أ."جمعة": وتبقى التقوى ميزان التفاضل بين البشر

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
أ."جمعة": وتبقى التقوى ميزان التفاضل بين البشر

بقلم/ أ. جمعة أمين عبدالعزيز*


الأستاذ جمعة أمين

لقد وضع الإسلام أساس المساواة بين البشر قبل أن يتشدق بها المتشدقون من أصحاب الشعارات الزائفة والمبادئ الخاوية من المضمون، وقبل أن تقام المؤسسات والهيئات العالمية والمحلية والإقليمية للدفاع عن حقوق الإنسان، بل وقبل أن تعقد مؤتمرات لهذا الغرض النبيل؛ لكي ينال الأسود حقه كما يحصل عليه الأبيض.. أقول: قبل هؤلاء جميعًا بأربعة عشر قرنًا من الزمان كانت هناك وثيقة تلاها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على المسلمين في حجة الوداع، وهو يقول: "اللهم بلغت اللهم فاشهد" تضمنت هذه المعاني وأكثر.

والناظر البصير في أيامنا هذه يرى كثيرًا من الأمم تخضع لنظام الطبقات وتفرق بين الأفراد على غير أساس إلا أساس التوارث والعصبية الباطلة أو القوة الغاشمة، وجميعهم يردد مقولة بني إسرائيل: "ليس علينا في الأميِّين سبيل".

وجاء الإسلام الذي يطلق عليه هؤلاء في هذه الأيام (الرجعية) و(التطرف) بل و(الإرهاب) دون تفريق بين مفرِط ومفرِّط، ولا بين معتدل ومتشدد، جاء بدستوره العادل القويم، فصدع هذه النظم، وقضى على تلك الفوارق، وجمع بين أبي بكر القرشي وبلال الحبشي، وسلمان الفارسي، وصهيب الرومي، وجعل بينهم مقياسًا ثابتًا يتفاضلون به لا دخل للون ولا للجنس، ولا البلد ولا المال ولا الولد.. اللهم إلا العمل الصالح الذي يحقق التقوى..

يقول مقاتل- رضي الله عنه: لما كان فتح مكة أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بلالاً أن يعلوَ الكعبة ويصعد ظهرها ويؤذن، فلما أذَّن قال عتاب بن أسيد بن أبي العيص: "الحمد لله الذي قبَض أبي حتى لم يرَ هذا اليوم"، وقال الحارث بن هشام: "أما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذنًا?!"، وقال سهيل بن عمرو: "إن يرد الله شيئًا يغيره"، وقال أبوسفيان: "إني لا أقول شيئًا أخاف أن يخبر به رب السماء، فإذا السماء تهتزُّ، وإذا بجبريل يخبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بما قالوا، فدعاهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وسألهم عما قالوا فأقرُّوا فأنزل الله ميزان التفاضل بين البشر؛ ليصبح ميزانًا ومقياسًا إلى أن يرِث الله الأرض ومن عليها: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات: 13).

وتصفح التاريخ لتربط بين الأمس البعيد واليوم القريب؛ لترى أمريكا التي يُشار إليها بالبنان اليوم، والتي تدَّعي أنها الراعي لحقوق الإنسان، كيف كان يكتب على أبواب مطاعمها ودور اللهو فيها وجميع الأماكن التي يرتادها بشر (ممنوع دخول الكلاب والسود) وسلْهم: متى تحررت المرأة عندهم من القيود والأغلال?! ومتى كان لها ذمة مالية منفصلة عن زوجها?! وكم وكم وكم?! وسل الإنجليزي والألماني والفرنسي الذي لم يُطِق حجاب تلميذة: مَنْ علمهم العلوم والفنون والآداب؟ ومَن أدخل في بيوتهم دوراتِ المياه ليتطهروا.

وعد إلى التاريخ البعيد تجد نظام الطبقات كان معمولاً به في الأمة اليونانية في أوج حضارتها وهي أمة الفلسفة والنور- كما يدعون- وفي الأمة الرومانية وهي أمة القوانين وتقرير الحقوق، كما كانوا يطلقون عليها، وفي الأمة الفارسية وهي أمة الحضارة القديمة العريقة، فلما انتصر المسلمون على هؤلاء جميعًا ما سلبوهم أموالَهم، ولا قتلوا أبناءَهم، ولا سرقوا ثرواتِهم، ولا اعتدوا على أعراضِ نسائهم، بل قالوا لهم: "اذهبوا فأنتم الطلقاء".

وهذه المساواة تنتظم الناس جميعًا، فهي بمثابة إعلان للوحدة الإنسانية، روى الإمام أحمد بسنده عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال له: "انظر فإنك لست بخير من أحمر ولا أسود إلا أن تفضله بتقوى الله".

فيا مَن تتشدقون بالحرية والمساواة بين البشر: ليست المساواة في الرذائل والكبائر التي يرتكبها البعض ويريد أن يفرضها على غيره من أصحاب المبادئ السامية والقيم العالية من باب.. ﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً﴾ (النساء: 89)، ويا مسلمون، يا مَن وقفتم على عرفات، ورأيتم أشكال البشر وألوانهم ولغاتهم وجنسياتهم، وتحقق بين الجميع "أخوَّة الإسلام"، ورأيتم- بأعينكم- المساواة الفعلية في الشكل والمظهر.. تعالَوا جميعًا إلى كلمةٍ سواءٍ، وادعوا عشيرتكم وأهليكم وحكامكم إلى العودة إلى هذه المبادئ السامية الربانية، والفظوا الدعوات الهدامة من العولمة التي أُقيمت لها مؤتمرات (بكين) و(نيويورك) و(لبنان) ليسودوا هم ويتخلَّف المسلمون.

فهل من عودة إلى كتاب الله وسنة رسوله- صلى الله عليه وسلم- ليعود للمسلمين مجدُهم وللناس جميعًا حقوقُهم، وتبقى ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ هي الميزان؟!