إبراهيم البيومي: فاز الإخوان لأنهم يملكون البرنامج والجماهير

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
إبراهيم البيومي: فاز الإخوان لأنهم يملكون البرنامج والجماهير
14-12-2005

حاوره- عاطف الجولاني

مقدمة

لماذا تقدَّم الإخوان المسلمون في انتخاباتِ البرلمان المصري وتراجع الحزب الوطني الحاكم وأحزاب المعارضة؟ وهل كان بإمكانِ الإخوان الفوزُ بنصفِ عدد المقاعد لو أرادوا؟ وما قصة الأرقام العشرة السوداء التي تحدَّث عنها الإخوان؟! ولماذا اعتبر البعض الجماعةَ المحظورة جماعةً "محظوظة"؟ وماذا عن المستقبل؟

لقراءةِ المشهد الانتخابي في مصر في ظلِّ المعركةِ السياسية الساخنة بين الإخوان والحزب الوطني الحاكم طرحت (السبيل)- صحيفة أردنية- هذه الأسئلة وغيرَها على الخبيرِ في المركز القومي للبحوث الاجتماعية وقياسات الرأي العام في مصر والمُحاضر في قسمِ العلوم السياسية في كليةِ الاقتصاد بجامعة القاهرة الدكتور إبراهيم البيومي غانم.

والدكتور غانم يُعدُّ خبيرًا في شئون الحركاتِ الإسلامية، لا سيما حركة الإخوان المسلمين؛ حيث كانت رسالته لنَيل درجة الماجستير حول الفكر السياسي للإمام حسن البنا- رحمه الله- وخلال عمله في المركز القومي أجرى عددًا من الدراساتِ واستطلاعاتِ الرأي المتعلقة بالظاهرة الإسلامية.. فإلى الحوار:

