الخاص عام 1940، وإعداده وتدريبه لمواجهة قوات الاحتلال، واستمر هذا حوالى عشر سنوات... وصاحبه ما يستلزم ذلك من زرع الأفراد والعيون، وتجميع المعلومات الدقيقة وترتيب موارد السلاح والتدريب عليه وكل ما يلزم لمعركة طويلة مع قوات الاحتلال الإنجليزى، ونشير هنا إلى الحكم التاريخى الذى أصدرته محكمة جنايات القاهرة فى 17/3/1950 (قضية السيارة الجيب) برئاسة أحمد كامل بك بشأن النظام الخاص ، فقد برأته المحكمة من تهمة الإرهاب وأشادت به وبدوره البطولى .

وورد فى حيثيات الحكم : " .. إنه جهاز تدريب يتمشى مع الأهداف المقررة لتحرير وادى النيل وجميع البلاد الإسلامية ، وإنه لم يتضمن ولم يدع إلى ارتكاب جريمة ... وأن المحكمة تدين بالتقدير لروح البذل والفداء الذى قدمه الإخوان المسلمون فى فلسطين ، الأمر الذى شهد به أمام المحكمة كل من اللواء أحمد بك المواوى القائد الأول لحملة فلسطين ، واللواء أحمد فؤاد صادق باشا الذى خلفه ، بما قام به هؤلاء المتطوعون من أعمال دلت على بسالتهم وحسن مرانهن وسمو روحهم المعنوية وإلمامهم بفنون حرب العصابات ... " أ.هـ

ب‌- القيام بعمليات صغيرة منذ عام 1940 وما بعدها، وذلك ضد قوات الاحتلال ولكن مع صغر حجمها إلا أنها كانت مستمرة ومتعددة ويقوم بها أفراد النظام الخاص وقد تصاعدت وتيرتها بعد عام 42، وكان ذلك لتحقيق معنى الجهاد وتركيزه عملياً فى النفوس – والتدريب والتهيئة للمواجهة الأكبر، ولتحقيق بعض الإزعاج للمحتل وحرص الإخوان ألا يعلنوا عن نسبة هذه العمليات الفردية إليهم حرصاً على استمرار التكوين والإعداد، وعدم لفت الأنظار إليه.

ت‌- الفعاليات الشعبية وتفعيل المساجد، وبروز فعاليات الضغط السياسى وقد حاول الإمام الترشيح للبرلمان عام 1942، وأواخر عام 1944 لكن حال الإنجليز دون ذلك.

3. المرحلة الثالثة : وهى تبدأ من سنة 1946، حيث تزايدت فيها وتيرة العمليات الفدائية من الإخوان ضد قوات الاحتلال، وتزايدت فعاليات الضغط الشعبى والسياسى التى يتحرك بها الإخوان، والتحرك بآليات جديدة لتفعيل المقاومة الشعبية السلمية، ودعم الزخم الطلابى فى حركته وكانت مظاهرة كوبرى عباس الثانية عام 1946 والتى رتبها وقادها الإخوان نموذج من عشرات المظاهرات التى تمت وقد جُرح فيها عدد من الإخوان واعتقل البعض الآخر.

كما استخدم الإمام البنا، وسائل التحرك الإعلامى على المستوى العالمى، وخاصة داخل الأمم المتحدة وقد أرسل أحد قادة الإخوان الطلاب إلى هناك للقيام بذلك.

4. المرحلة الرابعة : وهى تشمل الانتقال للمرحلة التنفيذية فى المواجهة والدخول فى العمليات العسكرية بدءاً من عام 1950 إلى أن تم جلاء هذه القوات عن أرض مصر (بعد قيام ثورة 52) وكذلك الضغط حتى تم إلغاء معاهدة 1936 وإجماع الأمة على شرعية القتال ضد القوات الإنجليزية.

- جاءت تطورات قضية فلسطين فى أواخر عام 47، وعام 1948، لتؤجل خطة الإمام مؤقتاً فى عملية قتال الإنجليز التى كان يُعد لها على نطاق واسع، حيث كان التركيز فى العمليات الجهادية كلها موجه لفلسطين وعلى أرضها لخطورة التهديد الصهيونى هناك.

