أولمرت: مفاوضات أم مناورات؟!

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
أولمرت: مفاوضات أم مناورات؟!
شعار فتح وحماس.jpg

بقلم : معتصم حمادة

بات واضحاً أن الجانب الإسرائيلي يستغل حالة الانقسام الفلسطيني لإدخال الحالة الفلسطينية في متاهات تفاوضية على مسارين هما مسار القضايا اليومية ومسار الحل السياسي، وأن الهدف من هذه المتاهات هو تأخير هذا الحل وليس الدفع نحو تعجيله.

منذ أن وقع الانقسام في قطاع غزة، دخلت العلاقة بين السلطة الفلسطينية في رام الله، وبين الجانب الإسرائيلي مرحلة جديدة. من ملامح هذه المرحلة محاولة الإسرائيليين إعادة تقديم أنفسهم كطرف يبحث عن حل للصراع في المنطقة،

وعن خطوات تقربهم من رئيس السلطة محمود عباس، وفق منطق يقول باستغلال حالة الانقسام والدفع باتجاه تعميقها، وتعطيل إمكانية العودة إلى التوافق الفلسطيني. وقد عبرت عن ذلك بوضوح وزيرة الخارجية الإسرائيلية، تسيبي ليفني، حين قالت «إن الوحدة الوطنية (الفلسطينية) معناها إدخال العملية السياسية في حالة من الركود والجمود».

كما عبر عن ذلك إيهود أولمرت حين أبلغ رئيس السلطة أن تقدم العلاقة بينهما (من وجهة النظر الإسرائيلية) رهن بعدم عودة عباس إلى التعاون مع حركة حماس.

وعلى قاعدة الموقف الإسرائيلي هذا، بنى الأميركيون وبعض الأطراف الأوروبية موقفهم من السلطة الفلسطينية سياسياً ومالياً، واقتصادياً.

تطور العلاقات بين الجانبين الفلسطيني (الرسمي) والإسرائيلي يسير على مسارين متوازيين.

@ المسار الأول هو مسار «بناء إجراءات الثقة» بين الجانبين عبر معالجة عدد من القضايا اليومية. وهي شكلت في مجموعها أحد الملفات الرئيسية في العلاقة بين عباس وأولمرت.

من عناصر هذا الملف إطلاق سراح الأسرى، وعودة مبعدي كنيسة المهد إلى بيوتهم، وتخفيف الإجراءات على باقي الحواجز، والإفراج عن أموال السلطة المحتجزة لدى إسرائيل، ومعالجة قضية العالقين على معبر رفح، وتنظيم إمداد قطاع غزة (المحاصر) بالغذاء والماء والكهرباء وكافة احتياجاته الحياتية..

وقضايا أخرى لا يتسع المكان لذكرها كلها. وهي قضايا ناتجة عن وجود الاحتلال وإجراءاته القمعية، وسياساته العداونية ضد الفلسطينيين.

معالجتها لا تقود إلى رحيل الاحتلال، بل تؤدي (فقط) إلى تحسين (نسبي) لشروط معيشة الفلسطينيين تحت الاحتلال، وتعيد تجميل وجه الاحتلال أمام الرأي العام العالمي، عبر إظهاره وكأنه يقدم تنازلات للجانب الفلسطيني، الذي يفترض به هو أيضاً أن يقدم تنازلات مقابلة.

الملاحظ في هذا المسار أن خطوات «الانفراج» الإسرائيلي يجري تغطيتها إعلامياً بشكل مميز، باعتبارها خطوات نوعية، منها على سبيل المثال إطلاق سراح حوالي 250 أسيراً فلسطينياً.

لكن الملاحظ بالمقابل أن الجانب الإسرائيلي، يعود إلى ممارسات قمعية تفرغ خطواته «الإنفراجية» من مضمونها دون أن يتطوع الإعلام (نفسه) لتغطية هذه الممارسات وكشفها.

فمقابل إطلاق سراح مجموعات من الأسرى دفعة واحدة، يعمد إلى اعتقال ما يساوي هذه الدفعة، بصمت، وهدوء، وعلى جرعات محدودة، وبحيث لا يتراجع عدد الأسرى في سجون الاحتلال، بل يتزايد العدد ما دامت الاعتقالات تشكل سياسة يومية لسلطات العدو،.

وهو أمر يوضح أن ما يقدمه العدو من «تنازلات» ليس إلا مناورات مفضوحة. وحتى لو أعادت سلطات الاحتلال مبعدي كنيسة المهد، فإنها بذلك تكون قد تراجعت عن خطوة يدينها القانون الدولي واتفاقيات جنيف التي تحرم على السلطات القائمة بالاحتلال نفي المواطنين من بلادهم، كما تحرم عليها إسكان مواطني الدولة المحتلة بدلاً منهم. إسرائيل تنفي أبناء الشعب الفلسطيني، وتستحضر إلى الضفة المزيد من المستوطنين.

