أنابوليس: هل التأجيل مستحيل؟..

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
أنابوليس: هل التأجيل مستحيل؟..


بقلم : د. احمد ماهر

فوجئت لدى عودتي إلى القاهرة بعنوان جريدة «الشرق الأوسط» يصرخ: «حمام دم بمهرجان عرفات في غزة». وشعرت بالغضب والعار، فها هو الإعداد يجري لمؤتمر أو اجتماع أو لقاء تروج له الولايات المتحدة القوة العظمى المنحازة لإسرائيل التي تحكمها حكومة لا تحمل تجاه الشعب الفلسطيني أية نوايا طيبة، بل هي تؤكد كل يوم أن كل هدفها هو حرمان ذلك الشعب من حقوقه وحصره في «غيتو» معزول تتحكم في مقدراته من ماء وكهرباء وغذاء، وتقيد حركته كما شاهدنا في الأيام الماضية حين منعت الطلاب عن مدارسهم، والمرضى من العلاج، والأسر من الالتقاء.

إن الأشقاء الفلسطينيين يتقاتلون وتسيل دماؤهم لأن بعض زعمائهم يرفضون الاستجابة لما يدعوهم إليه العرب، ويأبون إلا أن يقدموا مصالح ذاتية أو أنانية أو ضيقة على مصلحة وطن يتطلع إلى أن تزهر فيه براعم الحرية التي رواها الشهداء.

وكيف لا يتذكرون وهم يزورون ضريح عرفات الذي شيدوه أنهم بتصرفاتهم يهدمون كل ما عاش من أجله واستشهد ومات معه آلاف الشهداء حتى تقوم الدولة الفلسطينية.

وأتساءل هل هذا معقول أو مقبول؟

وهل هناك فيما حدث أبرياء أم كلهم مدانون يعدون بانقساماتهم الملعونة لأيام أكثر سواداً من الأيام التي يعاني منها شعبهم منذ ستين عاماً ويزيد؟

مرة أخرى لا أتصور أن يذهب العرب إلى مؤتمر «أنابوليس» في هذه الظروف التي تتجمع لكي تضعهم أمام خيار الفشل أو القبول ـ وهو ما لا أتصوره ـ بما هو أفظع من الفشل.

إن الوقت يجري، والإسرائيليون يستعدون، والأمريكيون يستعدون، وعلينا أن نستعد أولاً باتخاذ مواقف حازمة لمنع العبث بالمستقبل الفلسطيني بل بالمستقبل العربي كله الذي نرى السهام توجه إليه في لبنان و العراق والسودان وغيرها رغم محاولات جادة ومخلصة ولكنها غير كافية لتجنب الحاجة إلى مزيد من الأضرحة والمقابر تدفن فيها آمالنا وحقوقنا.

أعتقد أن الأمر يقتضي تأجيل اجتماع الخريف، واستغلال الفرصة للتحضير له تحضيراً حقيقياً وجاداً فلسطينياً وعربياً وإقليميا ودولياً حتى لا ندخل في متاهات يصعب الخروج منها.

ويثيرني أن ذلك يبدو مستحيلاً للبعض الذين ينادون بالذهاب إلى «أنابوليس» في جميع الأحوال على اعتبار أن المؤتمر مكسب للعرب حتى لو حصل الفلسطينيون فقط على وقف المستوطنات، والذين يعيدون كتابة التاريخ ليضعوا عبء وفشل مفاوضات سابقة على العرب وعلى العرب وحدهم في تحد صارخ للحقيقة والمنطق.

ولكن ما ندعو إليه ليس مستحيلاً بل هو الواقعية ذاتها، وهو أيضاً الأسلوب الوحيد لضمان نجاح تحقيق سلام حقيقي ويضمن الأمن لجميع الأطراف على قدم المساواة وليس أمن طرف واحد على حساب مستقبل الآخرين.

ومن ناحية أخرى فعلى المشاركين الآخرين أن يثبتوا حسن نواياهم، فالولايات المتحدة عليها أن تلغي خطاب الضمان الشهير لشارون الذي يطلق يد إسرائيل في مخالفة الشرعية الدولية التي تتجسد أفضل ما تتجسد في المبادرة العربية، وعلى إسرائيل أيضاً أن تختار أمن الدولة على المصالح الضيقة ـ انتخابية وغيرها ـ لبعض زعمائها الذين يحاولون إخفاء سقطاتهم وضعفهم وجرائمهم وراء شعارات وسياسات هي في النهاية بمثابة انتحار لأنفسهم ونحر للآخرين.

وإني إذ أكتب هذا الكلام بأسى وغضب، فإني لا أفقد الأمل في أن نستطيع توظيف إمكانياتنا ـ وهي كثيرة ـ لخلق أوضاع لا تمثل معادلة صفرية بل تمثل مصلحة حقيقية للجميع إذ توازن بين مفاهيم العدالة النسبية التي يمكن أن نبني عليها مستقبل نتطلع إليه لأبنائنا ليفتخروا بنا كما نفتخر كلما زرنا ما بناه أجدادنا في عصورهم المتتابعة من معالم حضارة أنارت العالم وما زالت تضيء.

نحن مستعدون للسلام، ولكن غيرنا لا يبدون مستعدين له إلا بشروطهم التي لا تؤدي في الواقع إليه، وفي تلك الظروف لعل التريث حتى يمكن تعبيد الطريق هو الأسلوب الأمثل لضمان تطابق ما يدعون أنهم يريدونه مع ما نريده نحن حقاً وقمنا بتقنينه في وثيقة المبادرة العربية التي تلخص المتطلبات الحقيقية لتسوية شرعية ومشروعية والتي لا تحتاج إلا إلى بعض التفصيلات أعتقد أننا نستطيع أن نضعها على مائدة المفاوضات حتى لا تكون وليمة اللئام يدعى إليها الكرام.


المصدر