  • بحكم خبرتكم في مجالِ الحركات الإسلامية.. هل فاجأتكم نتائج الانتخابات الأخيرة من حيث تراجع قوة الحزب الوطني الحاكم مقابل التقدم الكبير للإخوان المسلمين الذين كرسُّوا أنفسَهم كقوَّةٍ رئيسة أُولى للمعارضة في الساحة المصرية؟!
النتائج لم تكن مفاجِئةً بالنسبةِ لي على الأقل وبالنسبة لكثير من الخبراءِ المهتمين بشئون السياسة الداخلية في مصر؛ فالكل يعرف أنَّ الحزب الوطني صنَع مشكلاتٍ كبيرةً جدًّا، سواءٌ على مستوى التنظيم أو مستوى الكفاءات أو الخبرات المتوفرة له، أو على مستوى الأداءِ والإنجاز على مدى سنواتٍ طويلةٍ من حُكْمِهِ لمصر؛ ولذلك فإنَّ اتجاهاتٍ قويةً جدًّا داخل الرأي العام المصري كانت لا ترغب في إعادةِ تجديدِ أو اختيارِ مرشحها في الحزبِ الوطني، وهذا ما أظهرته نتائج الانتخابات بشكلٍ واضحٍ جدًا، فبالرغم من وجودِ مرشحين للحزبِ الوطني في جميعِ الدوائر لم يترشَّح :الإخوان المسلمون إلا في رُبع الدوائر، إلا أنَّ النتائجَ جاءت بمقاعد للإخوان المسلمين ضعف مقاعد الحزب الوطني في الجولة الأولى من المرحلة الثانية؛ حيث حصل الإخوان على 13 مقعدًا بينما حصل الحزب الوطني على 6 مقاعد فقط، وهذا مؤشرٌ مهمٌ إلى اتجاهاتِ الرأي العام إزاء القوتين المشاركتين في الانتخابات البرلمانية الحالية.
  • برأيكم لماذا اختار الإخوان خوضَ الانتخابات في رُبع دوائر البرلمان المصري، رغم أنَّ النتائج أظهرت أنهم مؤهَّلون للحصولِ على عددٍ أكبر من تلك المقاعد التي حصلوا عليها؟
هناك عدة أسباب لتفسير موقف الإخوان المسلمين بعدمِ الترشُّح في جميعِ دوائر الجمهورية البالغة 220 دائرةً، لكل دائرة فيها مقعدان، السبب الأول أنهم لم يريدوا الاصطدامَ بالحكمِ أو الدخول في مواجهةٍ معه، بالرغم من أنهم يعلمون أنهم سيكسبون الانتخابات، ودخولهم في هذه المواجهةِ كان سيؤدي إلى حدوثِ مواجهةٍ مع الحزبِ الوطني ومع الدولة ومع جهاتٍ أخرى.
السبب الثاني أنهم أرادوا أن يُفسحوا المجال أمام قُوى المعارضة الأخرى لكي تجد أماكن لها في البرلمان، وأتاحت لها مناطق يُمكنها أن تُرشِّح فيها بعض أعضائها أو بعض أنصارها، والسبب الثالث وهو الأهم في نظري أنَّ الإخوان المسلمين أرادوا أن يُعبِّروا عن التزامهم الكامل بفكرة المشاركة لا المغالبة وبإستراتيجية المشاركة في الحكم لا إزاحة البديل الآخر الموجود في الساحة السياسية، وخاصةً القوى الكبيرة المتمثلة في الحزبِ الوطني المحتمي بقوة الدولة.
وهذه الأسباب الثلاثة مهمة، وُتفسر لماذا لم يرشح الإخوان المسلمون أعضاءً في جميع الدوائر الانتخابية، بالرغم من امتلاكهم لكوادر وعناصر كثيرة جدًّا يمكن أن تصلح للترشيح بخلاف قوى المعارضة الأخرى التي لم تكن تملك ذلك.
  • كخبيرٍ في الشئون المصرية بعامة وفي شئون الإخوان المسلمين بخاصة وفي ضوءِ نتائج الانتخابات هل تعتقد أنَّ الجماعةَ كانت قادرةً على الفوز بنصفِ مقاعد البرلمان لو رشَّحَتْ عددًا كبيرًا من المرشحين؟
نعم.. كان بإمكانهم الفوز بسهولةٍ وبشكلٍ مؤكد.

