الإصلاح المزيَّف.. هل يستمر؟!

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
الإصلاح المزيَّف.. هل يستمر؟!
توفيق الواعي.jpg

بقلم: د. توفيق الواعي

كلمة "إصلاح" تدل على أن هناك خللاً وأخطاءً لابد أن تُصحح، وأن هناك فسادًا ينبغي أن يزول، وعوائق وعقبات يجب أن تنحَّى وتفسح الطريق، وهذا شيء واضح وضوح الشمس في رائعة النهار.

ولكن للأسف الشديد يراد للإصلاح أن يكون بمزيد من الإفساد وبكثير من الخلل والتجاوزات، يراد له أن يتم بعيدًا عن الشعوب، وبعيدًا عن واقع الأمة وعن الحريات، وعن الدراسات الصحيحة والأساليب الحسنة التي تؤدي إلى النتائج المفيدة، ويراد له أن يتم بأيدٍ ملوثةٍ، وعقول ملتاثة، وأفكار منحرفة، وعصابات متخصصة في الإجرام، وعتيدة في التحكم والاستئصال، يراد له ألا يكون بفتح الأبواب والنوافذ للأفكار والإبداعات، ولكن بفتح السجون والمعتقلات وكبت الآراء وقتل المبدعين والشرفاء.

كيف يكون هناك إصلاح والأحكام العُرفية مصلتة على رقاب الناس، والمحاكم العسكرية تحاكم المدنيين بغير جريرة، ولا يستطيع أحد أن يراجعها في حكم أو يعارضها في اتهام؟! إذن فلا حرمة لقانون!!

كيف يكون هناك إصلاح ومال الناس يُغتصب ويُسرق، حتى تجرد نساؤهم من حليِّهِن، ثم تؤمَّم شركاتهم، وتُغلق متاجرهم، وتُستباح أموالهم؟ إذن فلا حرمة لمال أحد!!

كيف يكون هناك إصلاح مع القتل والتعذيب بغير ذنب أو جريرة، وبغير أحكام عادلة، أو قضاء نزيه، أو دفاع حر يرد عن المظلومين الإفك؟ إذن فلا حرمة لدم!!

كيف يكون هناك إصلاح والأفواه تكمَّم، والآراء تؤدي بأصحابها إلى الجحيم، والكفاءات تُبعَد، والمنافقون يقربون، والسُرَّاق يقلَّدون الماصب؟! إذن فلا حرمة لرأي!!

كيف يكون هناك إصلاح وعائل الأسرة الشريفة يُمتهن أمام أسرته، ويُضرب أمام أولاده، وتتعرض الأسرة لقطع الأرزاق والجوع والحصار الاقتصادي؟! إذن فلا حرمة لأسرة!!

كيف يكون هناك إصلاح ولا شورى أو ديمقراطية أو تبادل للسلطة، وإنما دكتاتوريات وعبادة للكراسي، وإقصاء للآخَر، ونهبٌ للمال العام؟! إذن فلا حرمة لشعب!!

كيف يكون هناك إصلاح ولا تفكير في أحوال الأمة، أو الالتفات إلى ما تعانيه من تدهور في الاقتصاد، وغلاء في المعيشة، وارتفاع للبطالة، وسرف في الإفساد، وتبديد لعرق العاملين الكادحين المحرومين، وعدم رعاية مصالحهم؟! إذن فلا دراسةَ ولا استعدادَ لتحمل التبعات لإسعاد الشعوب..!! فأين هو الإصلاح المزعوم؟!

والحقيقة أنه لا إصلاح، وإنما خداع للشعوب، وتعميةٌ على الناس، واستدراجٌ للفرائس التي تقع كل يوم في شِراك الدجالين الذين مردوا على الشعوذة والنفاق، وخلف الوعود، والتلاعب بالألفاظ، والتلويح بالأكاذيب، وهل يمكن أن يستمر هذا الهزر، وتنطلي على الأمة هذه الأراجيف؟!