ثم تم اغتيال الإمام الشهيد فى فبراير 49، وزجوا بالآلاف فى السجون، وتمكنت الجماعة من امتصاص الضربة، وإعادة تنظيم صفوفها واختيار قائدها عام 1950، وواصلت العمل بالخطة والاستراتيجية التى وضعها الإمام الشهيد.

وقد تم الضغط حتى تمكن الإخوان من فتح شعبهم ومقارهم بعد حكم القضاء فى 15/8/1951.

تواصل التدريب والإعداد والتكوين وسار ذلك مع المحورين الآخرين: محور تهيئة الأمة وحشدها فى هذا الميدان ومحور الضغط السياسى على الحكومة حتى تلغى الاتفاقية الظالمة (معاهدة (1936) وتقف حتى ولو مكرهة مع الأمة فى خندق واحد، ونجح الإخوان ومن معهم من قوى وطنية فى ذلك عام 1951، وبالتالى نجح الإخوان فى تأمين ظهر المجاهدين وأن يصل التأييد الشعبى أن يحقق الحماية لهم من أى انقلاب حكومى ضدهم أثناء الجهاد .. وأقاموا بذلك المعسكرات للتدريب ودعوا الجماهير للمشاركة.

وكان المفروض أن قيام ثورة الجيش عام 1952 يعى دفعة قوية لعملية التحرير ويستثمر المقاومة فى سبيل الحصول على الجلاء بلا قيد أو شرط ويحقق كل المطالب الوطنية لقد رفض الإخوان بوضوح أى تنازل عن المطالب الأساسية الوطنية، أو ما يمس وحدة وادى النيل واستقلاله الكامل، فإذا بحكومة الثورة، تفاوض الإنجليز وتتنازل عن ديون مصر لديها، وعن وحدة وادى النيل والتفريط فى استقلال السودان وهو جزء أصيل من الدولة المصرية، والموافقة على اتفاقية تسمح للانجليز بالعودة لقواعدهم بقناة السويس بحجج واهية.

رفض الإخوان ذلك بوضوح رغم رسائل التهديد والوعيد ثم الاعتقالات والتعذيب ثم سلم هذا النظام رؤوس قادة الجهاد ضد اليهود والإنجليز هدية لهم.


رؤية الإمام البنا فى مشروع التحرير

رؤية الإمام البنا فى مشروع التحرير كانت تقوم على:

1. أن متانة الإعداد العسكرى لا تقوم علىمجرد التدريب، وإنما لابد لها من تربية وتكوين صحيح للشخصية المجاهدة، لكى تكون قادرة على الاستمرار وعلى تحمل التضحيات و التجرد والإخلاص، وهذا على مستوى الأفراد، وعلى مستوى الجماعة لابد أن تراعى التدرج فى الخطوات والعمليات، وعدم كشف كل الأوراق، واختيار التوقيت المناسب، وتجنب التصفية.

2. أهمية بناء الوعى الشعبى الحقيقى الذى لا يقوم على مجرد شعارات أو فورات حماسية ولكن أن تتحول العاطفة إلى إجراء عملى واقعى يقاوم المحتل ويحقق الاستقلال معنوياً وفكرياً واجتماعياً واقتصادياً، لقد حرص الإمام فى خطته ووسائله أن يقاوم الاحتلال فى مظاهره داخل النفوس والأفكار والعادات وكان من مظاهر ذلك تحفيز الأمة لمقاطعة المنتجات الإنجليزية وصور الثقافة الغربية.

3. كما كان له رؤية عميقة بشأن تحقيق الاستقلال الاقتصادى ليسير هذا الهدف مع تحقيق الاستقلال من الاحتلال العسكرى، ولهذا كان جهاده لتمصير الشركات وتشجيع المنتج الوطنى، وإنشاء الصناعات الوطنية.

4. دعوته لتوحيد القوى الوطنية حول مشروع قومى واحد هو طرد المحتل وتحقيق الاستقلال الحقيقى، والنهوض بالأمة، وترك هذا التنازع الحزبى واعتبر أن هذه الأحزاب قد حل بها الفساد وأصبحت ألعوبة فى يد الإنجليز.

5. الاهتمام بالضغط الإعلامى والسياسى داخلياً وخارجياً واستيعاب المتغيرات العالمية وموازين القوى الجديدة والاستفادة من ذلك.