الإخوان المسلمون لهم تواجد كبير في الشارع المصري

  • ملامح المعركة قبل الانتخابات هل كانت تُوحي بأنَّ المنافسة ستنحصر بشكلٍ أساسي بين الحزب الحاكم والإخوان؟
قبل الانتخابات كان هناك وجهات نظر تُؤكد أنَّ المنافسة الرئيسة ستكون بين ثلاث قوى مهمة، القوى الأولى هي الحزب الوطني، فبطبيعة الحال الحزب الحاكم يمتلك أدواتٍ كثيرةً جدًّا.. إعلامية وإدارية ومالية، والقوة الثانية هي الإخوان المسلمون وهم يمتلكون عنصرين مهمين جدًّا هما البرنامج والجماهير، والقوة الثالثة هي أحزاب المعارضة التي شكَّلت ائتلافَ المعارضة للتغيير وكان يُظن- نتيجة انحراف السياسة الذي شهدته مصر خلال المرحلة الأخيرة- أن هذا الائتلاف سوف يحرز قدرًا مهمًّا من النجاح في هذه الانتخابات، وهو ما لم يحدث للأسف الشديد؛ لأن ذلك كان سيؤدي إلى تسريع خطوات التغيير في مصر.
  • يقول البعض إن اتفاقًا حصل بين الحكومة والإخوان حول الحجم الذي تخوض به الجماعة الانتخابات وهو المائة وخمسون مرشحًا.. ما صحة ذلك؟
ليس لدينا معلوماتٌ مؤكدةٌ عن حدوث هذا الاتفاق بشكل تفصيلي، لكنَّ قراءة الأحداث وسير العملية الانتخابية والحركة السياسية خلال الانتخابات في مصر تشير إلى شيء من الاتفاق، سواءٌ بشكل مباشر أو بشكل توافقي ورضا من الطرفين (تعليق: نفَى المرشد العام للإخوان الأستاذ مهدي عاكف ونائبه الدكتور محمد حبيب أكثر من مرة أي اتفاق بين الإخوان والنظام)، والبعض قد ينتقد ذلك، وأنا لا أتفق معهم بل أعتقد أن هذا جزءٌ من اللعبة السياسية وهي لعبة القوة (Politics is the game of power)، وبالتالي من حق الأطراف أن تبحث عن أطراف أخرى تشعر معها أنها قويةٌ، فتُجري معها ائتلافاتٍ وتنسيقًا.. القوى السياسية في جميع أنحاء العالم تلجأ إلى مثل هذه التحالفات والتفاهمات والتنسيق بدرجة أو بأخرى؛ بحيث تكون هناك مساحةٌ أوسع لكل فريق ليحقق ما يراه مصلحةً له.
  • هناك من يرى أن النظام أراد من خلال السماح للإخوان المسلمين بالحصول على هذه النتائج المتقدمة نسبيًا أن يوجِّه رسالةً للقوى الدولية التي ضغطت من أجل إحداث إصلاحاتٍ سياسيةً في مصر بأن البديل الوحيد هو :الإخوان المسلمون، وبالتالي دفع الغرب للتفكير مليَّا قبل ممارسة المزيد من الضغوط على النظام.. إلى أي حدٍّ تتفق مع ذلك؟
أنا لا أعتقد أن هذا الهدف كان واردًا بوضوح؛ إذ ربما يأتي كنتيجة غير مقصودة؛ لأنه لا النظام ولا القوى السياسية المعارضة المختلفة مع الإخوان المسلمين كانت تتوقع أن يحصل هذا النجاح الذي أحرزه مرشحو :الإخوان المسلمين، وأنا أظن أنه لا يوجد نقطةٌ مركزيةٌ تصنع رؤى إستراتيجيةً من هذا النوع داخل النظام المصري حاليًا، ولكنها تحليلاتٌ وتأويلاتٌ، وأنا أعتقد أن هذا التأويل يريد أن ينسب النجاح الذي أحرزه مرشحو جماعة الإخوان المسلمين إلى قُوى من خارجهم.. إلى عوامل ليست قوى ذاتية لهم ولكن عوامل أخرى خارجية، وهو تحليل خاطئ من الناحية العلمية؛ فهناك عوامل ذاتية في داخل حركة الإخوان المسلمين، وأنا ذكرت لك أن هناك أمرين مهمين هما البرنامج والجماهير، فهم يمتلكون برنامجًا، والأمر الثاني أنهم يمتلكون جماهير واسعةً، في حين أن الحزب الوطني لا يمتلك مثل هذه الجماهير، ولا يمتلك برنامجًا، لأن برنامجه فشل في المرحلة السابقة وهو برنامج مكرور ملَّ الناس منه، والقوى الأخرى ليس لديها برامج، وإن كان البعض منها يمتلك رؤى إصلاحيةً.. هذا هو السبب الرئيسي في رأيي الذي يفسر فوز الإخوان وإخفاق غيرهم.

