قالب:قالوا عن الشهيد
قالوا عن الشهيد صلاح شحادة
صلاح شحادة.. صحابي القرن الحادي والعشرين
كتب- محمد الحوراني
لن أبالغ إن قلت إنني ما زلت حتى اللحظة غير مصدق لما حدث في الثالث والعشرين من يوليو من عام 2002م، علمًا بأنني أعرف تمام المعرفة الممارسات الصهيونية الهمجية بحق الشعب العربي والإسلامي، إلا أن عدم تصديقي لما حدث في ذلك اليوم ينبع من الطريقة التي تم بها اغتيال القائد الشهيد صلاح شحادة؛ إذ إنه وبالرغم من التطور الكبير في الترسانة العدوانية الصهيونية إلا أنها عجزت عن النيل من صمود هذا القائد المقدام وشجاعته، بالرغم من تنوع الأساليب وقسوة الإجراءات التي اتخذتها بحقه، ولما أدرك الصهاينة أن أساليبهم هذه لن تنال من صمود وشجاعة القائد كان لا بد لهم أن يلجأوا إلى طريقة يستحيل أن تخيب آمال القيادة الحربية والسياسية الصهيونية، فماذا كانت الطريقة؟ وكيف كان رد بعض وسائل الإعلام الغربية، الموصوفة بالنزاهة منها؟
في تصريح يدل عن الخوف والإرباك اللذَين أصابا القيادة الصهيونية- نتيجة للعمليات التي خطط لها القائد الشهيد صلاح- أعلن الميجور جنرال دان هالوتز أن الصهاينة ألقوا قنبلةً بلغت زنتها "طنا" على رأس الشهيد صلاح، مؤكدًا في الوقت نفسه أن الصهاينة مضوا قدمًا في عمليتهم التي نفذتها طائرات إف 16، بالرغم من علمهم بأن الهجوم سيسفر عن استشهاد الكثيرين من الأبرياء، ومع أن هذه العملية ليست بالجديدة على القادة الإجراميين في الكيان الصهيوني، إلا أن اعترافهم بالكمية الضخمة من المتفجرات التي تم إلقاؤها على أشخاص عزل، وتباهيهم بهذا الفعل الدنيء يدل دلالةً واضحة على التواطؤ الأمريكي والدولي في أحيان كثيرة، مع القادة العسكريين في الكيان الصهيوني، ومع أن الصهاينة ليسوا بحاجة إلى من يشجعهم على أعمالهم العدوانية هذه، إلا أن بعض الصحف الغربية ووسائل الإعلام أبت إلا أن تحثهم- وبوقاحة منقطعة النظير- على القيام بالمزيد من هذه الأعمال الإجرامية، فقد اعتبرت صحيفة "التايمز" البريطانية أن اغتيال "الكيان الصهيوني" لصلاح شحادة قائد الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس أمرٌ له ما يبرره..!!
وقالت الصحيفة في صفحة الرأي "إنه بالنظر إلى الماضي الدموي لصلاح شحادة، ودوره المستمر في إدارة الإرهاب الأعمى، فإن استهدافه من قِبل الكيان الصهيوني أمرٌ مبررٌ تمامًا كما هي مبررة مطاردة الغرب لأي قيادي في تنظيم القاعدة".
ورأت "التايمز" أنه من حق الكيان الصهيوني مواصلة حربها "الدفاعية" حتى تزول أسباب العمليات التي تقوم بها ضد الفلسطينيين، ودعت الصحيفة الكيان الصهيوني إلى مواصلة حرب الدفاع عن نفسها!! ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هو:
- لماذا كل هذا الحقد على الشهيد صلاح، لا سيما وأن بضعة جرامات من المتفجرات كفيلةٌ بوضع حد لحياته الدنيوية؟
- وفي الإجابة عن هذا السؤال أقول: إن النهج الذي سار عليه الشهيد صلاح هو الذي دفع بالصهاينة إلى كل هذا الحقد عليه والرغبة بالانتقام منه، لا سيما وأنه كان أحد الصحابة في هذا الزمن كما تقول زوجته الشهيدة ماجدة قنيطة، وتصف الزوجة الثانية للشهيد حياتها معه بالقول: "عشت شهرين في عصر الصحابة".. مشيرةً إلى أنه كان دائمًا يضع مخافة الله أمام عينيه، وكأنه يمشي على الصراط، وكأن الجنة والنار ماثلتان أمامه، يفتش على نيته قبل أن يخطو خطوةً، لا تغفو عينه إلا بعد الساعة السابعة صباحًا، ينام ساعتين أو ثلاثة تقريبًا، ثم يجلس في مكتبه يستقبل المكالمات، ويرد على الرسائل التي كانت تأتي إليه بكثرة من الشبان عاشقي الشهادة، أو رسائل إدارية تخص الجهاز، وإذا شعر بالتعب أخذ يسلي زوجه، ويجاذبها أطراف الحديث عن ماضيه.