لقد كان أسلوب الإمام الشهيد يقوم على العمل المتكامل وفق استراتيجية عميقة بعيدة المدى، احتاجت منه عشرون عاماً ليصل إلى النتيجة التى استهدفها، وبهذه الرؤية وذلك الإعداد كانت مسألة طرد المحتل قد حسمت وأصبحت المواجهة العسكرية ضد قواعده فى القناة هى المرحلة الأخيرة والمسمار الأخير فى نعشه، وقد أدرك الإنجليز ذلك وعرفوا أنهم سيرحلون قطعاً، ولكنهم كانوا يريدون أن يتفقوا مع من يعطيهم أكبر قدر من التنازلات.. وكان لكل هذه القوى الأجنبية هدف واحد وطلب واحد هو ضرب هذه الجماعة ومحاولة القضاء عليها.

ومن المهم الإشارة أن الإخوان قد رفضوا بحسم ووضوح الفكرة التى تحرك بها بعض الوطنيين بالترحيب بالألمان، وتقدمهم لاحتلال مصر نكاية فى الاحتلال الإنجليزى وكان منطلق رأى الإخوان نابع من عقيدتهم، وكيف نستبدل مستعمراً بمستعمر آخر؟ وإن معنى الكفاح عندهم ينبع من تفجير طاقات الأمة لدفع غوائل الاستعمار أياً كان لونه إنجليزيا أو ألمانياً أو غير ذلك، ولهذا لم يشاركوا فى تظاهرات بعض القوى السياسية التى كانت تهتف إلى الأمام يا روميل فى 1942.

موجز للفعاليات والعمليات التى شملتها خطة الإخوان:

الإمام البنا يخطب فى جموع الناس

1. حملات التوعية من صحف ومجلات ونشرات وبيانات صادرة من الإخوان مع حرص الإخوان على ربط قضية الجلاء بالعقيدة، وأن تشمل الدعوة إلى فعاليات بكراهية الإنجليز ومقاطعتهم وعدم التعاون معهم، والضغط على المتعاونين معهم.

2. عقد المؤتمرات الشعبية والندوات الجماهيرية حول هذا الأمر، وكذلك مشاركة مؤسسات الجماعة كلها فى ذلك :

أ‌- فكان المؤتمر العام السادس فى 9/1/1941 للهيئة التأسيسية، ومسئولي شعب الإخوان وتناول فيه الإمام برؤية واضحة شئون مصر السياسية والاجتماعية والاقتصادية ومشكلة احتكار الشركات الأجنبية .

ب‌- المؤتمر الذى دعا إليه المركز العام ثانى أيام عيد الفطر (8 سبتمبر 1945) كل رؤساء المناطق والشعب وأعلنوا فيه بأنه على بريطانيا الاعتراف بحق مصر فى الاستقلال التام وضرورة نيلها الاستقلال ورفع القيود الاقتصادية والتجارية عنها وأن لا تتدخل الحكومة البريطانية فى شئون السودان ، وأن تعترف الأمم المتحدة بحق مصر فى ذلك (مجلة البلاغ 11 سبتمبر 1945م)

ت‌- المؤتمر الشعبى فى 28/8/1946م بالقاهرة وحضره نصف مليون فرد وطالب ببطلان معاهدة 1936م ورفض أى معاهدة قبل الجلاء التام عن وادى النيل .

ث‌- كانت كل احتفالات الإخوان فى المناسبات الوطنية أو الدينية ، يعتبر هذا الموضوع من الموضوعات الأساسية .

ج‌- الندوات والدروس المسجدية وخطب الجمعة ، وكذلك جولات على المقاهى وأماكن التجتمعات لشرح أبعاد القضية وواجب كل مصرى تجاهها .

3. الحملات الشعبية الميدانية : - ومن أمثلة ذلك :

أ‌- حمل تحريق مصادر الثقافة الإنجليزية (المجلات والمنشورات)

ب‌- حملة مقاطعة كل ما هو مكتوب باللغة الإنجليزية .

ت‌- حملة تحطيم اللافتات المكتوبة باللغة الإنجليزية فى المؤسسات والمحلات (وذلك بأسلوب الإقناع وإثارة الروح الوطنية وليس بأسلوب التخريب أو الفوضى) وذلك ضمن المقاومة الفكرية والثقافية لمظاهر الاحتلال .

