الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي (الحلقة الرابعة والعشرون)

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي (24)


بقلم : زياد أبو غنيمة

غضبٌ شعبيٌ متصاعد ضدَّ تحالف خصوم الإخوان

تزامن صدور حكم مجلس الدولة في 30 / حزيران / 1952 م بإلغاء الأمر العسكري بحل جماعة الإخوان المسلمين مع تصاعد غليان مرجل الغضب الشعبي على الملك فاروق وحاشيته ، وعلى الأجانب وخاصة على البريطانيين ( الإنجليز ) والطليان واليونانيين الذين كانوا يتحكـَّـمون بمصر وبالمصريين ، وعلى اليهود الذين كانوا يُشكـِّـلون طابورا خامسا للعصابات اليهودية في فلسطين ، وعلى قيادات الأحزاب السياسية الذين كانوا يدورون في فلك السفارة البريطانية وتـُحرِّكهم كما تريد ، وكان هؤلاء جميعا يلتقون على كراهية جماعة الإخوان المسلمين ويُشكـِّـلون تحالفا حاقدا يكيد للإخوان ويتآمر عليهم .

عنجهية فاروق وانغماسه في الفساد أفقده تعاطف المصريين

الملك فاروق

على صعيد الملك فاروق فقد كان في بداية جلوسه على العرش حريصا على التقرُّب من الشعب مما أكسبه كثيرا من التعاطف الشعبي ، إلا أنه مع تقدم الوقت أخذ يتعالى على الشعب وينظر إلى الناس نظرة دونية ، وفرض طقوسا مهينة تجبر رجال الدولة والجيش على الإنحناء له وتقبيل يده ، وبلغ الأمر ببعض ضعاف النفوس أن يعقدوا له رباط حذائه ، ويُسجَّـل للمستشار حسن الهضيبي أنه أول مصري كسر طقس الإنحناء للملك فاروق ، فعندما ترقى الأستاذ الھضیبي إلى منصب مستشار ( قاضي ) ، كان علیه أن یؤدِّي الیمین مع عدد من القضاة الجدد أمام الملك ، ودخل أول خمسة قضاة إنحنوا جميعا أمام الملك ، وجاء دور الھضیبي ففاجأ الجمیع بأن مدَّ یده لمصافحة الملك وأقسم الیمین منتصب القائمة مرفوع الجبین ، ويذكر القاضي الذي كان خلفه أنه فوجىء بتصرف زميله الهضيبي وحار ماذا يفعل ، ولكنه قرر أن يفعل كما فعل الهضيبي وهو يردد في نفسه ( إذا شنقوا الهضيبي فليشنقوني معه ) ، ولم يجرؤ الملك فاروق على شنق الهضيبي ، وتوقف القضاة عن الإنحناء ، وبعد سنوات كان نظام جمال عبد الناصر يحكم على الهضيبي بعد أن صارا مرشدا عاما للإخوان المسلمين بالإعدام .

وزاد من تآكل تعاطف المصريين مع الملك فاروق ما كان يتواتر من القصص عن فساده وفساد الحاشية المحيطة به وانغماسهم في صفقات الإثراء الحرام وفي سهرات اللهو والقمار والخمر والملذات وإحياء الليالي الحمراء في قصوره ، وتجاوز الحديث عن فساد فاروق وحاشيته حدود مصر فنشرت مجلة ( التايم ) الأمريكية الصادرة بتاريخ 24 / شباط / 1941 م تقريرا من مراسلها في القاهرة جاء فيه : ( كان الملك فاروق يجوب القاهرة ليلا نهارا بواحدة من سياراته الحمراء أو الخضراء برفقة مستشاره المالي إلياس أندراوس وسكرتيره الإيطالي الخاص أنطون بوللي اللذين كانا بارعين في اصطياد الفتيات الجميلات لمشاركة الملك سهراته وإشباع رغباته وكانت منهن الممثلة الشهيرة اليهودية كاميليا والمغنية آني بيريه الفرنسية ,غيرهن ) .