إقبال على التصويت للإخوان رغم أعمال البلطجة

  • ولكن هناك من يروِّج أن المواطن المصري صوَّت تصويتًا عقابيًّا ضد الحزب الحاكم وليس لصالح الإخوان!!
جزءٌ من النجاح الذي حققه الإخوان المسلمون نعم كان يمكن تفسيرُه بحالة الرفض وحالة الغضب في أوساط الرأي العام لأداء الحزب الوطني، ولكن جزئيًّا لا يمكن القول أبدًا بأن كل النجاح هو نتيجةٌ للتصويت العقابي ضد الحزب الوطني، وإلا لو أن المسألة مسألةُ عقاب للحزب الوطني فلم يكن أمام الحزب الوطني الإخوان المسلمون فقط، فأمامه الإخوان وأمامه أحزاب المعارضة وائتلاف كامل من حوالي عشرين حزبًا سياسيًّا.. إذن لماذا لم يعاقب الناس الحزب الوطني بهذا الطرف أو ذاك من قوى المعارضة واختاروا الإخوان المسلمين فقط؟! هذه النظرية قاصرة وتفسِّر جزئيًّا ما حصل وهو جزء قليل لا يتجاوز نسبة الـ10%.
  • الجماعة "المحظوظة" والجماعة "المحظورة" تسميتان استُخدمتا خلال فترة الانتخابات لوصف الإخوان المسلمين من قَبل بعض الجهات السياسية والإعلامية.. ما قصة ذلك؟!
درجت وسائل الإعلام الرسمية الحكومية وحتى الصحف الحزبية وكافة وسائل الإعلام في مصر- مثل بعض الصحف المستقلة- على تسمية الإخوان المسلمين بالجماعة المحظورة؛ لكونها جماعةً غيرَ مرخَّص لها قانونًا بالعمل لا السياسي ولا الاجتماعي، لكن بالرغم من هذا الحظر القانوني فإنها تُحرز نجاحاتٍ على المستويين السياسي والاجتماعي؛ إذ لها شعبيةٌ كبيرةٌ جدًا من خلال مشروعاتها الخدمية والمستشفيات الطبية والمؤسسات التعليمية وعلى المستوى السياسي والنقابي والمهني واتحادات الطلاب أيضًا؛ حيث تجدهم القوة الرئيسة في الساحة، وبالتالي هذا دفع بعض المحللين والصحفيين حتى الحكوميين في مقالات لهم في صحف غير حكومية وغير حزبية إلى القول بأن هذه الجماعة ليست محظورةً بل هي "محظوظة"، وهم يسخَرون بهذا التعبير من الأحزاب الأخرى التي تتمتع بشرعية وتتمتع بوجود رسمي واعتراف قانوني ولها كل الإمكانات، ولكنها لم تفعل شيئًا، حتى إن منهم من قال: "أنا أعتقد أن هذه الأحزاب تتمنى لو كانت هي المحظورة حتى تكون المحظوظة"!!
  • الأرقام السود العشرة كانت نقطةً من النقاط التي تحدث عنها الإخوان في دعايتهم الانتخابية.. ما قصة هذه الأرقام؟
الأرقام السود العشرة تعبِّر عن إدراك الإخوان المسلمين في برنامجهم لأهمية الأزمة الاقتصادية التي تمرُّ بها مصر ويعاني منها المجتمع المصري في قطاعات واسعة منه، وبالتالي هم ركَّزوا على هذا الجانب وقدموه بشكل ذكي جدًّا في تلخيص لملامح الأزمة الاقتصادية في مصر في أرقام عشرة، واستخدموها في الدعاية الانتخابية والمؤتمرات وكل أشكال الدعاية.
  • هل يمكن معرفة هذه الأرقام؟
نعم.. الرقم الأول وهو أن هناك 48 مليار جنيه كعجز في الميزان التجاري، 52 مليارًا كعجز في الموازنة العامة للدولة، 256 مليارًا قيمة الدين العام الخارجي، 426 مليارًا قيمة الدين العام الداخلي، 328 مليارًا كأموال مهربة إلى الخارج، 40 مليون جنيه فقط للإنفاق على البحث العلمي، 4 مليارات جنيه للإنفاق على جهاز الشرطة، 22 ألف معتقل، 6 ملايين مريض بالسرطان والفشل الكلوي والكبدي، 7 ملايين عاطل عن العمل، و9 ملايين عانس تحت باب "مسائل اجتماعية"، 31 مليون أمّي، 34 مليونًا تحت خط الفقر.. هذه هي الأرقام العشرة.

