*3 الحلقة الثالثة : الجانب الديني..قريتي تدور مع الدين

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث

الحلقة (3) الجانب الديني.. قريتي تدور مع الدين

كان الدين في قريتنا - كما كان في قرى مصر بصفة عامة - هو المؤثر الأول في حياة الناس.

كان الموجه الأول لتفكير الناس، والمصدر الأول لتثقيفهم كما سنرى بعد، والمؤثر الأول في سلوكياتهم.

المولود يولد على اسم الله، وعلى أنه نعمة من نعم الله سبحانه.

والزواج يتم على كتاب الله وسنة رسول الله، وعلى مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان، كما يقول مأذون البلد باستمرار.

والميت يموت على ملة رسول الله، ويغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين على شرع الله.

والإنسان حين يأكل يبدأ باسم الله، وحين يفرغ من أكله يختم بحمد الله.

وكثيرا ما نسمع منهم هذه الكلمة حين يأكل بعضهم ويشبع من الطعام العادي: اللهم أدمها نعمة واحفظها من الزوال.

وكانوا يحترمون الخبز، ويسمونه (النعمة) وإذا وجد أحدهم لقمة خبز ساقطة في الطريق التقطها وقبَّلها، حتى لا يدوسها الناس بأقدامهم، فيكون ذلك كفرانا بنعمة الله.

وكل الظواهر والأشياء تفسر باسم الله، وتقترن بذكر الله.

حين يعطس الإنسان يقول: الحمد لله، ويشمته صاحبه فيقول: يرحمك الله.

وحين يودع صاحبه يقول له: في أمان الله، وبسلامة الله.

وحين يعود من السفر يقال له: الحمد لله على السلامة.

وحين يعود المريض يقول له: أجر وعافية إن شاء الله.

وحين يخسر في صفقة أو يضيع منه شيء يقال له: العوض على الله.

ويقول بعض من خسر: الله جاب (أعطى) الله أخذ، الله عليه العوض.

وإذا نزلت بأحدهم مصيبة يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون.

وإذا عزاه أحدهم يقول له: ربنا يجبر مصيبتك ويعوضك خيرا.

وإذا قيل لأحدهم كيف أصبحت أو كيف أمسيت، أو كيف حالك، فإن رده دائما: بخير والحمد لله.

إذا اغتنى أحدهم قال: هذا بفضل الله.

وإذا افتقر قال: بقدر الله.

وبهذا نرى الناس في القرية مخلوطين ومعجونين في الدين.


مساجد القرية

كان أهم مؤسسة في القرية هي (المسجد)، وأهم شخصية مؤثرة في القرية هي شخصية (عالم الدين).

وكان في قريتنا خمسة مساجد، ثلاثة كبيرة، واثنان صغيران، يسميه الناس زاوية. وكانت المساجد ـ على عادة القرى في مصر ـ تسمى بأسماء مشايخ مدفونين فيها. ولا أدري هل بني المسجد أولا ثم دفن الشيخ أو العكس؟

في القرية مسجد سيدي عبد الله بن الحارث الصحابي، ومسجد سيدي سليمان، وزاوية سيدي صالح، وزاوية سيدي عبد الغني، ومسجد المتولي، هو مسجد ناحيتنا، ومن فضل الله عليّ أنه لم يكن فيه ضريح لشيخ، وإن كان الناس يقولون: مسجد سيدي المتولي، على العادة. ويبدو أن كلمة المتولي تعني: متولي أمر البلدة، أي مسجد الحكومة. ويوجد مسجد المتولي بمدينة المحلة، وبالقاهرة أيضا.

بعض النساء اللاتي لا يصلين، وبعض الرجال الذين لا يصلون، كانوا يحافظون على الصلاة في شهر رمضان. فقد كان لرمضان حرمة عظيمة في نفوس المسلمين، وكانوا يلتمسون فيه مغفرة خطاياهم طوال العام. وكثير من الناس الذين أضاعوا الصلوات، واتبعوا الشهوات، لم يحرؤوا على إفطار رمضان، فكان هذا الشهر يجبرهم على احترامه، ويحفزهم على صيامه.

وكثير من النساء كن يصمن رمضان كله، حتى إنهن لا يفطرن أيام الدورة الشهرية (الحيض) مع أن الصوم في هذه الأيام حرام، ولا يقبل منها. ولكن الجهل الشائع لدى النساء أدى إلى هذه النتيجة.

كان شهر رمضان كل عام موسما للطاعات، ومتجرا للصالحين والصالحات، وكان الناس يجددون فيه إيمانهم بحق. بصيام نهاره وقيام ليله، والانتفاع بدروسه، ولذا سميته في بعض ما كتبت: (ربيع الحياة الإسلامية) تتجدد فيه القلوب بالإيمان والصيام والقيام، والعقول بالمعرفة والعلم، والأسرة بالالتقاء على الفطور والسحور، والمجتمع بقوة الترابط والتزاور، والإحسان إلى الفقراء.

وكان فرصة لتلاوة القرآن وذكر الله تعالى وتسبيحه والدعاء والاستغفار له، وخصوصا عند الإفطار، حين يفطر الصائم، ويقول: اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت.

ولقد كتب أحد كبار المبشرين في مصر تقريرا في أوائل هذا القرن كيف فشلت الحملة التبشيرية على مصر، فذكر أن من أسبابها (أربعة أمور) تحطمت عليها محاولات التنصير في مصر المسلمة: الأول: القرآن، والثاني: الأزهر، والثالث: اجتماع الجمعة الأسبوعي، والرابع: مؤتمر الحج السنوي.

وقد علقت على هذا القول بأن هذا المنصِّر نسي أن يذكر أمرا خامسا، وهو الموسم السنوي العظيم شهر رمضان وما له من إيحاءات وثمرات في الأنفس والحياة بصيام أيامه، وقيام لياليه، ودروسه وعظاته.

وهناك فريضة دينية، وشعيرة إسلامية، وركن ركين من أركان الإسلام، لم يكن له أثر ملموس في الحياة الإسلامية، كما شهدتها في صباي، وأعني به: فريضة الزكاة، وركن الزكاة، وهو الركن المالي الاجتماعي الاقتصادي من أركان الإسلام، وهو الذي فرضه القرآن مع الصلاة في ثمانية وعشرين موضعا، والذي قال فيه أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة.

ويبدو لي أن سبب اختفاء هذا الركن وعدم ظهوره بوضوح، يرجع إلى عدة أسباب:

أولها: أن جمهرة الناس في القرية كانوا فقراء لا يملكون النصاب.

ثانيا: أن كثيرا من الذين يملكون النصاب، وتجب عليهم الزكوات، كانوا يخرجونها دون إعلان لأقاربهم وجيرانهم.

ثالثا: غلبة الشح وحب الدنيا على كثير من الناس، حتى نسوا إقامة هذا الركن العظيم.

رابعا: عدم وجود من يطالبهم بالزكاة لا من الدولة، ولا من هيئات شعبية.

ولكني لاحظت أن بعض الفلاحين ـ ومنهم عمي ـ كانوا يخرجون إذا اجتمع لهم خمسون كيلة مصرية من الحبوب (القمح أو الذرة أو غيرهما) كيلتين ونصفا منها، زكاة للفقراء، نصف عشر ما خرج من الأرض، حيث كانت الأرض تسقى بالسواقي ونحوها من الآلات، وليس بماء السماء.

وكان الملاحظ أن الفلاحين المحدودي الدخل هم الذين يحرصون على أداء الزكاة، لا كبار المُلاك الزراعيين.