ولِمَ هذا الخداع النتن في ساعاتٍ الأمةُ أحوج ما تكون فيها إلى الجُهد؟! خاصةً أمام أعدائها، وأمام المتربصين بها، وأمام ما تتعرَّض له كل يوم من إذلالٍ وقهْرٍ في شتَّى مناحي الحياة.. تكنولوجيًّا واقتصاديًّا، وحربيًّا، وأصبحت الفجوة كبيرةً جدًّا حتى بيننا وبين عدوتنا إسرائيل (الكيان الصهيوني )، وأصبحت منظومة الأقمار الحربية والتجسسية الإسرائيلية (الصهيونية) تعُد على العرب أنفاسهم، وتُحصي عليهم خطواتهم، وكان آخر ذلك القمر الصناعي التجسسي "أفق-5" وقد تعمقت هذه الفجوة أكثر في ظل اتفاقات السلام العربية الإسرائيلية (الصهيونية)؛ حيث راح العرب في نوم عميق، فيما أخذت إسرائيل (الكيان الصهيوني ) تعمل بقوة في تطوير مشاريعها العسكرية، ما بين نووية وصواريخ بالستية، ومنظومة صواريخ مضادة للصواريخ، وبرامج للأقمار الصناعية والعلمية والعسكرية، وشتَّان ما بين أقمار العرب وأقمار إسرائيل (الكيان الصهيوني )، فإسرائيل (الكيان الصهيوني ) تصنع أقمارها، والعرب يستوردون أقمارهم "أقمار جاهزة الصنع، تحمل بين طياتها ما يعرفه العرب من أسرار تعمل في سمائهم ما تريد".

وأقمار إسرائيل (الكيان الصهيوني ) لتعزيز الناحية العلمية والقدرات العسكرية والتجسسية، وقد انتقلت من خلال هذه الأقمار من الاعتماد على الصور التي تزودها بها أمريكا من أقمارها التجسسية إلى الاستقلال الكامل في مجال التجسس الفضائي، ووصف رئيس إسرائيل (الكيان الصهيوني ) هذا الإنجاز بأنه إنجاز تكنولوجي مذهل، يثبت مجددًا تفوق إسرائيل (الكيان الصهيوني ) واحتلالها مكانةً بارزةً في صدارة نادي الفضاء.

كما تعزز أقمار التجسس الإسرائيلي ( الصهيوني ) قدرة إسرائيل (الكيان الصهيوني ) على رصد تحركات الجيوش العربية ومتابعة مناوراتها، ورصد الاتصالات ين القوات ومراكز القيادة، وهو ما يتيح للقوات الإسرائيلية ( الصهيونية ) القدرة على شنِّ ضربة وقائية، وإجهاض أي تحرك مضاد.

أما أقمار العرب التي اشتروها فهي أقمار تلفازية للزمر والطرب والرقْص الشرقي والغربي، وقد تعاملت الدول العربية مع الأقمار الإسرائيلية ( الصهيونية ) كأنها تستهدف مكانًا آخر غير محيطنا العربي والإسلامي، ولم يكلِّف أيُّ مسئول عربي- عسكري أو سياسي- نفسَه عناءَ بحث الأمر أو التعليق عليه، والموتى لا يتكلمون ولا يسمعون ولا يتحركون..!! ?وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ? (فاطر: 22).

إن بلادنا تدرك أنه لا بد لها من إصلاح حقيقي على يد الشعوب، صاحبة المصلحة في التغيير الذي يبدأ بتربية الذات الكفء، وصدق الله: (إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد:11)، ويثنِّي بالعمل على إحلال سلطة القانون التي تحفظ لكل ذي حق حقه، وتردع الظلمة والطغاة، حتى يأمن الناس على أرزاقهم وأنفسهم، ويلتفتوا إلى الإبداع، وصدق الله: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ* الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِّن جُوْعٍ وَّآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ) (قريش:4،3)، (قُوْمُوا بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ للهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ)(النساء: 135).

ويثلِّث بالتربية على تحمل المسئولية، ومراقبة الله، والإحساس بالواجب، والعمل بما يقتضيه هذا الواجب؛ لأنه من صلب ديننا الحنيف: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته"، (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُوْنَ) (الزخرف: 44).

أما الأنظمة والعصابات التي استباحت الشعوب، واستولت على المال العام، وسرقت حتى البنوك، وحوَّلت الثروات العامة والموارد العمومية إلى ملكية شخصية، وقتلت الإبداع في نفوس الناس، وأراقت دماء الشرفاء والمخلصين، وكذبت على الأمة، واستمرَأَت ذلك أزمانًا، فيستحيل أن يأتي على يديها خيرٌ أو إصلاحٌ أو تقدمٌ، وإنما للإصلاح رجالُه الذين يتحمَّلون في سبيله كلَّ شيءٍ، ويضحُّون له بكل نفيس وغالٍ.. نسأل الله التوفيق والسداد.. آمين، آمين.

المصدر

قالب:روابط توفيق الواعى