- لكن ما هي أبرز الصفات التي تعلمتها الشهيدة ماجدة من زوجها الشهيد صلاح؟
- تقول الشهيدة ماجدة تعلمت منه التواضع، وامتلاك الأعصاب الهادئة، والتصرف في الأمور بحكمة، وكان يقول لي: القائد يجب أن يكون هادئ الأعصاب لا ينفعل؛ ففي السجن "كان الوقت يمر ببطء، كنت في زنزانة عتمة، طولها أقصر مني، وعرضها لا يكفي لأنام، وظلامها لا أرى منه يدي، ورائحتها كريهة، في الشتاء أبرد من الثلج، وفي الصيف رطوبة قاسية لا أعرف فيها الليل من النهار، ومع ذلك عشت لم أشعر فيها بأي ألم، وأقلمت معها حياتي، ومكثت فيها أشهرًا عدة"..!!
وأضافت: "كان حقًا صحابيًا في القرن الحادي والعشرين، لقد كان أمةً يفيض بالحب والتسامح؛ فقد كان يقول: "يجب أن نربي الأجيال القادمة على الحب والتواضع"، كان شعاره "أحب أن ألقى ربي وليس في كتابي مظلمةٌ لأحد.. أريد أن أفوز بالجنان ورضى الرحمن"، كما كان يمتلك سحرًا عجيبًا في أَسْر القلوب بنظرة واحدة منه، وفرض احترامه على العدو قبل الصديق، هكذا كان الشهيد صلاح، وهذا هو الذي يخيف الصهاينة ويربك تحركاتهم؛ لأن قائدًا كهذا كفيلٌ بخلق الجيل الذي بشر به النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- بأنه سيقهر "يهود" ويدحرهم من ديار الإسلام وإلى الأبد؛ ولهذا فقد كثفت القيادة الصهيونية في الفترة التي سبقت عملية الاغتيال من ملاحقتها للشهيد صلاح شحادة مستخدمة من أجل ذلك أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا "الصهيوأمريكية"، وهو ما أكدته صحيفة "يديعوت أحرنوت" الصهيونية عندما أعلنت أن القوات الصهيونية كثَّفت من مراقبة تحركات القائد العام لكتائب القسام، مستخدمةً في سبيل ذلك أحدث الوسائل والتقنيات التكنولوجية إلى جانب العملاء، ومؤكدةً في الوقت نفسه أن كل متتبع لقرارات الطاقم الوزاري كان على يقين بأن الفوهة الصهيونية تتعقب الشهيد صلاح شحادة في كل تحركاته وسكناته، حتى غدا الملاحَق رقم واحد لجيش الاحتلال، وكان قد أشرف على اغتياله رئيس وزراء الكيان الصهيوني شخصيًا؛ ليكون بحق "رجلاً تحاربه دولة"؛ فيلقى ربه شهيدًا في أبشع جرائم جيش الاحتلال الصهيوني في مدينة غزة في مذبحة راح ضحيتها 15 شهيدًا، معظمهم من النساء والأطفال بتاريخ 23/7/2002م بعد حياة عسكرية وجهادية استمرت قرابة عشرين عامًا، ولإن نجح الصهاينة في اغتيال الشهيد صلاح فإنهم لم ولن ينجحوا في اغتيال المقاومة، لا بل إن مثل هذه العمليات العدوانية لن تزيد المجاهدين إلا ثباتًا وإصرارًا على السير قدمًا باتجاه النصر والتحرير.
صلاح شحادة.. رجل القسام الأول
كتب- حبيب أبو محفوظ
انسابت الكلمات من بين يدي.. واغرورقت عيوني بالدموع.. وزفرت آهاتي بالأنين، ووقفتُ لبرهةٍ أتخيلُ ذاك الرجل الذي علمنا بموته معنى الحياة، رجلٌ عاش لغيره.. واستشهد لربه.. فيا ترى أتفيه كلماتي هذه حقَّه؟ لا ورب الكعبة.. ولا بنقطة دمٍ واحدةٍ من جسده.. لا ورب الكعبة.. ولا بسوطِ جلادٍ غادر على ظهره.