(الإسلام هو الحل) شعار لاقي تأييدًا كبيرًا

  • من الواضح أنه رغم رفع الإخوان شعار (الإسلام هو الحل) فإنهم لم يقصِّروا اهتمامَهم على القضايا الدينية والأخلاقية، بل خصَّصوا حيِّزًا واسعًا للشأن الاقتصادي والاجتماعي.
صحيح.. الإخوان المسلمون خاضوا هذه الانتخابات كما الانتخابات السابقة ببرنامج واضح ومفصَّل في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية، هناك محور للإصلاح السياسي والإداري والقانوني في الدولة، ومحور للإصلاح الاقتصادي ومحور للإصلاح الاجتماعي والثقافي بشكل مفصل جدًّا، وكتبت عنه الصحافة المصرية، حتى إن نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية د. محمد السيد سعيد كتب مقالاً في (الأهرام) أشاد فيه بهذا البرنامج وأبدى عليه بعض الملاحظات، وقال إن الأسطورة التي عشنا عليها فترةً طويلةً- أن هذه الجماعة لا تمتلك برنامجًا- اتضح أنها وهم في وهْمٍ وأننا نخدع أنفسَنا إذ استمررنا في القول بأنه لا يوجد برنامج، فهذا كلام غير صحيح، والحقيقة أن هذا تقريرٌ للواقع وليس إنشاءً له.
  • نبقى مع الشعار.. الحزب الوطني طرح في المقابل شعار (برلمان المستقبل)، بين "برلمان المستقبل" و"الإسلام هو الحل" لصالح مَن صوَّت المواطن المصري؟!
هو لم يصوِّت ضد "برلمان المستقبل" ولكنني من خلال النظرة التحليلية العميقة في مجريات العملية الانتخابية ونتائجها أتصور أن الذين صوَّتوا لخيار "الإسلام هو الحل" هم الذين صوَّتوا بشكل غير مباشر لبرلمان المستقبل، فكأن الرأي العام يتجه إلى المزج بين الشعارَين في مسارٍ جديدٍ وشقِّ هذا المسار بين "الإسلام هو الحل" وأن المستقبل لا يمكن أن يكون إلا من خلال الإسلام، وبالتالي هو يميل باتجاه رسم صورة للمستقبل من خلال الطرح والبرنامج الإسلامي الذي رفعه الإخوان المسلمون، والدليل على ذلك النتائج.
  • ألا تعتقد أننا الآن أمام مشهد في المعادلة المصرية الداخلية يعبر عن نوع من الأزمة؛ حيث هناك قوةٌ كبيرةٌ هي الإخوان المسلمون محظورةٌ قانونًا، وهناك عشرات من أحزاب المعارضة المرخَّصة قانونًا لكنها لا تملك قوةً شعبيةً ولا يملك غالبها برنامجًا سياسيًّا واجتماعيًّا، ولدينا حزب حاكم لا يحظَى بشعبية ولكنه ما زال يملك القوة وما زال يحكم ويمسك بزمام السلطة.. هذه الثلاثية المتناقضة ألا تعتقدون أنها تعبر عن أزمة سياسية؟
بالتأكيد هذه الصورة هي مظهرٌ من مظاهر الأزمة السياسية في مصر في مرحلة التحول الديمقراطي والإصلاح السياسي؛ لأن هناك مَن يمتلك القوة الرسمية أو القانونية ولا يمتلك الشعبية، ومَن يمتلك الشعبية غير مسموح له أن يمتلك الاعتراف الرسمي أو الوضع القانوني، وهذا يعبِّر عن الأزمة السياسية.
  • وهل تتوقعون أن يُعيد الحزب الحاكم النظر في هذه المسألة وهي حظْر جماعة الإخوان المسلمين؟ هل من الممكن التعايش مع معادلة أن الإخوان المسلمين جماعة "محظورة" وفي نفس الوقت لها عدد كبير من الأعضاء في البرلمان؟
