قالب:الغرب وفلسطين أيمن

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث

الضغط البريطاني على الدول العربية

كيف حالت السلطات الاستعمارية دون دخولي فلسطين



السؤال السادس :

أ- يتساءل بعض الناس : لماذا لم تعودوا إلى فلسطين ولا سيما أثناء المعركة ؟

ب- لماذا لم تكن الهيئة العربية العليا في فلسطين أثناء معركتها ، ولماذا لا تقيم الآن فيها ؟

الجواب :

هذه فرية يفتريها على الأعداء، وهي أني ضننت بنفسي عن الذهاب إلى فلسطين طول هذه السنين، ولبثت في مصر قرير العين ناعم البال. ولو كنت ممن يضنون على وطنهم بأنفسهم وبما يملكون لما سلكت هذا الطريق الوعر منذ البداية . والحق أن أعز أمنية لدي هي العودة إلى تلك البلاد العزيزة التي ارتبط بها قلبي ، وأوليتها حبي، ووقفت لها حياتي، وقضيت زهرة عمري في سبيل خيرها وسعادتها .


وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي


الوصول من فرنسا إلى مصر واحتجاج الإنجليز :

وقد قمت بمجازفة خطيرة حين غادرت فرنسا بتاريخ 29 مايو 1946 رغم الحراسة الشديدة ، وتوسلت بكل الوسائل للوصول إلى مصر تمهيداً لدخولي فلسطين والاشتراك في معركتها المقبلة التي كنت أتوقعها .

احتجاج البريطانيين :

فلما هبطت مصر وقامت السلطات البريطانية تطالب بالقبض عليّ، لم تسمح مصر الكريمة بذلك، فلما يئس الإنجليز من تسليمي وتحديد إقامتي في إحدى الجزر النائية كما كانوا يريدون ، شددوا على الحكومة المصرية بمنعي من القيام بأي نشاط سياسي، ومنعي من مغادرة مصر إلى أي مكان آخر. واضطر رئيس الوزارة حينئذ المرحوم إسماعيل صدقي إلى أن يتعهد رسمياً بذلك.


المحاولات المتعددة للسفر إلى فلسطين :

وفي خريف عام 1947 حاولت السفر إلى فلسطين، فطلب مني الأمين العام لجامعة الدول العربية حينئذ – باسم الصالح العام وصالح قضية فلسطين – أن أثريت ، وقال : إن ذهابك إلى فلسطين في الظروف الحاضرة سيكون سبباً في تحول المعركة المتوقع نشوبها بين العرب واليهود، إلى معركة بين العرب وبين الإنجليز واليهود معاً ولكن حينما ينتهي انتداب إنجلترا على فلسطين في 15 مايو عام 1948 لا يحول أحد دون سفرك .

ولكني لم أقنع بهذا القول وصمت على المضي في خطتي ، وبينما كنت أتهيأ للسفر زارني الأستاذ محمد كامل عبد الرحيم وكيل وزارة الخارجية المصرية حينئذ ، وأبلغني أن الوزير المفوض في السفارة البريطانية بالقاهرة قام بزيارة لوزارة الخارجية المصرية حاملاً إليها رسالة من السفير البريطاني بالاحتجاج الشديد على إزماعي السفر إلى فلسطين، وأن السفير طلب من الحكومة المصرية أن تحول دون ذلك . فاضطررت للبقاء على مضض لكيلا أسبب حرجاً للحكومة المصرية التي كانت في ذلك الحين تقوم بمفاوضاتها مع الحكومة البريطانية بشأن القضية المصرية ، معللاً النفس بقرب حلول فرصة ملائمة .

كان هذا قبل نشوب معركة فلسطين . ثم شرعت وبعض أعضاء الهيئة العربية العليا الذين كانوا يعملون معي خارج فلسطين، في إعداد العدة للسفر فور انتهاء الانتداب البريطاني الذي أوشك أن يحل موعده المقرر، وسافرنا إلى دمشق وتخيرنا المكان الذي عولنا على الإقامة به في فلسطين ، كما أعددنا ما كانت تقضي به الضرورة من الوسائل واللوازم .