كثيرةٌ هي الكلمات التي خُطَّت حروفُها على صفحات مجدك، وكثيرة هي الكلمات التي تعانقت حروفها لتشكل مع صاحبها اسمك "صلاح شحادة"، لكنها قليلةٌ هي تلك التي لامست شغاف قلبك النوراني الدافئ.
عاجزةً.. تقف كلماتي عن وصفك، خجولاً.. أقف اليوم أمام اسمك، مسرعًا.. أحف الخطى على دربك، عنيدًا.. أحمل المصحف والسيف وأرجو الشهادة من بعدك.. نم قرير العين في جنات ربك.. نم قرير العين فنحن جندك، هذا هو عهد رجال القسام، فكلماتك على صدورنا وسامٌ وإن طال الزمانُ، فشعار رجالك على الدوام الانتقام الانتقام.
قتلوك بغدرهم.. قتلوك بخوفنا.. لكنك يا رجل القسام الأول حيٌ عند ربك ترزق.. هذا هو العهد.. وهذا هو الأمل.. وعلى هذا الطريق ماضون.
حُرًا يا سيدي عشت في سجونهم.. سيدًا عظيمًا كنت في عيونهم.. صقرًا حلقت عاليًا في سمائهم.. ولا سماء لهم، كان صوتك مزلزلاً اهتزت لزمجرته مخابئ الأقزام.. كان جسدك عملاقًا شامخًا على الظُلام.. هكذا هي بداية الحكاية مع رمزك تكون.. ومع نهايتها تتوقف ألسنتنا عن الكلام.
قالوا عن الشهيد
لقد كان الشهيد صلاح شحادة مثلاً في كل شيء، فكل من قابله وعايشه أشاد به ووصفه بأفضل الصفات التي يمكن أن يتصف بها إنسان كزوج وقائد ومربٍّ، حتى شهد له أعداؤه..
- الصحفي "ابن كسفيت" مراسل صحيفة معاريف: هو أبرز الشخصيات التي تم اغتيالها حتى الآن بلا شك.
- يعقوب بيري رئيس جهاز الأمن الصهيوني السابق "الشاباك": "صلاح شحادة يمتلك شخصيةً قويةً وصلبةً، وقادر على امتصاص جميع وسائل التعذيب، ومواجهة أية إغراءات في التحقيق.. شحادة هو كاتم أسرار الشيخ أحمد ياسين، وهو ضليع في الشئون الدينية، وحسن المحيا، يُخفي وراء هذا القناع شخصيةَ أحد القادة الأكثر قسوة في أوساط حماس".
- يعقوب بيري: "فشلنا في التأثير على شحادة، ودفعه إلى الاعتراف بالتهم الموجهة إليه، ولكي نؤثر عليه فقد حضر التحقيق معه إسحاق مردخاي وضباط آخرون رفيعو المستوى، ومع ذلك لم يفلح الجميع في التأثير على إرادته".
- يعقوب بيري: "لقد حرمناه من النوم لفترات طويلة، وحققنا معه بصورة مكثفة وطويلة، لكنه كان قويًّا ومصرًّا على عدم الخنوع".
- الشيخ المعتقل جمال أبو الهيجا: "كنت أقول له: يا أبا مصطفى لقد انتهى دورك في الجهاد ومقارعة العدو؛ فاليوم هو دور تلاميذك، أما أنت فقد كبر سنك، وإن المطاردة عليك ستكون صعبة، وبإمكانك أن تفيد الدعوة في المجالات السياسية أو الاجتماعية أو الدعوية، لكنه كان يبتسم، ويقول: "لن نحيد حتى نلقى الله شهداء"، وكان يردد قول الله تعالى: ﴿مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ (الأحزاب: 23).
- بوغي يعالون رئيس هيئة أركان الصهاينة: إنه "الحوت" أو "القنبلة الثقيلة الموقوتة"، فهو لم يكن يسيطر على حماس القطاع فقط، وإنما أرسل ذراعين للضفة؛ حيث قام بإعادة بناء البنية التحتية عن بُعد، وأطلق العمليات، ونقل تكنولوجيا الصواريخ و"القسام"، ومارَس الضغوط للبدء في إطلاقها باتجاه المدن الصهيونية، كما أجرى اتصالاتٍ مع حماس في الخارج، وألقى بظلاله على أحمد ياسين، مكلفًا الصهاينة ثمنًا دمويًّا بصورة شبه يومية تقريبًا؛ فعمليتا عمانويل مثلاً كانتا من تنفيذ خلية أُرسلت بإيحاء منه.
