أوباما أم ماكين.. هل هناك فرق؟!
بقلم / د. عصام العريان
تابعتُ كما تابع الملايين حول العالم مسلسل الانتخابات الأمريكية منذ انطلاقته في الانتخابات التمهيدية التي كانت ضاريةً بالنسبة للديمقراطيين، وانفعلتُ مع الآخرين بظاهرة أوباما الذي جسَّد حُلْم ملايين الأمريكيين من السود؛ في خطوةٍ مهمة نحو اكتمال الحصول على الحقوق المدنية والسياسية بوصول الشاب أوباما إلى بطاقة الترشيح لأول مرة في تاريخ أمريكا لشباب من أصل إفريقي.
وتابعتُ مع الملايين المناظرات الثلاثة التي فاز بها أوباما؛ بطلاقته ووسامته وسرعة بديهته، وأخطاء الحزب الجمهوري ومرشحه ماكين، وكانت آخرها منذ أيام، ولم يحقِّق "ماكين" المعجزة، ولم يقع "باراك أوباما" في الخطأ القاتل، وبذلك حافظ على تقدمه الكبير بحوالي 15 نقطة قبل أقل من ثلاثة أسابيع على يوم الانتخابات الثلاثاء الأول من نوفمبر، والتي بدأت بالفعل في بعض الولايات تصويتًا وكذلك في خارج أمريكا للمواطنين بالخارج.
وقد ساعدت عوامل كثيرة على زيادة فرص "أوباما" في الفوز بهذه الانتخابات، رغم تخوُّف البعض من عنصرية الأمريكيين البيض التي يحاولون إخفاءها، وبذلك لا يطمئنون إلى نتائج استطلاعات الرأي التي خدعت سابقًا مرشحين سودًا لمناصب أقل أهميةً من منصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الذي سيتولَّى القيادة العامة لأقوى جيوش العالم ويُعيِّن قاضيًا أو اثنين في المحكمة العليا الأمريكية ويختارهما وفق ميوله السياسية في الغالب.
ولقد كان لافتًا للنظر في المناظرة الأخيرة تنصُّل المرشح الجمهوري "جون ماكين" من الرئيس الحالي "جورج بوش الابن" إلى درجة أنه قال لمنافسه: "إذا كنت تريد منافسة بوش فقد كان عليك أن تترشح قبل أربع سنوات.. أنا لست جورج بوش"، وهكذا تهرب الفئران من السفن الغارقة، ولم يعد المرشحون الجمهوريون للكونجرس ولحكام الولايات ولمنصب الرئيس يحرصون على الارتباط بالرئيس أو دعوته إلى مؤتمراتهم الانتخابية؛ في دلالتين مهمتين:
الأولى: عدم قدرة الإدارة الأمريكية على التأثير في مجرى الانتخابات أو التصويت؛ مما يدلل على نزاهة العملية الانتخابية ونضجها إلى حدٍّ ما، على الأقل في هذا الشأن.
الثانية: الفشل الذريع الذي مُنيت به سياسات بوش خلال السنوات الثماني العجاف؛ التي دُمِّرت فيها مصداقية أمريكا، إن كان لها مصداقية، ودُمِّر اقتصادها قبل رحيله، وأفقدها مكانتها التي كانت لها، وذهبت أحلامها في استمرار انفرادها بقيادة الدنيا أدراج الرياح، مع ما دمَّرته من بلادنا وأزهقته من أرواحنا، وصدق الله العظيم ?لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ? (الروم: من الآية 41).
