استراحة إيمانية .. لا تخلو من السياسة !
عزت النمر
يحتاج المرء في بعض الأحيان أن يعلو على واقعه الكالح ويتجاوز جراحاته ويقفز على وخزات الألم ويستخف باستحقاقات موازين القوى الحالية.
نحتاج أحياناً أن نصرخ ونرفض كل ما تحاول أن تفرضه الأسباب الواقعية من نتائج حاسمة في صراعاتنا التي نحياها ومعاركنا التي نعيشها.
حين تعيش في بحبوحة هذه الفكرة وتمنح نفسك فرصة العيش الهادئ في كنفها، تأتيك سهام الاتهامات من كل صوب، من داخل نفسك ومن خارجها.
إتهامات بالجبن عن الاستعداد للواقع والتصدي له, أو بالعجز عن توفير استحقاق الصراع وواجب المعركة, أو بالهروب والإخلاد إلى مخدرات الأوهام ومخدات الأحلام فراراً من مقررات الحقائق والكبوات الماثلة, أو إيثار الراحة والدعة على واجب المجاهدة والمدافعة والعمل.
اتهامات قاسية قد يكون لها ما يبررها عَرَضُتها على نفسي في سبحتها الهانئة الحالية فحمدت ربي أني لم أجد لأي منها صدىً خاصةً فيما نملك أو نستطيع, بل أني وجدت ما هو أرحب من دائرة نقد الذات أو الخجل أو الاعتذار.
تفسير هذه االحالة من السكون النفسي والرضا قد يكون راجعاً إلى توسيع دائرة الواقع إلى حقيقتها الكبرى..
حقيقة أن الأمر أكبر من القوى المتصارعة على الأرض، وأن هناك طرفاً علوياً يشهد المعركة بكل تفصيلاتها ومفرداتها, إذا تكلم فإن الواقع هو ما يعلن ونهاية الأحداث هي ما يقرر ويقول .. إنها السماء لا يملك الواقع والأحداث ونحن وهم لها إلا انصياعاً واستسلاماً .
حقيقة أخرى تسكب في النفس هدوءً واطمئناناً أن قصصاً من التاريخ كثيرة تؤكد أن المظلومين انتصروا وأن الظالمين نالوا عقوبتهم, وأن الواقع مهما كان بئيساً لابد أن يتغير وأن الظالم مهما كان قادراً سيأتي عليه يوم يذل وينكسر, وأنه لم يدم ليلٌ مظلمٌ إلا وقطعه فجرٌ مبشرٌ ومن ثم أعقبه نهار.
آية السكينة أنه اذا كانت هذه كلمة التاريخ، فلماذا نظن أننا سنكون استثناءً من التاريخ وغلطة من غلطاته , ولِمَ نحصر أنفسنا في لحظتنا الكئيبة القاسية ولا نتشوف مطمئنين إلى غدٍ قريب مشرق سريع الخطا وضاء.
ثمة أمر يفرض ذلك الهدوء الآمن ويدعو الى وداعة الرضا أننا على الحق ليس ظناً بل يقيناً..
نعمة الاصطفاف الى القيم وحدها ومِنحة الوقوف مع كل فضيلة وخلق..
العزوف الحقيقي عن كل غاية إلا رضا رب العالمين والتجرد من الهوى اللهم إلا تبعاً لما عليه أهل الهدى..
الفرح أننا في ثلة الفضلاء الأتقياء الأحرار الشرفاء لا يدنس ساحتنا عاهرة أو داعر أو دنئ الخلق سيئ السيرة كذوب..
نعم نحن متهمون .. والتهمة ربما فيها من الحقيقة شئ كثير!!..
نعم جريمتنا ثابتة علينا مع إصرار سابق وترصد يُدين!!..
أي تهمة؟! .. وما هي الجريمة ؟!..
يتهموننا أننا طيبون لا نصلح لدروب السياسة وأوكار الذئاب!!..
يُدينوننا أننا ساذجون لا تناسبنا جحور الأفاعي والثعابين !!..
