أكاذيب صلاح عيسى حول قطب والهضيبي!!
بقلم أنور عبد الرحيم
نشرت جريد "الحياة" اللندنية على مدى ثلاثة أيام متوالية (26 و27 و28 مايو الماضي) دراسةً أعدها الكاتب الصحفي المصري صلاح عيسى، يعلِّق فيها على ما أثاره الأستاذ فريد عبدالخالق, العضو السابق في الهيئة التأسيسية ومكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين, في الحلقة الأخيرة من شهادته على العصر، التي أذاعتها قناة "الجزيرة" القطرية على امتداد شهرين أخيرًا، حول ما يصفه عيسى بأنه "موقف المرشد العام الثاني للإخوان حسن الهضيبي من كتاب "معالم في الطريق" الذي ألَّفه سيد قطب, ومن تنظيم 1965م، الذي قام على أساس الأفكار الواردة فيه, وموقف قطب نفسه من أفكاره في ختام الأقوال التي أدلى بها أثناء التحقيق معه، ومحاكمته في أعقاب افتضاح أمر التنظيم".. كما يقول عيسى!!
ولأن العناوين تلخِّص جوهر الدراسة، فقد جاءت عناوين الحلقات الثلاث للكاتب كالتالي: 1- انقسم "الإخوان" حول أفكار قطب التكفيرية فأفتى المرشد بأنها "صحيحة شرعًا.. وخطأ سياسة"!! 2- علم المرشد بأمر "تنظيم 1965م" منذ تأسيسه، ورشح اثنين من "خبراء" منظمات العنف لقيادته"!! 3- المرشد ردًّا على الخائفين من طروحات قطب: "سيبوا اللي عايز يعمل ويستشهد في سبيل الله"!!
في البداية سوف يتملكك العجب من الحرص الشديد الذي يبديه الكاتب على متابعة حلقات عبد الخالق، وإعداده تلك الدراسة الطويلة، انطلاقًا منها كما قال، والتي بدأ في نشرها من جديد على هيئة حلقات في الجريدة التي يرأس تحريرها، وهي جريدة: "صوت القاهرة"، فنشر الحلقة الأولى منها في عددها الصادر يوم الثلاثاء 8 من يونيو الجاري، ولكن تحت عنوان جديد، وأكثر إثارة، هو: "فتنة بين مسجوني الإخوان بسبب أفكار سيد قطب يحسمها الهضيبي بالانحياز إليها"!!
لكن دهشة المرء وتعجبه سوف يتبددان بسرعة، بمجرد أن يطالع اعتراف الكاتب بأن دراسته تلك- التي اجتهد في نشرها على نطاق واسع داخل مصر وخارجها- ليست سوى قراءة شخصية تخصه في ملف التحقيقات التي أجراها زبانية عبد الناصر مع قادة الإخوان ورموزهم خلال تلك الفترة، وما تعرضوا له من تنكيل وتعذيب انتهى بتطبيق حكم الإعدام في "قطب" ورفاقه الأطهار، وهي قراءة تنبع من شخصية الكاتب العلماني الأرومة، والذي تصب مواقفه كلها من الإخوان المسلمين في إطار التيار الاستئصالي.
وفي قراءته الرديئة لملفات تلك التحقيقات امتلك الكاتب قدرًا هائلاً من الجرأة لكي يتنكَّر لكل قيمة علمية أو توثيقية، إذ اعتمد على ملفات التحقيقات، وهي غير منشورة كمادة أساسية لدراسته، وباستثناء ذلك لم يرجع إلى كتاب واحد أو دراسة علمية من بين عشرات الكتب والدراسات التي كتبها الإخوان أنفسهم أو كتبها آخرون عنهم، مما يغطي أحداث تلك الحقبة الكالحة من تاريخ مصر المعاصر.
وهكذا يصدمك "عيسى" في البداية بوصفه- بكل صراحة- لدراسته بأنها: "محاولة لتدقيق الواقعة تستند إلى ما أدلى به كل أطرافها المباشرين وغير المباشرين من أقوال في مَحَاضر تحقيقات النيابة العامة في قضايا تنظيم 1965م".. فهل شهد التاريخ كاتبًا يبني حقائق حول قضية أو أشخاص بالاستناد إلى تحقيقات طرف متسلط عليهم؟!
إذ قد تكون تلك التحقيقات وليدة قهر أو إكراه.. ولقد كان نظام عبد الناصر رائدًا في هذا المجال، أو قد تكون وليدة ظروف الاعتقال من مرض أو إجهاد أو تعذيب نفسي.. إلخ، أو قد تكون قد تعرضت لنوع من التحريف، أو التغيير أو التبديل أو التلفيق.. أو قد لا تعبر عن الحقيقة، لسبب غير معروف من الأسباب، ومن ذلك دراسة طبيعة المحقِّق، وشخصيته نفسه، والأجواء السياسية التي جرت فيها تلك التحقيقات، وتأثيراتها على جهة التحقيق؛ من حيث مدى إنصاف المحقِّق، وإيمانه بمبدأ: (المتهم بريء حتى تثبت إدانته)، ومبدأ (البينة على من ادعى)!
كما أن هناك أجواءَ التربص من السجَّانين بالمسجونين، ومحاولات الكيد لهم والوقيعة بينهم، وبناء المواقف الكاذبة والهلامية حولهم، مع الربط بين الوقائع ربطًا وهميًّا خادعًا؛ تغريرًا بهم وتوريطًا لهم فيما لم يفعلوه أو يقولوه أو يعتقدوه!!