ث‌- حملة توزيع شارة الجلاء وهى على شكل قلب ذات لون أحمر وفى وسطها كلمة الجلاء، وقد تم توزيعها فى جميع أنحاء البلاد فخرجت الأمة فى يوم واحد تعلق هذه الشارة على صدرها .

4. حملات المقاطعة الاقتصادية : لكل المنتجات الإنجليزية ، وكانت توجيهات الإمام الشهيد لأفراد الإخوان ولجموع الأمة : "لا تأكل ولا تلبس إلا من صنع وطنك " وقامت بطبع قائمة بالمنتجات الإنجليزية ، وكذلك مقاطعة المتعاونين مع الاحتلال .

5. الإضرابات المدنية، حيث قادها الإخوان ودعوا إليها جميع أفراد الشعب وكان تفاعل الشعب معها واستجابته لها أقوى من أى استجابة للقوى الأخرى، ومن هذه الإضرابات:-

أ‌- إضراب يوم الجلاء 21/2/1946.

ب‌- الإضراب العام 10/5/1946.

ت‌- الإضراب العام 8/6/1946.

ث‌- الإضراب العام 21/2/1947 . (وذلك كيوم وطنى للجلاء)

ج‌- الإضراب العام 26/8/1947. ( استنكاراً لمعاهدة 1936)

6. المظاهرات الحاشدة، للمطالبة بالجلاء التام: حيث نظم الإخوان وقادوا عدة مظاهرات كبيرة منها:

أ‌- مظاهرة 9/2/1946 تحت قيادة طلبة الإخوان وعلى رأسهم مصطفى مؤمن وتوجهت إلى قصر عابدين.

ب‌- سلسلة مظاهرات متتالية، من ضمنها مظاهرة كوبرى عباس 1946 حيث فتح البوليس الكوبرى على الطلاب، وأطلق عليهم الرصاص .

ت‌- مظاهرات أكتوبر 1946 بالقاهرة والأقاليم.

ث‌- مظاهرات أغسطس 1947 من الجامع الأزهر بقيادة الإمام البنا، وكان هذا متزامناً مع عرض قضية مصر على مجلس الأمن فى 5/8/1947.

وقد طلب الإمام يومها من جميع فئات الشعب أن يتوجهوا إلى المساجد فى صلاة الظهر فى ذلك اليوم للدعاء والمناصرة، وقد سبق هذا عشرات الفعاليات الجماهيرية الصغيرة والمتوسطة الحجم قبل هذا بسنوات .

7. الضغط على الحكومة ومطالبتها بإعلان بطلان معاهدة 36: وكانت الإضرابات والمظاهرات الحاشدة والبيانات وتعاون كل القوى السياسية فى ذلك من الوسائل الأساسية للضغط على الحكومة... وكانت المطالب التى احتشدت الأمة وراءها هى قطع المفاوضات – بطلان معاهدة 36 – سحب القوات البريطانية من مصر ووادى النيل بلا قيد ولا شرط – وحدة وادى النيل... واستمر الإخوان يقودون فعاليات ضاغطة فى ذلك الأمر حتى تم إلغاء المعاهدة فى حكومة الوفد فى 10/10/1951.

8. الضغط الإعلامى الخارجى: ومن أمثلة ذلك:

أ‌- إرسال أحد زعماء الإخوان ( مصطفى مؤمن) إلى أمريكا أثناء عرض قضية مصر على مجلس الأمن فى 5/8/ 1947، ليرد على افتراءات الإنجليز ويطالب بالجلاء التام عن مصر، ويعقد المؤتمرات الصحفية من أجل ذلك ويسد الضعف والتراجع الذى كان عليه الوفد المصرى هناك.

ب‌- مخاطبة الشعب الإنجليزى بنداء وجهه الإمام بعد الحرب العالمية لشعب انجلترا، يطلب منهم الجلاء عن مصر طواعية، وإن إخلاف وعدها بالجلاء سيكلفها الكثير.