لا تعرفون المكر ولا تجيدوه .. كما إن الغدر يغلبكم والخيانة تقهركم, وعملاء الشرق الغادر والغرب الفاجر أسقطوكم وأهانوكم وأزالوكم؟!..
خلاصة القوم أنكم عاجزون .. ماذا في أيديكم ؟ وما الذى تبقى من مصادر قوتكم ؟ وما الذي نتأمل معه وننتظر منه نصركم وقيام دولتكم ؟
أنتم حالمون .. فللتركوا الدنيا فليست ميدانكم ولترفلوا في نعيم أفكاركم وأحلامكم إنتظاراً لجنتكم التى توعدون حيث الحور وأنهار لا فيها سدود ولا أثيوبيا ولا يحزنون!! أما عن أننا طيبون ساذجون .. فهي فضيلة طالما أنها طور من طوار النضج سرعان ما ستتبدل شباباً وفتوة وحكمة.
أما كوننا عاجزون .. فلا يكاد تمر سيرة نبي مُرسل ولا مُصلِح مُوَفَق إلا وفيها مرحلة يضيق عليه الحال وتصعب أمامه الخيارات ، لكنها لا تلبث أن يتغير الحال، ومن ثم تأتي الساعة فنغزوهم ولا يغزوننا وأني أرقب ساعتنا قريب.
لسنا واهمين .. بل نحن نستشرف النصر القريب المكين ونبصر آيات النصر في أحداث واقعنا وسترون في قابل الأيام الخبر اليقين.
نعم نحن جرحى مكلومين لكننا لسنا خزايا ولا مكسورين..
نعم شبابنا في السجون .. لكن .. نِعمَ الشباب شبابنا..
وكل العجائز وعبدة الواقع وفاقدو الأمل راحلون .. لمن المستقبل إذن ؟!
نِعمَ النساء نساؤنا .. أفلا تنظرون؟!
فخرنا وشرفنا .. نتيه بهم على الأولين والآخرين .. لايضرهم أنكم لا تبصرون!!
وعلى الجانب الآخر .. انظر الى معسكر الذئاب وجحور الثعابين .. أتراهم منتصرين ؟!
أين سبعهم الذي أيدون ؟! .. ما حال سيسيهم وبطلهم الذي فوضوه ؟!!
ألا بَطُل السحر اليوم وكفر به الساحرون .. الأمس واليوم وكل يوم يلعنه اللاعنون ..
نعم .. مازال المنافقون الإقليميون ينفقون .. بملياراتهم ينقذون .. ولكن إلى متى ؟!
ألم يتغير حالهم ؟ .. ألم يضعف اقتصادهم ؟ .. نعمتهم توشك على الزوال ..
قليلٌ من الصبر .. ستكون عليهم حسرة ثم يُغلبون !!
أمتنا تتجمع وهم يتفرقون .. نحن نتوحد وهم يتشتتون ..
وامدد بصرك الى حيث سندهم البعيد .. ألا ترى الغرب يتفكك ؟! ..
لم يعد الغرب الهانئ السعيد .. ولن نعود نحن الشرق الغافل الشريد ..
ألمنا .. ألم المخاض والميلاد الجديد ..
أما الغرب .. فيستجمع أحقاده ويستدعي علله وبلاويه ..
قوة ظاهرة وبأس شديد .. ومع هذا أراه يئن ويعاني ..
ما هي إلا مقدمات والقادم أسوأ .. عاقبة مكرهم وعقوبة رب العالمين !!
أي بشارة في انتصار تركيا .. خاب من لم يبصرها ..
من انتصر ؟ ..
لا .. بل من إنهزم ؟
أليسوا هم ؟ .. نفس القراصنة .. الذئاب .. الأفاعي .. الثعابين ؟!
إنها دورة التاريخ ..
انها خاتمة الفترة ونهاية الجولة ..
يا قومنا .. أبشروا ..
(أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) ..
المصدر
- مقال: استراحة إيمانية .. لا تخلو من السياسة ! موقع نافذة مصر