هناك حديث داخل دوائر السلطة والحكم في مصر حول هذه المسألة منذ فترة ليست بالبعيدة، يعني منذ فترة قريبة هناك حديث وجدل، خلاصته أنه أصبح من المستحيل الاستمرار في مثل هذا الوضع، ولا بد من البحث عن مخرج، فلا أعتقد أن مجرد طرح المسألة بهذا الشكل داخل دوائر الحكم والسلطة يعتبر تقدمًا كبيرًا مقارنةً بالحالات السابقة.
لكن إلى أين تسير الأمور.. أتوقع أنه سيكون هناك تفكيرٌ في واحد من مسارين أساسيين: الأول إما السماح :للإخوان المسلمين بحزب سياسي، ولم تَعُد الأحاديث عن البرنامج مستساغة؛ لأن مسائل البرنامج أصبحت واضحةً بما فيه الكفاية يعني أنه حزب سياسي له برنامج ومرجعية إسلامية يتم الاعتراف به، وذلك لم يكن مخالفًا للدستور ولم يكن هناك أيةُ عقبةٍ من الناحية القانونية والدستورية، والأمر الثاني هو محاولة استيعاب حركة
الإخوان المسلمين، من خلال الاعتراف لها بجمعية مثل جمعيات المجتمع المدني، أو منظمة مثل منظمات المجتمع المدني وليس حزبًا سياسيًّا، وهذا البديل الثاني بالتحديد هو الذي يردده رموز السلطة بالاعتراف بجماعة الإخوان المسلمين كجمعية لها طابع اجتماعي وثقافي شامل، ولكن لا تشتغل بالسياسة ولا ترشح مرشحين، ولكن تؤيد مرشحين دون أن تسميهم باسمها إذا أرادت أن تشتغل بالسياسة، هذا البديل الثاني ردَّده أكثر من رمز من رموز السلطة.
  • وبتقديرك ما موقف الإخوان من هذه الطروحات؟!
لا أعرف حقيقةً، ولكني أعتقد أنهم لن يرضوا بالبديل الثاني، وهو الاعتراف بهم كجمعية لا تعمل بالسياسة؛ لأنهم أميَل لأن يكون لهم حزب سياسي قانوني كجناح من أجنحة الحركة الشاملة، تقريبًا مثل الوضع في الأردن.
  • [[ننتقل الآن إلى مسألة الإخوان والمعارضة، والسؤال الكبير: لماذا خاض الإخوان المسلمون الانتخابات منفردين عن ائتلاف المعارضة في تقديركم؟]]
من حيث المبدأ.. الإخوان قبلوا العمل ضمن هذا الائتلاف المعارض، وهم أحد الأطراف المؤسسة لهذا الائتلاف، لكن عندما جاءت لحظة التنسيق والترتيب لخوض العملية الانتخابية فوجئوا بثلاثة أشياء جعلت من الصعب عليهم المضيّ في التنسيق: السبب الأول هو أن جزءًا رئيسًا من أحزاب المعارضة اتَخذ لفترات طويلة خطابًا اقصائيًّا ضد الإخوان المسلمين وباستمرار كان يستبعدهم، استبعدهم من الحوار الوطني ولم يقف معهم ويؤازرهم في الحصول على وضع قانوني ورسمي.
والسبب الثاني الخطاب الاستعلائي الذي مارسه جزءٌ مهمٌّ من أحزاب المعارضة، سواءٌ في جلسات التنسيق أو على صفحات الصحف، والترديد دائمًا بأنهم جماعة إرهابيةٌ وجماعة عنيفة وليس لها برنامج.. إلخ، ثم تأتي في الجلسات تريد أن تنسق معهم لتأخذ جماهيرهم.