ت‌- استخدام الإمام الشهيد الضغط النفسى على الإنجليز، بتوجيه رسائل مفتوحة للشعب الإنجليزى وبرلمانه، كما أشار إلى أن سلطانهم سيزول على يد القوة الأمريكية الصاعدة بعد الحرب العالمية، وأن الأفضل لها أن تنسحب (والدى الشهيد أ. سيف الإسلام صـ33)

وأعلن أكثر من مرة أن جرائمها لن ننساها وسيأتى اليوم الذى نحاسبها عليها، وأن ما نهبته من اقتصاد مصر ومن أموالها دين عليها يجب أن توفيه.

9. زرع عناصر لهم داخل القواعد الإنجليزية والرصد وتجميع المعلومات عن قوات الاحتلال والشريحة المتعاونة معهم... وقد بلغ الإخوان شوطاً كبيراً فى ذلك رغم الإمكانيات القليلة وظهرت كفاءة ذلك فى عمليات المقاومة.

10. إنشاء الجهاز الخاص 1940، الذى يُعد كنواة للمقاومة الفعلية وكان برنامج التربية والتكوين الشديد لأعضاء هذا الجهاز يؤهلهم لمستوى عالى من العقيدة ومن الانضباط والاستعداد للتضحية، وكان لبطولاته على أرض فلسطين ثم على ضفاف القناة ما أذهل الأعداء وأثار رعبهم.

11. تأمين منظومة السلاح وإعداد المجاهدين بها، عند مرحلة العمليات العسكرية ضد قوات الاحتلال ... وقد استفاد الإخوان من مخلفات معارك الحرب العالمية الثانية، واعتمد الإخوان على جيوبهم ومواردهم فى شراء المناسب من الأسلحة، وكذلك فى ترتيب عمليات جريئة للحصول عليه من داخل المعسكرات الإنجليزية ومخازنها.

12. ترتيب آليات التدريب وتوظيف عناصر الجيش والشرطة التى انضمت للإخوان.

13. القيام بعمليات نوعية صغيرة بدءاً من عام 1940، وذلك لعمل إزعاج للمحتلين، وتدريب المجاهدين، ولكن لم يعلن الإخوان عن نسبة هذه العمليات لهم تأميناً للإعداد، ومن أمثلة هذه العمليات:

أ‌- إلقاء قنابل على النادى البريطانى فى أيام عيد الميلاد سنة 1942، وسنة 1947، واتهم فيها الطالب نفيس حمدى، حسين عبد السميع، وهما من شباب الإخوان ومن أعضاء النظام الخاص.

ب‌- الجناية العسكرية رقم 88 لسنة 42 قسم الجمرك التى اتهم فيها جمال فكيه ومحمد عبد السلام فهمى بأنهما يعدان جيشاً لمحاربة الإنجليز .

ت‌- حادث القطار الذى كان يحمل جنوداً إنجليز فى الشرابية، فألقيت عليه القنابل من الرصيف إلى داخل القطار أثناء تهدئته ورصدت الحكومة خمسة آلاف جنيهاً لمن يتقدم لها بدليل لضبط الفاعل.

لا ندعى أن كل الحوادث والعمليات كانت من عمل الإخوان، فقد كان هناك أيضاً بعض الأفراد والمجموعات الصغيرة المتحمسة من أفراد الشعب، ولكن الفرق كان جوهرياً، فكان هناك حرص من الإخوان على ألا يصاب أحد من المصريين وأنها كانت ضمن استراتيجية مستمرة ومتصاعدة.

14. مقاومة الجانب الاقتصادى للاحتلال الأجنبى: كان من وسائل المقاومة التى دعا إليها الإمام الشهيد، وانتهج بشأنها نهجاً عملياً، مقاومة التبعية والارتباط الاقتصادى بالاحتلال الإنجليزى واتخذ ذلك مسارات مختلفة بجانب المقاطعة لمنتجاته:

أ‌- نادى الإمام باستقلال نقد الوطن وألا يرتبط بأى عملة أخرى "إن الإسلام يوجب استقلال نقدنا واعتماده على رصيد ثابت من مواردنا ومن ذهبنا لا على أذونات الخزانة البريطانية، ودار الضرب البريطانية، والبنك البريطانى، ومن أفظع التغرير بهذا الشعب أن يسلم جهوده ومنتجاته نظير أوراق لا قيمة لها إلا بالضمان الانجليزى".