وأصدر الكاتب الأميركي وليام ستادين كتابا يحمل عنوان ( فاروق ملك مصر .. حياة لاهية وموت مأساوي ) نشرت عرضا له صحيفة الوسط البحرينية في العدد 1903 الصادر في 22 / تشرين الثاني / 2007م ذكر فيه إن فاروق كان منغمسا في الحفلات والسهر وفي بذخه وإسرافه على ملذاته وأهوائه ، إذ زادت ثروته بسبب فساده واستغلاله لنفوذه على 140 مليون دولار أميركي إضافة إلى ألوف الأفدنة ، ويتحدَّث الكتاب الذي ترجمه إلى اللغة العربية الكاتب المصري أحمد هريدي عن معلومات مذهلة وصادمة عن حياة الترف التي كان فاروق غارقا فيها ، فبشير إلى أن الملك فاروق كان يمتلك العديد من القصور منها قصر عابدين المكون من 550 حجرة مزينة بالحلي والجواهر واللوحات الفنية ، وأنه كان يمتلك 200 سيارة بينما كان الشعب المصري يعتصره الفقر ويعاني من الجوع والمرض ، وفي معرض الكشف عن تمادي فاروق في حياة الترف والبذخ يذكر الكتاب أن الملك فاروق توجـَّـه قبل أيام من قيام الثورة ضدَّه إلى قصر ( رأس التين ) في مدينة الإسكندرية الساحلية ومعه 200 من أفراد الحاشية منهم مصففو شعر وخدم وأطباء وسائقون وحائكو ملابس وغيرهم ، وتحدَّث الكتاب عن البذخ الذي ظهر في حفل عقد قران الملك فاروق على زوجته الثانية الملكة ناريمان ووصفه بأنه أكثر حفلات العرس في التاريخ بذخاً في وقت كانت البلاد على وشك الانفجار .

وفي لقاءاته على حلقات مع فضائية ( الجزيرة ) كشف الكاتب المصري محمد حسنين هيكل بعد خلع فاروق بعشرات السنين عن بعض جوانب الفساد في عهد الملك فاروق : ( كانت النساء في عهد الملك فاروق غايته الأولى وهدفه الأول أمام شهوته الجنسية التي لم تتوقف ، فأنشأ بذلك ما عرف بنساء الحرم السلطاني ، كان جلّ اهتمام الرجل هو التنقل بين قصوره فى القاهرة والإسكندرية ، وبين نساء غرامياته وبين موائد القمار والرحلات الباذخة إلى أوربا والإفراط فى الطعام والبذخ ، ولم تكن مصر ولا شعبها فى حسابه إلا باعتبارها جزءاً من متاعه الشخصى ، والنتيجة أنه لم يقم بإنجاز أى شئ له قيمة لصالح مصر ) .

وتجدر الإشارة إلى أن محمد حسنين هيكل الذي يكشف عن مفاسد الملك فاروق بعد عشرات السنوات من خلعه عن عرش مصر هو نفسه محمد حسنين هيكل الذي نشر مقالا ينضح بالنفاق للملك فاروق عندما كان ملكا لمصر ، ففي مقال تحت عنوان ( في عيدك يا مولاي ) بمناسبة العيد الثامن لجلوس الملك فاروق على العرش

