أحمد حسن الشرقاوي يكتب: "فقه الأزمات" في "زمن السبات"!
في عصور الانحطاط الحضاري والأخلاقي للأمم، لا تجد سوى صوت واحد ونغمة سائدة، ومعزوفة موحدة غالبا ما يقف وراءها موسيقار يمثل النظام أو الدولة أو القبيلة، ومعه فرقته الموسيقية التي تتابع بكل شغف أطراف أصابعه وتعبيرات وجهه لتسير وفقا لها دون خروج عن النص المدون في "النوتة الموسيقية" الموضوعة أمامه.
تلك النوتة الموسيقية ربما تكون من تأليف وتلحين "الظروف المحلية"، لكننا في زماننا هذا ومنطقتنا هذه، فإن المؤلف والملحن ومخرج العرض غالبا ما يكون "خواجة" درس منطقتنا وظروفها أكثر منا، وعرف عنا ما لم نعرفه أو ندركه عن أنفسنا، فقام بتأليف المقطوعة ووضعها أمام المايسترو الذي يؤديها إما بوعي أو بدون وعي.. لا فرق!
المهم أن الموسيقار يتفانى في توجيه الفرقة للقيام بدورها، بينما يقبع في خلفية المشهد "الخواجة" بقبعته الطويلة وتنورته الزرقاء وسرواله المخطط وحذائه الجلدي الفاخر، يراقب أداء الفرقة ويومئ برأسه عندما تجيد العزف، أو يتأفف عندما تصدر بعض الأصوات النشاز، وأحيانا يتدخل لوقف العزف النشاز وإعادة الفرقة إلى طريقها المرسوم بدرجات متفاوتة، تبدأ باللوم والتوبيخ ولا تنتهي سوى بتغيير الفرقة سواء بانقلابات ناعمة أو بانقلابات عسكرية خشنة.. لا فرق عنده أيضا!
لعل هذا التوصيف ينطبق على الحالة المصرية التي تعيش في ظل انقلاب عسكري فاشل بات يعزف نشازا في الفترة الأخيرة، وتكررت الأخطاء في تتابع مثير للدهشة والاستغراب، من مقتل السياح المكسيكيين إلى سقوط الطائرة الروسية فوق شبه جزيرة سيناء وحتى واقعة تعذيب وقتل الشاب الإيطالي جوليو ريجيني مؤخرا.
منذ بدايات القرن الرابع عشر، بدأ زمن الانحطاط في الأمة الإسلامية وفقا لأغلب المؤرخين، وبدأ عصر النهضة في أوروبا. منذ تلك الفترة اهتم الغرب بالعلوم والتكنولوجيا الصناعية، بينما استغرق المسلمون في أمور التصوف على طريقة "العلم اللدني" الذي لا يبذل "الولي" فيه أي جهد في التحصيل والبحث والدراسة والسهر والعرق والتعب، بينما نظيره في أوروبا آمن ببذل الجهد والمحاولات المتكررة المرهقة ليثبت نظرية أو يبرهن على اكتشاف أو يقوم بتصنيع آلة تساهم في رفاهية البشرية وتيسير حياتها.
بهذا المنطق في الاستخفاف بالعلم انهزمنا بل وتم سحقنا أمام تقدم الغرب وحضارته، وسرت روح الميل إلى الكسل والخمول والدعة في أوصال الأمة لعقود طويلة اتسعت خلالها الهوة الحضارية بيننا وبينهم، والتي وصلت حاليا إلى سنوات ضوئية من الفارق التكنولوجي والعلمي الحديث.
أدرك الغرب أن في ديننا الإسلامي بمفهومه الصحيح العلاج لهذا المرض العضال الذي أصاب الأمة فأقعدها عن الاجتهاد، وصار الاجتهاد وليس فقط الجهاد هو "الفريضة الغائبة" للأمة العربية والإسلامية. عندما أدرك الغرب مواطن الخلل والضعف، وأبصر مواطن القوة، سعى لتجريدنا من عوامل قوتنا، وجاءت إسرائيل لتصبح مثل الخنجر الذي تم غرسه بين كتفي الإقليم العربي ليفصل بين البلدان العربية المسلمة في آسيا ونظيراتها في إفريقيا.
وأثبت المشروع الصهيوني فعاليته في استمرار النزيف في الجسد الإسلامي منذ تأسيسه، كما تواكب مع هذا المشروع مشروع أكثر خبثا وهو المشروع الصفوي في إيران، والذي تزامن تأسيسه مع المشروع الصهيوني على ذات الهدف لكن بخطة أكثر خبثا ولؤما. المشروع الصهيوني واضح وظاهر بينما استمر مشروع إيران الصفوية محافظا على "التقية" حتى انكشف مؤخرا.
المصدر
- مقال: أحمد حسن الشرقاوي يكتب: "فقه الأزمات" في "زمن السبات"! موقع كلمتي