ب‌- واهتم كثيراً بقضية تمصير الشركات وإحلال رؤوس الأموال الوطنية محل رؤوس الأموال الأجنبية كلما أمكن ذلك وتخليص المرافق العامة – وهى أهم شيء للأمة – من يد غير أبنائها، فلا يصلح بحال أن تكون : الأرض والبناء، والنقل، والماء، والنور، والمواصلات الداخلية، والنقل الخارجى حتى الملح والصودا فى يد شركات أجنبية تبلغ رؤوس أموالها وأرباحها الملايين من الجنيهات لا يصيب الجمهور الوطنى ولا العامل الوطنى إلا البؤس والشقاء والحرمان" ( رسالة مشكلاتنا فى ضوء النظام الإسلامى). ت‌- وكذلك التصدى لاستغلال الشركات الأجنبية لثروات البلاد، واستغلالها للعامل المصرى، والضغط لإحلال العمالة المصرية محل الأجنبية. (مجلة التعارف يونيو 1940- وكتاب دور الإخوان المسلمين فى المجتمع المصرى . ج6 ص،78)

ث‌- كما حذر الإمام من السيطرة الإنجليزية على الاقتصاد المصرى، وكذلك من الشركات اليهودية، وكيف أن 320 شركة أجنبية تسيطر سيطرة كاملة على اقتصاد الوطن. ( مجلة النذير أغسطس 1939، وكتاب الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ ج1 277 – 278)

ج‌- تقديم حلول عملية فى هذا الميدان بتكوين الشركات الوطنية وتشجيع الملكيات الصغيرة وقام بتأسيس عدد من الشركات الوطنية... مثل شركة التعدين، شركة لصناعة الزجاج – شركة الصحافة – شركة الطباعة – شركة المعاملات الإسلامية - .. الخ.

وكما طالب بسرعة استغلال منابع الثروة الطبيعية والعناية بالمشروعات الوطنية وتشجيع الصناعات المنزلية .. الخ ( رسالة مشكلاتنا فى ضوء النظام الإسلامى)

15. معارك القناة وتنظيمها: مع استمرار تصاعد وتيرة العمليات الفردية والصغيرة ضد قوات الاحتلال، ومع التحرك السياسى والزخم الجماهيرى وتعبئة الأمة، انتقل الإخوان إلى المرحلة الأخيرة فى المواجهة العسكرية مع قوات الاحتلال، ونشير باختصار إلى ملامح هذه المواجهة وبعض الأحداث الهامة فيها:

1) لقد دخل الإخوان معارك القناة بكتائب النظام الخاص، ومن جميع شُعب الإخوان على امتداد خط القناة ومحافظة الشرقية، بخلاف أعداد المتطوعين الإخوان من أنحاء القطر، وكذلك أعدوا كتيبة من طلاب الجامعة من خلال معسكرات التطوع.

2) كان الإخوان بمنطقة الإسماعيلية من أسبق الشُّعب فى العمليات العسكرية ضد الإنجليز حتى قبل إلغاء المعاهدة حيث كانت تقوم بـ : خطف لقادة الإنجليز – نسف لطرق قوافلهم – مهاجمة معسكراتهم – وكانوا هناك تحت قيادة الشهيد الشيخ محمد فرغلي والشهيد يوسف طلعت حتى أن الإنجليز أعلنوا عن مكافأة سخية لمن يرشد عن أيهما.

3) وكذلك فى السويس نجح الإخوان فى ضرب مخازن الذخيرة وصهاريج البترول .

4) وكانت هناك مجموعة " كامل الشريف" و "محمد سليم" حيث كانت تعمل فى المنطقة من الإسماعيلية حتى بورسعيد.

5) ومجموعة منطقة القنطرة، اشتهر منهم " د. عصام الشربينى" و "فتحى البوز" و"فوزى فارس".

6) وكذلك مجموعة بورسعيد بقيادة " على صديق" وكانت تضم عدداً من طلبة الإخوان والنظام الخاص، منهم الإخوة : "يوسف على يوسف" و "فتحى العجمى" و "إسماعيل عارف".

7) وكتيبة جامعة القاهرة ( كان اسمها وقتها جامعة فؤاد) وهى من طلبة الإخوان المسلمين بالجامعة، وقد انضم إليها بعض الأفراد الوطنيين من غير الإخوان، وكانت بقيادة " حسن دوح" وتركزت عملياتها فى منطقة القرين والتل الكبير.