وحتى لا نبدو سلبيين من الضروري القول إننا لا نرفض الخطوات الإسرائيلية «الإنفراجية» من حيث المبدأ، بل نحن ندعو إلى المزيد منها، فنحن ـ بطبيعة الحال ـ مع كل خطوة تخفف عن كاهل الشعب الفلسطيني وطأة الاحتلال وتعجل برحيله.

ما نحن ضده هو أن تبدو الخطوات الإسرائيلية وكأنها تنازلات، وأن يقدم مقابلها تنازلات فلسطينية من اللحم الحي الفلسطيني، أي من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. منها، على سبيل المثال، محاصرة المقاومة المسلحة، والضغط لخنقها وإنهاء وجودها بذريعة أنها تؤذي الحالة الفلسطينية وتضر بها ولا تفيدها سياسياً وأمنياً..

ومنها كذلك أن يلين الموقف السياسي الفلسطيني في القضايا الجوهرية مقابل «الليونة» الإسرائيلية في القضايا الحياتية، فتتم المقايضة بين «حقوق حياتية» و«حقوق استراتيجية».

كذلك ما نحن ضده أن يحصر بحث هذا الملف بين رئيس السلطة ورئيس حكومة إسرائيل، لأن هذا معناه إغراق العملية التفاوضية في الشؤون اليومية، وهي كثيرة وتتوالد يومياً بلا انقطاع،

الأمر الذي يؤدي بالمقابل إلى تأخير البحث في ملف الحل السياسي، أي يؤدي إلى إدامة الاحتلال حتى إشعار آخر (دون أن ننسى خطوات «تجميل» وجه الاحتلال في أعين الرأي العام)، وبحيث تتبلد الحالة السياسية، في ظل وهم أن العلاقات الفلسطينية ـ الإسرائيلية تتحرك إيجاباً إلى الأمام. هذا عن المسار الأول.

@ أما المسار الثاني فهو مسار الحل السياسي بين الجانبين، الذي يفترض به أن يقود إلى رحيل الاحتلال، وقيام دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة عاصمتها القدس الشرقية، وضمان حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم وممتلكاتهم عملاً بالقرار 194.

الملاحظ، في هذا المسار، أن المناورات الإسرائيلية لا تقل خطراً عن المناورات في المسار الأول.

فأولمرت لا يكف عن التأكيد اللفظي على قيام دولة فلسطينية إلى جوار دولة إسرائيل، وعن التلويح بالاستعداد للانسحاب من مساحات واسعة من الضفة الفلسطينية.

لكن أولمرت يتحدث بالمقابل عن التمسك بالقدس المحتلة كجزء من القدس الموحدة، «العاصمة الأبدية» لدولة إسرائيل.

وعن التمسك بالكتل الاستيطانية في محيط القدس، وفي مناطق مختلفة من الضفة تؤدي إلى تقطيع أوصالها، وتحويلها إلى كانتونات.

أما موضوع اللاجئين فحله عند أولمرت، هو الحل الذي جاء في وثيقة «جنيف ـ البحر الميت»: التوطين في البلد المضيف أو في بلد آخر. هذا هو سقف الموقف الإسرائيلي من الحل الدائم.

وهو الموقف نفسه الذي قدمه إيهود باراك في كامب ديفيد 2 (تموز / يوليو 2000 ) وقدمه شارون في مشروعه لفك الارتباط من جانب واحد وشكل أساساً سياسياً للانسحاب من الليكود وتأسيس حزب كاديما.

هي المشاريع نفسها، لكن مع تلاوين وفوارق محدودة لا تمس الجوهر ولا تغير في المضمون.

ومع ذلك فإن أولمرت يرفض أن يرسم سقفاً زمنياًً للوصول إلى هذا الحل [الذي يتعارض مع الموقف الفلسطيني كما أقرته وثيقة الوفاق الوطني (27/6/ 2006 ) وكما أقره مؤخراً المجلس المركزي في م. ت. ف. (20ـ 21/6/ 2007 ].