نشره هيكل في مجلة ( روز اليوسف ) في عددها رقم 830 الصادر في القاهرة في يوم الخميس 11 / أيار / 1944 م ، الموافق 18 / جمادى الأولى / 1363 هـ قال هيكل : ( هذه هي الذكرى الثامنة لجلوسك يا مولاي على عرش مصر ، ثمان سنوات وأنت تحمل مسئولية هذا الوطن وهذا الشعب ، كنت فيها نعم الملك الدستوري في ظروف لعلها أدق ما مر بها في تاريخ حياتها ، أوليس الفاروق هو الذي قال ذات مرة : إنني أحب قيادة السفينة أثناء العاصفة ، ثمان سنوات وأنت تعمل لهذا الشعب وتخلص له وهو يعمل معك ويخلص لك وستظلان معا إلى الأبد ،وهذه مصر كلها تحتفل بعيد ملكك ، مصر من أقصاها إلى أقصاها ، أفرادا وجماعات ، أحزابا وهيئات ، ولم تجد مصر ما تحيي به هذا العيد سوى الهتاف باسمك والدعاء لك من القلب : يعيش جلالة الملك ، فلقد أخذ التفكير في مصر كل وقتك لأنك تحبها ، ومصر يا مولاي تحبك ، يا مولاي ، هذه ثمان سنوات ، وأنت وهذا الشعب تتقاسمان السراء والضراء وتسيران في طريق الحياة بأزهارها وأشواكها ، وستبقيان معا إلى الأبد ، لأن هناك رباطا من الحب الخالد يوثق بينكما ) .

ما أبعد ما بين ما قاله هيكل في الملك فاروق سابقا ولاحقا ، إن لم يكن هذا هو النفاق فكيف يكون النفاق .؟

ولم يكن هيكل وحيدا في سباق النفاق للملك فاروق ، فقد نشرالكاتب المصري عباس محمود العقاد مقالا بمناسبة العيد الثلاثين لميلاد الملك فاروق في الملك فاروق في مجلة ( الهلال ) عدد شهر شباط 1950 قال فيه : ولدت هذه الامة قبل ثلاثين سنة ، وولد معها مليكها الفاروق ، فهما ندَّان مقترنان عاما بعام ، وخطوة بخطوة ، واملاً مع امل ، وفلاحا مع فلاح نمي الفاروق ونمت مصر كأنهما كانا علي موعد .

ما أبعد ما بين ما قاله هيكل والعقـَّـاد عن الملك فاروق حين كان ملكا ينحنيان له ، وما قالاه بعد خلعه عن العرش ، إن لم يكن هذا هو النفاق فكيف يكون النفاق .؟

حاشية فاروق عجـَّـلت في زوال ملكه

تلتقي جميع المراجع التي تحدَّثت عن الملك فاروق أن انغماس حاشيته في الفساد وفي الإثراء الحرام كانت من أهم العوامل التي عجَّـلت بخلعه عن عرش مصر ، وكانت حاشية فاروق تتوزع على فريقين ، فريق السياسيين والعسكريين الذين كانوا عملاء للسفارة البريطانية ومنهم أحمد حسنين باشا وحافظ عفيفي باشا اللذين تناوبا على منصب رئيس الديوان الملكي ، وكريم ثابت المستشار الصحفى للملك فاروق ، وجلال علوبة قائد اليخوت الملكية وياور الملك الخاص ، والدكتور حسين حسنى باشا سكرتير فاروق الخاص ، والدكتور يوسف رشاد الطبيب الخاص لفاروق وكان يتولى قيادة تنظيم سرِّي أسَّـسه الملك فاروق وأطلق عليه إسم ( الحرس الحديدي ) ويضمُّ عددا من الضباط الموالين لفاروق ، وكانت مهمته التخلـُّـص من خصوم الملك فاروق ، وفي هذا السياق يذكر أحد ضباط الحرس الحديدي سيد جاد في كتابه ( الحرس الحديدى .. كيف كان الملك فاروق يتخلص من خصومه .؟ ) أن الإمام حسن البنا واللواء محمد نجيب كانا من بين الأشخاص الذين أمر الملك فاروق الحرس الحديدي بالتخلـُّـص منهم .

وإلى جانب حاشية فاروق من السياسيين كانت له حاشية أخرى من أصدقائه الطليان الذين يعملون في القصر وهم الخواجه جيوجارو حلاق والده الملك فؤاد الذي أصبح حلاقا له بعد جلوسه على عرش مصر ، وكبير مهندسي القصر فيروتشى ونديمه المُقرَّب الخواجه طوني بوللي الذي كان بارعا في ترتيب السهرات والليالي الحمراء في القصر .