8) افتتح الإخوان أيضاً معسكرات للتدريب فى جامعات مصر تحت قيادتهم:

أ‌- معسكر جامعة الأزهر، يشرف عليه الأخ د. أحمد العسال .

ب‌- معسكر جامعة عين شمس، يشرف عليه الأستاذ "مهدى عاكف" والأخ د."سعيد النجار"، و "وائل شاهين" . 9) تولى كامل الشريف قيادة نصف خط المواجهة ( من الإسماعيلية حتى بورسعيد) لمدة 6 شهور، ثم توحيد قيادة الجبهة كلها لمنطقة القناة إلى الأخ محمود عبده، وذلك بعد معركة التل الكبير المشهورة.

10) من نماذج العمليات المؤثرة التى قاموا بها:

أ‌- نسف كوبرى أبو حليفة .

ب‌- نسف القطار الحربى الإنجليزى بالقرب من الإسماعيلية .

ت‌- نسف معسكر أبو سلطان ومخازن الذخيرة به، وقد استمر الحريق عدة أيام .. وقد قام بهذه العملية الجرئية الشهيد يوسف طلعت.

ث‌- ضرب المصفحات الإنجليزية والدوريات الراكبة.

ج‌- نسف القطار الحربى بمنطقة الكاب.

ح‌- نسف الخطوط الحديدية وإعاقة حركة المواصلات التى يستخدمها الإنجليز.

خ‌- معركة التل الكبير حيث نسف الإخوان الخط الحديدى، وقتلوا نجدة سلاح المهندسين الإنجليز بالكامل، ثم اشتبكوا فى نطاق واسع مع القوات الإنجليزية هناك عند ترعة الإسماعيلية، وكسروا الحصار الذى حاول الإنجليز فرضه، واستشهد فيها من الإخوان "عمر شاهين"، و "أحمد المنيسى"، فى 11 يناير 1952. وأحدثت هذه المعركة دوياً سياسياً وشعبياً كبيراً .

د‌- كان للشيخ محمد فرغلى دورا معروفا فى فك حصار القوات الإنجليزية على مبنى محافظة الإسماعيلية فى 25 يناير 1952 وأرغمهم على الانسحاب فى نهاية الاشتباكات التى استشهد فيها عدد كبير من جنود الشرطة المصرية .

11) كانت هناك عشرات بل ومئات العمليات، وكانت جميع شعب الإخوان على امتداد منطقة القناة فى حالة استنفار وعمليات قتالية مستمرة، وساعد الإخوان فيها أيضاً الإخوان الضباط الذين كانوا بالجيش المصرى وقتها مثل اليوزباشى عبد المنعم عبد الرؤوف، واليوزباشى عبد الفتاح غنيم وعدد من الضباط الأحرار الذين كانوا أعضاء قبل ذلك فى الإخوان، وكذلك المرحوم اللواء صلاح شادى ( من ضباط الشرطة) .. وأحال الإخوان حياة الإنجليز بالقناة إلى جحيم لا يطاق.

12) لقد سار الإمام حسن الهضيبي على نفس السياسة وعلى نفس المراحل التى رسمها الإمام البنا، وكان فى عزمته فى كفاح الإنجليز أقوى عزيمة وأشدّ صلابة من كل من حوله من الشباب الذين كلفهم ووجههم لقيادة وخوض معارك القناة.

ومضى ركب المجاهدين والشهداء إلى غايته، وأبى المرشد أن ينسب فخار هذا الجهد للإخوان المسلمين وحدهم، وإنما أعلن للناس كافة وللإنجليز خاصة، أن الأمة كلها قامت لتجاهد الاحتلال حتى لقد رفض أن يكون تشييع جنازة الشهيد عمر شاهين وأحمد المنيسى من المركز العام للإخوان المسلمين، وإنما أصر أن تخرج من ساحة جامعة فؤاد (جامعة القاهرة حالياً) فى الجيزة لتكون رمزاً لجهاد الشعب كله وليس للإخوان المسلمين خاصة.

وكل ذلك كان بفضل الله نتيجة هذا الجهد وذلك الإعداد طوال تلك السنين ..

والله أكبر ولله الحمد،،