ورفضه رسم سقف زمني مرده الافتقار إلى الإرادة السياسية للوصول على حل مع الجانب الفلسطيني، وتأخير عملية التسوية أكثر فأكثر، أملاً بإضعاف الحالة الفلسطينية لمراحل إضافية، وبحيث لا تقوى على رفض مشروع الحل الإسرائيلي، ويتناغم مع الموقف الإسرائيلي موقف واشنطن، وكذلك موقف مبعوث اللجنة الرباعية، رئيس الوزراء البريطاني السابق طوني بلير. ويبني الموقف الإسرائيلي مناوراته على التلاعب بالألفاظ وابتداع الأفكار، ولا يؤدي مضمونها الحقيقي سوى إلى المراوحة في المكان.

منها: بحث آفاق الحل السياسي بين الجانبين.

وهو تعبير يخلو من أية دلالات ومعان واضحة إلا معنى واحداً ودلالة واحدة هما دفع البحث في فضاء غير محدود والانغماس في الهوامش على حساب الجوهر.

منها أيضاً: البحث في إمكانية الاتفاق على إعلان مبادئ للحل الدائم، يشكل أساساً للعملية التفاوضية.

وهو تعبير يتضح منه أنه يدعو إلى عملية تفاوضية طويلة وشاقة ومعقدة، تمهد لعملية تفاوضية لاحقة ربما تكون شاقة ومعقدة أكثر منها، وتكون بالتالي ذات سقف زمني مفتوح قد لا يصل بها إلى نهاية.

ودليلنا إلى ذلك إعلان المبادئ الموقع في 13/9/ 1993 والمتعارف عليه باتفاق أوسلو. جزأ الحل إلى مرحلتين المؤقتة والمرحلة الدائمة.

على أن تنتهي المرحلتان في زمن سقفه خمس سنوات. أي كان يفترض أن تنتهي العملية التفاوضية في أيار ( مايو ) 1999 .

الملاحظ أن ما تم الاتفاق عليه في المرحلة المؤقتة لم يتم تنفيذه كاملاً حتى الآن (من ذلك النبضة الثالثة والأخيرة من إعادة الانتشار في الضفة).

الملاحظ أيضاً أن كل ما تم الاتفاق عليه، وجرى تنفيذه عادت إسرائيل وانقلبت عليه في اجتياحها الشهير للضفة الفلسطينية في العملية العدوانية المسماة بالسور الواقي.

الملاحظ كذلك أن مفاوضات الحل الدائم لم تعد ملزمة للجانب الإسرائيلي، وأنه يتنصل منها عبر تقديم اقتراحات لا يمكن وصفها إلا كونها مناورات مكشوفة الخلفيات والدوافع والأهداف.

وبالتالي يمكن أن نخلص إلى أن الجانب الإسرائيلي إنما يستغل هذا الملف (ملف مفاوضات الحل الدائم) لتعطيل هذه المفاوضات لا لدفعها إلى الأمام.

في الوقت نفسه، وبينما يحاول العدو الإسرائيلي استغلال كل هذا لتجميل وجهه البشع في أعين الرأي العام، يستغل حالة الانقسام في قطاع غزة ، ليشدد حصاره على القطاع، بما يحول الحياة فيه إلى جحيم لا يطاق.

كما يصعد من عدوانه مستهدفاً المناضلين في كتائب المقاومة الوطنية الفلسطينية الجناح المقاتل للجبهة الديمقراطية، وسرايا القدس ( الجهاد الإسلامي ) و حركة حماس وكتائب شهداء الأقصى وغيرهم، إما بعمليات اغتيال مهدفة وإما بعدوان على القطاع وسكانه المدنيين.

وبذلك ينوء القطاع تحت وطأة الحصار، ووطأة العدوان، ووطأة سياسة الترهيب التي تتبعها حماس ضد مجموعات من فتح (وغير فتح) تكشف وسائل الإعلام يومياً النقاب عن العديد من ممارساتها المرفوضة أساساً لأنها تضر بالمحاولات الصادقة لإعادة ترميم الحالة الفلسطينية عبر جسر الهوة التي تفصل (سياسياً وجغرافياً) بين الضفة والقطاع.

خلاصة القول: إن الفلسطينيين يقفون أمام تحديات واستحقاقات.

والخيار الوطني الوحيد أمامهم هو العمل على توفير المقومات الضرورية لمواجهة هذه التحديات وهذه الاستحقاقات.

الخطوة الأولى في هذا الاتجاه هي إنهاء حالة الانقسام: والكف عما من شأنه أن يعمق هذه الحالة.

ولعل في الجهود المبذولة من أكثر من طرف فلسطيني وعربي ودولي، ما يبشر بإمكانية النجاح في هذا المضمار، غير أن هذا يتطلب وضع عناصر التوتير جانباً، وهذه مسؤولية حماس في قطاع غزة كما هي مسؤولية فتح في الضفة الفلسطينية.

المصدر