فضيحة الأسلحة الفاسدة

فضيحة الأسلحة الفاسدة ألهبت غضب المصريين كل.. عزل الملك فاروق

كانت طريقة تعامل فاروق الفوقية مع المصريين وتواتر القصص عن فساده وفساد حاشيته بداية تآكل تعاطف الناس معه ، وبمرور الوقت صارت رياح الغضب الشعبي تحيط به من كل جانب ، وبلغ الغضب الشعبي من الملك فاروق مداه بسبب ما كان يتناقله المصريون نقلا عن ضباط شاركوا في حرب فلسطين أن الأسلحة الفاسدة التي زوِّد بها الجيش كانت السبب في فشله في حرب فلسطين ، وقد طفت فضيحة الأسلحة الفاسدة على السطح لأول مرَّة بشكل رسمي عندما صدر تقريرٌ عن ديوان الجهاز المركزي للمحاسبات أشار إلى شبهات فساد في صفقات سلاح للجيش تمَّت قبيل وخلال حرب فلسطين ، وسرعان ما وصلت أخبار الفضيحة إلى مجلس النواب إثر توجيه النائب المعارض مصطفى المراغي سؤالا إلى حكومة حزب الوفد عن سبب استقالة رئيس ديوان الجهاز المركزي للمحاسبا بعد ان تردَّد أنها جاءت بعد رفضه ضغوطا من رئيس الحكومة مصطفى النحَّـاس باشا لحذف ما ورد في التقرير عن فضيحة الأسلحة الفاسدة ، ولم تلبث أن تلقـَّـفت مجلة روز اليوسف خبر الفضيحة فانتشر كانتشار النار في الهشيم في كل أرجاء مصر ، ولم تلبث أن أخذت أصابع الاتهام تتجه إلى الملك فاروق وحاشيته وحكومة الوفد تـُحمِّـلهم المسؤولية عن الفضيحة التي تسببت في فشل الجيش المصري في حرب فلسطين ، وزاد من غضب المصريين منع النائب العام محمود عزمي فتح تحقيق مع بعض رجال حاشية فاروق الذين حامت حولهم شبهات الفساد في فضيحة صفقة الأسلحة الفاسدة ، وأجَّـج الغضبَ الشعبيَ الحكمُ الذي أصدرته محكمة عسكرية بتبرئة عدد من الضباط من تهمة الفساد في قضية الأسلحة الفاسدة .

عمالة الأحزاب المصرية للسفارة البريطانية أفقدتهم ثقة المصريين

على صعيد الأحزاب السياسية وخاصة حزب الوفد بزعامة مصطفى النحَّاس باشا فقد كانت شعبية تتآكل وتتراجع بعد عجزه عن الوفاء بوعوده التي قطعها للمصريين سواء من جهة تحسين الأوضاع الداخلية أو من جهة تحقيق وعده بإجلاء الجيش البريطاني عن مصر بعد قيام حكومة الحزب برئاسة النحَّـاس باشا إلغاء معاهدة 1936 م بين مصر وبريطانيا في 8 / تشرين الأول / 1951 م ، أما حزب السعديين الأحرار فقد هبطت شعبيته الضعيفة أصلا إلى الحضيض بسبب سياسة القمع التي مارستها حكومته برئاسة محمود فهمي النقراشي باشا ثمَّ برئاسة خلفه بعد مقتله إبراهيم عبد الهادي باشا ضدَّ جماعة الإخوان المسلمين من حلٍ للجماعة ومصادرة مركزهم العام ومقرَّات شـُعبهم وسجن آلاف الإخوان وتعريض العديد منهم لأبشع أصناف التعذيب ، إلى تشريد آلاف آخرين من الإخوان وعائلاتهم ، ومحاصرة لمعسكرات مجاهدي الإخوان في فلسطين ومصادرة أسلحتهم ونقلهم في ظروف مهينة إلى السجون المصرية ، واغتيال الإمام الشهيد بإذن الله في 2 / شباط / 1949 م .