يتوقع الكثيرون أن يفوز باراك أوباما في هذه الانتخابات لأسبابٍ عديدةٍ؛ كان آخرها تفجر الأزمة الاقتصادية الكارثية التي ألمَّت بالاقتصاد الأمريكي، ثم انتقلت إلى الاقتصاد العالمي كله، وبدأت في القطاع المالي والمصرفي، ثم انتشرت إلى مفاصل الاقتصاد العيني بصورة سريعة؛ مما أدى إلى دخول الاقتصاد في حالة كساد وركود، وبدأ آلاف الأمريكيين يفقدون وظائفهم وتتوقف استثماراتهم الصغيرة والمتوسطة بعد إفلاس بنوك وشركات تأمين وتسريح عمال وموظفين في شركات كبرى عملاقة.
لم يُحدِّد اتجاه التصويت مجرد شعور الأمريكيين بفشل الإدارة الجمهورية الحالية بقيادة الثنائي الإجرامي "بوش - تشيني" في إدارة الاقتصاد وانحيازهم إلى سياسات مدمِّرة كان جوهرها: زيادة الإنفاق الحكومي الفيدرالي، زيادة النفقات العسكرية الباهظة في حروب استباقية قادوا إليها الأمريكيين مغمَّضي العيون باسم "محاربة الإرهاب"، وكذلك الانحياز إلى خفض الضرائب عن كبار المستثمرين ورجال الصناعة والمال؛ الذين تجاوزت دخول بعض كبار المديرين منهم 70 مليون دولار سنويًّا.
بل كان العامل الحاسم هو اقتناع الجمهور الأمريكي بأطروحات أوباما للخروج من الأزمة وإحداث التغيير المنشود في المستقبل القريب للتخفيض من آثار الكارثة، ثم التوجه إلى سياسات جديدة قد تعالج جوهر المشكلة التي لا يمكن فصل الاقتصاد فيها عن السياسات والعلاقات الدولية؛ حيث تكون أمريكا قائدًا شريكًا لأوروبا محاوِرةً للعالم من حولها، لا تشنُّ الحروب بل تمنع وقوعها، وهو ما تريده أوروبا والعالم الآن، كما قررت قمة الاتحاد الأوروبي الأخيرة، وذهب "ساركوزي" إلى أمريكا ليقنع الإدارة الحالية بعقد مؤتمر دولي قبل نهاية العالم الحالي لوضع ملامح نظام اقتصادي عالمي جديد ومراجعة اتفاقيات "بريتون وودز" وما نشأ عنها، وإرساء ضوابط جديدة للنظام المالي والنقدي والمصرفي في العالم كله.
يركِّز "أوباما" على مخاطبة الجمهور الأمريكي بواقعية جديدة، ويحصد تأييدًا داخليًّا متزايدًا، حتى في ولايات كانت محسومةً للجمهوريين منذ عقد مثل فرجينيا، وقد حصل على تأييد واسع قبل ذلك في أوروبا، ونجحت جولته الخارجية في إزالة ما حاولوا إلصاقه به من عدم الخبرة، واختار مرشحًا لمنصب نائب الرئيس له خبرة عالية في العلاقات الدولية "بايدن"؛ في خطوة ذكية، بينما فشلت محاولة "ماكين" في اجتذاب أصوات النساء بترشيح "سارة بالين".
شعار حملة "أوباما" هو التغيير الذي يحتاجه، وإذا نجح أوباما واستقرَّت له الأمور وأكمل مدةً أو مدتين فقد يضع أمريكا على منعطف جديد في السياسات الداخلية والخارجية على السواء، والتحدي الحقيقي أمامه هو: هل تسمح له المؤسسة الحاكمة بالوصول أو الاستمرار في الحكم؟ وإذا استطاع الفوز- وهو الغالب- فهل يقدر على تنفيذ حزمة السياسات التي طرحها؟ وهل تنجح هذه السياسات الاقتصادية والاجتماعية والدولية في إحداث التغيير الذي يرفعه أوباما كشعار جذَّابٍ لحملة انتخابية؟
شعار التغيير يجذب ملايين الشباب، خاصةً الرافضين لسياسات بوش المتطرفة، ولكنه يقاوم من جانب عوامل ضغط كبرى: في نفسية الأمريكيين العنصرية، وانتشار الروح المحافظة داخل المجتمع الأمريكي، وزيادة نفوذ الإنجيليين الجدد (ويتردَّد أن قطاعات منهم تؤيد أوباما)، وسيطرة المجمع الصناعي العسكري على القرار الأمريكي.