بريطانيا تضغط على الدول العربية :

وفي 14 مايو 1948 بينما كنا على وشك السفر ، فوجئنا بضغط شديد من إنجلترا على بعض الدول العربية ، وعلى الجامعة ، لمنعي من السفر ، فطلب مني عدد من رؤساء وزارات الدول العربية ووزراء خارجياتها ورجال الجامعة أن لا أسافر في هذه الفترة إلى فلسطين قائلين : "إن ذهابك الآن والجيوش العربية على وشك خوض المعركة سيحبط خطة إنقاذ فلسطين ، ويفرق كلمة الدول العربية ، وستتحمل مسئولية فش هذه المعركة المباركة التي ستحرر فلسطين وتنهي قضيتها بالفوز المبين ، ولما رأوا مني الإصرار على السفر طلبوا من رئيس الجمهورية السورية حينئذ ، أن يكلمني في الموضوع، فكلمني وطلب مني باسم مصلحة فلسطين أن أؤجل السفر .

فلما رأيت أن لا سبيل للسفر إلى فلسطين من سورية ، عدت إلى القاهرة في 22 مايو مزمعاً السفر فوراً . فلما وصلت إليها كلمني المغفور له السيد أحمد محمد خشبة – وكان يومئذ وزيراً للخارجية – وضرب لي موعداً عاجلاً لمقابلته في سراي الزعفران التي كان يقوم فيها مفاوضاته مع السفير البريطاني السر رونالد كامبل بشأن السودان، وأعلمني أن رسولاً خاصاً وصل إلى القاهرة من قبل جلالة الملك عبد الله – هو وزير الدفاع الأردني – حاملاً رسالة إلى الملك (السابق) طالباً فيها أن تحول الحكومة المصرية دون سفري إلى فلسطين .

ثم تلا ذلك مقابلة أخرى مع الأستاذ إبراهيم عبد الهادي رئيس الديوان وقتئذ أبلغني خلالها طلب الملك (السابق) مني أن لا أسافر إلى فلسطين في الظروف الحاضرة لأن سفري يضر بقضية فلسطين ضرراً كبيراً ، ويضر بوحدة جبهة الدول العربية التي تقوم اليوم بالحرب لإنقاذها ، وحذرني من مغبة ذلك!


دخول منطقة غزة :

فاضطرتني هذه الموانع المتتابعة إلى التريث قليلاً ، ولكن عزيمتي على السفر إلى فلسطين في أول فرصة لم تهن وعولت على أن لا أرضخ لأية محاولة لمنعي من الوصول إليها، وقد سنحت الفرصة مساء الاثنين الواقع في 27 سبتمبر 1948، فسافرت إلى فلسطين ، واستعنت ببعض الضباط الأحرار المصريين وغيرهم من المخلصين الأبرار، وغادرت القاهرة خفية رغم ما اتخذته السلطات المصرية القائمة حينئذ من وسائل لمنعي من السفر، من حراسة قوية ، وتدابير احتياطية على الطرق المؤدية إلى سيناء وحدود فلسطين .

وقد وصلنا غزة صبيحة اليوم التالي 28 سبتمبر 1948 وأقمنا بها فترة قصيرة انعقد خلالها المجلس الوطني الفلسطيني ، وتألفت فيها حكومة عموم فلسطين ، وشرعنا مع إخواننا في تظيم مجاهدي فلسطين وتجهيزهم وتجنيد جميع القادرين على الجهاد في كافة المدن والقرى الفلسطينية التي لم يحتلها اليهود ، من رفح إلى جنين ، وقد تقاطرت وفود الفلسطينيين ومجاهدوهم من سائر فلسطين إلى غزة استعداداً لاستئناف الكفاح والجهاد ضد العدو .


تدخل السلطات الاستعمارية :

وفي الخامس من أكتوبر وصل إلى غزة اللواء السابق حسين سري عامر الذي كان مديراً لسلاح الحدود، وزارني حيث كنت أقيم بمنزل الوطني الكبير السيد موسى الصوراني الذي اتخذناه مركزاً للعمل، وأبلغني رسالة من المرحوم محمود فهمي النقراشي رئيس الوزارة حينئذ بتكليفي بالعودة إلى مصر لضرورة ماسة ، وزاد حسين سري عامر على ذلك بأن رئيس الوزارة العراقية السيد مزاحم الباجه جي والمرحوم محسن البرازي وزير الخارجية السورية موجودان بالقاهرة ، وأنه يرغب في محادثتي معهما بشؤون مهمة تتعلق بقضية فلسطين. فأبلغته أنني لا أستطيع الذهاب في هذه الظروف إلى القاهرة لضرورة بقائي في غزة بسبب تنظيم المجاهدين ومقابلة الوفود القادمة من أرجاء البلاد، وطلبت منه أن يبلغ عذري لرئيس الوزراء .