إنها الكتابة على طريقة "صلاح عيسى" التي فضحت انحيازه للجلاَّد على حساب الضحية، وللتحقيق العسكري قبل التحقق القضائي، مع علمه تمام العلم بما حلَّ بالإخوان من تعذيب بشِع، وصل إلى حد ارتكاب المذابح الدموية بحقِّهم وهم عُزَّل، داخل زنازين العهد الناصري البغيض، وكذلك مع علمه بأنه لا يُعتدُّ لا شرعًا ولا عقلاً ولا قانونًا بما يترتب على التعذيب من اعترافات أو تصريحات أو أقوال وقعت وليدة القهر أو التسلط أو الإكراه أو التلفيق.
والغريب أن الكاتب يمرُّ على هذه النقطة المفصلية مرًّا سريعًا، دون أن يفسِّر لنا كيف سمح لنفسه- والعالم يتنفس أجواء الحرية- أن يكتب التاريخ وأن يفسر الأحداث، وأن يستخرج الأحكام من أقبية السجون أو تحت سياط التعذيب وآهات الألم وصرخات الاستنجاد!! إننا لو تركنا الكاتب وما نهجه من منهج فريد من نوعه في الكتابة والبحث والتأليف، أو جاريناه على هذا النحو.. فإنه يلزمنا أن نكتب تاريخ العالم من جديد، ولكن هذه المرة من ملفات المُحقِّقين، واعترافات المُعذَّبين، وإملاءات الظالمين وافتراءاتهم!!
لكن "عيسى" لا يتورع عن التأكيد- في بداية مقالاته الثلاثة- على أن دراسته "مناقشة تاريخية تستند إلى وثائق وشواهد محايدة حول هذا الموضوع"، دون أن يأتي بمثل هذه الوثائق والشواهد المحايدة، بل كثيرًا ما استخدم الكاتب عبارة: "قال فلان أمام النيابة أو في التحقيقات"!! ومن أمثلة ذلك ما يلي: - "يقول عبد العزيز علي في أقواله أمام عبدالسلام حامد- رئيس نيابة أمن الدولة العليا في 14 نوفمبر 1965م"!! - "يجمع القادة الميدانيون الخمسة للتنظيم في أقوالهم أمام النيابة"! - "ويقول منير دلَّة عضو مكتب الإرشاد في محضر التحقيق معه أمام النيابة"!! - "وتتناقض هذه الرواية من حيث التاريخ والوقائع مع ما ورد في أقوال الغزالي نفسه في محضر تحقيق محمد وجيه قناوي وكيل نيابة أمن الدولة العليا, وهي الأقوال التي أدلى بها على امتداد خمسة أيام بدأت في30 نوفمبر 1965م"!! - "طبقًا لأقوال عبد الفتاح إسماعيل أمام رئيس نيابة أمن الدولة العليا صلاح نصار في 21 نوفمبر 1965م وما بعده". - "طبقًا لما ورد في أقوال عبد الفتاح الشريف في محضر التحقيق الذي أجراه معه ممدوح البلتاجي وكيل نيابة أمن الدولة العليا في 21 أكتوبر 1965م وما بعده فإن.."!! - "تتضمن أقوال المرشد العام في التحقيقات, وقد أدلى بها أمام إسماعيل زعزوع وكيل نيابة أمن الدولة العليا في 28 نوفمبر 1965م تفصيلات إضافية, وهو يقول:"!! - "تحسم أقوال المحامي إسماعيل الهضيبي- أحد أبناء المرشد العام- في محضر التحقيق الذي أجراه معه محمد وجيه قناوي، وكيل نيابة أمن الدولة العليا في 21 أكتوبر 1965م هذه النقطة"! - "قالت حميدة قطب- في أقوالها أمام النيابة العامة- إن شقيقها"! - "حرص الهضيبي- أمام النيابة- على أن يقول دون مناسبة ظاهرة"! وهَلُم جرَّا.. وتلك مجرد عينة من وثائقه وشواهده المحايدة!!
هذا الموقف الخطير قاد الكاتب إلى أن يتخبَّط في تناقضات فجَّة مع نفسه، إذ يتساءل مُتعاكِسًا مع المنطق الذي ساقه من قَبل: "هل يمكن القول بأن دعم حسن الهضيبي لأفكار سيد قطب المتزمِّتة ومنهجه الانقلابي كان أحد نتائج المعاملة البوليسية القاسية التي لقيَها الاثنان, ولقيَها "الإخوان", على يد ثوار يوليو أثناء محنة 1954م؟! وهل نقلت المحنة الهضيبي من معسكر الاعتدال إلى معسكر التطرف؟!
وفي جانب آخر يوعز الكاتب بأنَّ ما حدث- من جمع توقيعات أَجبرت بها إدارة السجن الحربي بعض مسجوني الإخوان، ممن اشتدت عليهم وطأة التعذيب على تحريرها تأييدًا لنظام عبد الناصر- يوعز الكاتب بأن هذه التواقيع وليدة اختيارهم الحر، إذ يقول: "وقادهم ذلك كله إلى إرسال برقيات تأييد للحكومة وإلى جمع تواقيع من "الإخوان" المسجونين تدعم سياسة عبد الناصر"!!
وهكذا يمضي الكاتب- بناءً على ذلك- في سوق مجموعة من الأكاذيب المنمقة والأقوال المُرسلة في دراسته ثلاثية الحلقات، دون أي دليل أو بينة، والأمر يضيق عن تتبع تلك الأكاذيب، لاسيما أنها واضحة للعيان، عبر ثنايا المقالات الثلاثة.. الأمر الذي لا يستلزم مزيدَ جهد أو كدٍّ للذهن؛ من أجل كشفها وفضحها.
المصدر
- مقال:' أكاذيب صلاح عيسى حول قطب والهضيبي!! موقع اخوان اونلاين