إذا تغيرت أمريكا من الداخل، وهذا سيأخذ وقتًا طويلاً، فسيتأثر العالم كله بهذا التغيير كما حدث خلال القرن الماضي بخروج أمريكا إلى الحروب الأوروبية وزيادة نفوذها العالمي بعد أفول الإمبراطوريات الاستعمارية القديمة؛ وبذلك بدا عهد الاستعمار الأمريكي الجديد بسياساته الناعمة والاقتصادية ثم العسكرية الخشنة.
هل سيكون هناك تغيير في سياسات أمريكا تجاه بلادنا وقضايانا؟ هل سيفي "أوباما" بوعوده للكيان العنصري الصهيوني باستمرار الدعم المتواصل بل ونقل السفارة الأمريكية إلى "القدس الشريف"؟ أم أنها وعود ككل الوعود التي قدَّمها رؤساء سابقون؟ هل سيتوقف الدعم الأمريكي للطغاة والمستبدين في العالم الإسلامي؟
أسئلة يرددها الكثيرون، والأهم من الجواب عنها هو: ماذا نفعل نحن؟ فقد فعلها "أوباما" وحقَّق حلم ملايين الأمريكيين السود الذي أطلق "مارتن لوثر كنج" في صيحته الشهيرة في التاريخ "لديَّ حلم" منذ أربعين عامًا، فهل توقفنا نحن عن مجرد الأحلام؟!
فواصل
1- انتهت مهزلة الانتخابات الطلابية، ويصعب الحديث عن أنها انتخابات، وإذا كان نظام لا يتحمَّل إجراء مجرد انتخابات لاتحاد طلاب؛ فهل يقدر على تحمُّل نتائج انتخابات برلمانية عامة أو يقدر على إجرائها؟!
2- كتاب الدكتور إبراهيم عبيد "أضواء على شعار الإسلام هو الحل" محاولة جادَّة للإجابة عن سؤال يتردد: ماذا يعني شعار الإسلام هو الحل؟ وهي في حاجة إلى استكمال ومزيد من البحوث الجادة.. شكرًا للدكتور إبراهيم عبيد فقد نجح في التحدي.
3- ما زالت دروس الأزمة الاقتصادية العالمية تتوالى، وبدأت أصوات في الغرب تتعالى بالدعوة إلى مزيدٍ من خفض سعر الفائدة ليصل إلى الصفر وخفض الضرائب لتصل إلى 3- 4% لإنعاش الاقتصاد؛ مما يؤكد قدرة النظرية الاقتصادية الإسلامية على إعطاء الحلول، لكن المشكلة هي الهزيمة النفسية لدى المسلمين ?يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا? (البقرة: من الآية 276) صدق الله العظيم.
4- نقلت الـ(BBC) في موقعها عن (التايمز) البريطانية الخميس 16/10 عن إناتولي كاليتكس عنوانَ مقاله "خفِّضوا أسعار الفائدة الآن لدرء الكساد الاقتصادي".. والفضل ما شهدت به الأعداء.
5- مؤتمر القدس السادس في قطر صرخة أخيرة لإنقاذ المدينة المقدَّسة، فهل تجد لتوصياته وقراراته آذانًا مصغيةً؟! ألم يكن أولى بمصر أن ينعقد هذا المؤتمر على أرضها؟!
6- "أنفاق التهريب لقطاع غزة هي شريان الحياة" وصف في تقرير للأمم المتحدة، وعندما يفاخر النظام المصري بتدمير الأنفاق فهو يقتل مليونًا ونصف المليون في غزة.. ألا تستحيون؟!
المصدر : نافذة مصر