والسبب الثالث وهو أن أحزاب المعارضة تعرف أنها لا تمتلك جماهير، وأنه كان المطلوب من الإخوان أن يدفعوا بجماهيرهم إلى اختيار مرشحين تحت شعارات أخرى وتحت برامج أخرى لم يوافق عليها الإخوان المسلمون بالكامل أو تختلف معها تصوراتهم ورؤاهم، فكان يطلب منهم شيئًا شبه مستحيل.
  • إذن هل تتصورون أن الإخوان لم يكن لديهم رغبةٌ بالانفراد وإقصاء الآخرين؟
لا.. الإخوان كانت لديهم رغبة بالتنسيق والعمل مع أحزاب المعارضة، وظهر ذلك حتى بدون أن يتفقوا معهم، فهم عشية الانتخابات سحبوا ثلاثين مرشحًا وأخلَوا هذه الدوائر لصالح المعارضة حتى تكون هناك فرصةٌ أكبر للمعارضة، كذلك هم أخلوا بعض الدوائر لبعض الشخصيات القبطية أيضًا؛ لأن هذا جزءٌ مهمٌّ جدًّا من تشكيلة البرلمان المصري، ويمكن أن يُتخَذَ كذريعة للحديث عن الإقصاء والظلم وعدم تمثيل الأقليات، فقد أخلَوا ثلاثة مقاعد على الأقل منهم في شبرا الخيمة لصالح د. منى مكرم عبيد وهي مرشحة مستقلة، ومقعدًا في الإسكندرية لكمال خلَّة وهو مرشح للحزب الوطني، ومقعدًا لمرشح أيضًا في المنيا وهو قبطي أخلَوا المقعد له.. هم مارسوا عملية التنسيق من جانب واحد إذا جاز التعبير والآخرون لم يمارسوا مثل هذا التنسيق؛ لأنهم ببساطة لا يمتلكون شعبيةً كبيرةً.
  • لكن رغم كل ما ذكرته بخصوص حرص الإخوان على حضور الإخوان في البرلمان حاول البعض إثارة قضية المخاوف الطائفية وسعى لتحريض الأقباط من أجل التعبير عن مخاوفهم إزاءَ نتائج الانتخابات؟
أنا أتصور أن هذه نقطةٌ مهمةٌ جدًّا ومسألةٌ حساسةٌ، وأن مهمة الإخوان المسلمين والتحدي الذي يواجهونه في هذا الشأن كبيرٌ جدًا؛ نظرًا لأن أغلب ما يُثار فيما يتعلق بالمسألة القبطية هو غير واقعي وغير صحيح، وهو عبارةٌ عن اتهاماتٍ لا أساسَ لها من الصحة، لكنها أخذت هذا الحجم من التركيز والتكثيف الإعلامي حولَها وتوجيه الاتهامات بدون أدلة باتجاه الحركة الإسلامية بشكل عام وباتجاه الإخوان المسلمين بشكل خاص، ففي الانتخابات كما ذكرت هم سحبوا عددًا من الأعضاء، وهم قدموا فرصًا للأقباط أكثر من الحزب الوطني الحاكم الذي يمتلك كل الأدوات والإمكانات لتقديم هذه الفرص؛ حيث لم يرشح سوى اثنين من الأقباط من أصل 444 مرشحًا، واحدٌ وزير والآخر كمال خلة الذي سحب الإخوان المسلمون من أمامه مرشحَهم في مدينة الاسكندرية، ومرشحهم كان قويًّا وكان بإمكانه أن يكسب الدائرة لكنهم سحبوه لصالح خلة، يعني إذا نظرت إلى هذه التفاصيل ستجد أن الإخوان قدموا فرصًا ثلاثةَ أضعاف ما قدمه الحزب الوطني في هذه الانتخابات.