- أليكس فيشمان المحلل السياسي في صحيفة يديعوت: "في البداية اعتبر قتله أمرًا رائعًا.. فحين تم إبطال مفعول قادة خلايا "عز الدين القسام" في منطقة جنين الواحد تلو الآخر خلال أسبوع تقريبًا ظهر على الفور آخرون مكانهم.
كان واضحًا أن ثمة أحدًا ما من الخارج يدير هذه الشبكة بصورة وثيقة؛ حيث اتضح للأوساط الاستخبارية أنه رغم الحضور المكثف للجيش في المناطق والعمليات المكثفة من الاعتقالات والإحاطات.. تواصل خلايا حماس في الضفة الغربية الحفاظ على صلة دائمة مع أوساط داخل الخط الأخضر، توفر لهم معلومات عن أهداف ممكنة لعمليات استشهادية، ثمة شخص ما يطرح الأسئلة، وثمة شخص ما يتلقى الإجابات، وثمة شخص ما ينقلها إلى الميدان، ومن أجل حث تصفية الخلايا السرطانية التي ترفض الزوال يجب الوصول إلى الدماغ.
وهناك كانت المفاجأةُ.. اتضح أن هذا الدماغ يقيم في غزة، وفجأةً في الأشهر الأخيرة أشارت المعلومات الاستخبارية إلى هذه الظاهرة الجديدة: "صلاح شحادة" الرجل الذي يعتبر رقم 1 لعز الدين القسام في قطاع غزة، وكان قد احتل مكان رجال حماس الذين تمت تصفيتهم أو اعتُقلوا في "السور الواقي" و"الطريق الحازم"، وشكل مرجعيةً روحيةً وميدانيةً في كل شيء، وبدأ الجهاز الاستخباري يحكم الطوق على هذا الشخص".
- كتائب الشهيد عز الدين القسام: "إننا إذ نودع اليوم قائدًا عظيمًا ومربيًا كبيرًا.. فإننا نؤكد أن مسيرة الجهاد والمقاومة التي كان للشيخ القائد عظيم الأثر في تأجيجها مستمرة ومتصاعدة تاركةً لدماء قائدها أن تحدد طبيعة الرد.
عهدًا شيخنًا أبا مصطفى نقطعه على أنفسنا أن نجعل للصهاينة في كل بيت عويلاً وفي كل شارع مأتمًا، عهدًا علينا شيخنا القائد أن نقدم لك الرد الذي يرضي الله، فقد تعلمنا منك كيف نرضي ربنا، عهدًا أبا مصطفى، لا تقر لنا عين ولا يغمض لنا جفن حتى يرى الصهاينةُ أشلاءَهم في كل مطعم وموقف وحافلة وعلى كل الأرصفة، عهدًا علينا نقطعه وأنتم تعلمون عهدنا أن نجعل الصهاينة يلعنون أنفسهم ألف مرة على الساعة التي فكروا فيها بقتلك، أبا مصطفى نم قرير العين فقد نلت الشهادة التي تمنيت شيخنا القائد".
- ماجدة قنيطة- زوجته الثانية-: "كان نعم الزوج المثالي، إذا شعر بالملل أو التعب- خاصةً أنه كان أحيانًا يصل الليل بالنهار- وكان يمارس الرياضة، وإذا وجد بعض الأعمال المنزلية كان يقوم بها بنفسه، فكنت أنهاه، وأقول له: يكفيك ما عليك من أعباء جهادية؛ فيرد علي بقوله: لستُ خيرًا من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لقد كان يساعد أهل بيته.. فدعيني أحيي سنته"، وأضافت أنه كثيرا ما كان يجلس ليراجع حفظه من كتاب الله".
- الشيخ الشهيد أحمد ياسين: "إن شحادة تولى مسئولية الجناح العسكري لحماس عام 1988، ونجح شحادة خلال عامين في بناء الجهاز العسكري لكتائب القسام، ونجح من خلال عمله المؤسساتي أن يجد له تلاميذًا في الميدان يتولون القيام بمهمته فور غيابه".