الأمر الثاني أنهم يخوِّفون الأقباط من أن الإخوان المسلمين سوف ينتقصون من حقوقهم ويعاملونهم كمواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة، وفي ظني أن هذه مجرد أوهام وعملية تحريض مقصودة، وقد لاحظت أن الإخوان في برامجهم يؤكدون أن الأساس الذي يحكم المواطنين في مصر هو مفهوم المواطنة، وهناك بُعدٌ آخر في المسألة يأتي من الخارج في المسألة القبطية، فهناك ما يسمَّى أقباط المهجر وقد خرجوا من مصر ابتداءً من التسعينيات وهو اليوم يتركزون في أمريكا الشمالية وفي بعض الدول الأوروبية، هؤلاء يضغطون بشكل متطرف وعنيف لإثارة المسألة الطائفية في مصر، والدليل أنهم اختاروا أيام الانتخابات ليعقدوا مؤتمر أقباط المهجر في إحدى القاعات الكبيرة بالكونجرس الأمريكي بإشراف وحضور ممثلين من الإدارة الأمريكية وأثاروا مشكلاتٍ كثيرةً.
  • بعض الدوائر السياسية والإعلامية الغربية عبَّرت عن قلقها وعدم ارتياحها لتقدم الإخوان في الانتخابات المصرية.. هل ترى أن مخاوف تلك الدوائر مبرَّرٌ في ظل أن عدد مقاعد الإخوان في البرلمان محدودٌ ولن يؤثروا في سياسات الحكومة وتوجهاتها؟
صحيح أنهم لن يؤثِّروا في توجهات الحكومة ولا في توجهات البرلمان، لكنهم سيشكِّلون قوةً معارضةً رئيسةً يمكن أن تسبب إحراجًا للحكومة ويمكن أن تثير قضايا كثيرةً جدًّا حتى لو لم تُتخذ فيها قراراتٌ حاسمةٌ، وأنا في رأيي أن نقطة الضعف الأساسية لدى الإخوان المسلمين في هذا الموضوع أنهم لم يركزوا بالقدر الكافي على القضايا الخارجية ولم يوظِّفوها في خطابهم وبرنامجهم السياسي خاصةً قبيل الانتخابات وخلال العملية الانتخابية، ولم يولوا هذا الجانب الاهتمام الكافي، ولم يوضحوا هذه القضايا بشكل دقيق قوي، وبالتالي ظلت كثيرٌ من القضايا غامضةً، والغموض يثير القلق، وهذا ما تعبر عنه الدوائر الخارجية الآن.
  • وهل تعتقد أن أعضاء الإخوان في البرلمان سيكونون مؤهَّلين لتجاوز هذه الإشكالية وسد ثغرة عدم الاهتمام بالبُعد الدولي؟
الملاحظة الأساسية على أعضاء الإخوان الذين نجحوا أن أغلبهم يفتقر إلى الخبرة السياسية والحنكة والقدرة على ممارسة أداء برلماني متميز، سواءٌ فيما يتعلق بتفعيل أدوات الرقابة البرلمانية أو في تقديم مشروعات قوانين أو طرح مسائل متعلقة بالتشريعات، أغلبهم خاض الانتخابات للمرة الأولى، وعددٌ قليل له خبرة سياسية أو برلمانية سابقة، هذه الحالة تعني أنهم سيواجهون تحديًا كبيرًا داخل البرلمان.
مع التأكيد على أن عدم تأهيلهم وامتلاكهم الخبرة السياسية والمهارة التي تؤهِّلهم لأداءٍ فعَّالٍ داخل المجلس هو نتيجة طبيعية للحظر القانوني المفروض على الإخوان المسلمين لممارسة العمل السياسي، هم يمارسون العمل الاجتماعي بنجاح، ولكنَّ هناك فرقًا كبيرًا بين النجاح في العمل الاجتماعي وبين النجاح في العمل السياسي داخل البرلمان.
  • وهل تعتقد أن لدى أعضاء الإخوان الفرصة لتجاوز هذا التحدي وتعويض نقص الخبرة؟
طبعًا الخبرة وامتلاكها سهل ووارد وموفور وأدواته معروفة، مثل الدورات التدريبية والمحاضرات التثقيفية، فهذه الأمور موفورة وموجودة.

  • رئيس تحرير صحيفة السبيل الأردنية (ننشره بالتنسيق مع الصحيفة)

المصدر