وفي مساء اليوم الثاني أي في 6 أكتوبر أبلغني حسين سري عامر النقراشي يريد محادثتي بالتليفون ، وطلب إلى الذهاب إلى مقر الحاكم الإداري في غزة ، وكان مقره أشبه بقلعة حصينة كانت سابقاً مركزاً للبوليس الحربي لحكومة الانتداب البريطاني ، فأضطررت الذهاب إليها، ولما دخلتها حال الجنود دون دخول الحرس الذي كان معي ، واتصلت بالنقراشي الذي ألح على بالحضور حالاً قائلاً إن الضرورات السياسية والعسكرية تقضي بذلك ، وأحالني على الفريق محمد حيدر وزير الحربية حينئذ ، الذي كان عنده ، فحادثني الفريق محمد حيدر وأصر عليّ بالحضور فوراً إلى القاهرة محتجاً بأن منطقة غزة هي منطقة حربية، وعندئذ أدركت أنهم يريدون منعي من البقاء في أي جزء من فلسطين بسبب ضغط الاستعمار ، فاحتججت على ذلك، وأبديت أشد اللوم على الطريقة التي اتخذوها معي، ولكني لم أشأ أن أعارض في السفر لأني خشيت أن يقع صدام مسلح بين القوات المصرية والمجاهدين الفلسطينيين الذين كان عددهم في غزة لا يستهان به، ولم يمهلني حسين سري عامر إلا ساعة ريثما أحضروا لي بعض حقائبي، كما أنه لم يمكني من الخروج من القلعة إلا إلى السيارة العسكرية التي حملتني إلى القاهرة بحراسة قوية من سيارات البوليس الحربي المسلحة وعلى رأسها حسين سري عامر وذلك عند منتصف ليل 6-7 أكتوبر سنة 1948 فوصلت القاهرة ظهر اليوم السابع من أكتوبر.

وعقب وصولي إلى القاهرة زيدت الحراسة على بيتي حتى أصبح عدد الجنود المحيطين به سبعين جندياً وثلاثة من الضباط ، وهكذا حيل بيني وبين العودة إلى فلسطين .

وبعد انتهاء الحركات الحربية في منطقة غزة وإبرام هدنة رودس طلبت السماح لي بالإقامة في تلك المنطقة ، فلم يسمح لي بذلك .

وقد منعت كما منع أعضاء الهيئة العربية العليا في بعض البلاد العربية من زيارة مخيمات اللاجئين بحجة أن ذلك يثير حماسة اللاجئين. بينما تريد دول الاستعمار السيطرة على هيئة الأمم المتحدة ولجنة الإغاثة تهدئتهم تمهيداً لتصفية القضية الفلسطينية .

لقد استطاع الأعداء أن يحولوا بيننا وبين دخول بلادنا وأن يشردونا طول هذه الأعوام وأن يحرمونا من العيش في موطننا .

فقد اضطروني إلى الخروج خفية من القدس عام 1937 إلى لبنان حيث أقمت سنتين ولما أشتد علي ضغط الأعداء غادرت لبنان إلى العراق حيث أثمت سنة ونصف سنة ، ولما حدثت حرب العراق عام 1941م خرجت مع من خرج من العراق من أحرار العرب، من عراقيين وسوريين وفلسطينيين وغيرهم ودخلت إيران، ولما احتل الإنجليز والروس إيران ، أعلن المارشال ويفل الذي كان قائداً عاماً للقوات البريطانية في مصر والشرق الأوسط ثم في الهند، جائزة قدرها خمسة وعشرون ألف جنيه لمن يقبض علي ا, يفضي بمعلومات تؤدي إلى إلقاء القبض عليّ . فاضطررت إلى مغادرة إيران خفية . ولما لم استطع الالتجاء إلى أفغانستان أو تركيا أو غيرهما من الأقطار الإسلامية فقد اضطررت أن أسافر إلى أوربا مع عدد من أخواني المجاهدين وبقيت فيها خلال مدة الحرب .

إلى هذا الحد بلغ تعسف الأعداء معنا في الوقت الذي جمعوا فيه مئات الألوف من غرباء اليهود المشردين وهو أشد ما يبلغه بغي وعدوان، ولئن استطاعوا أن يرمونا بأنواع الرزايا والبلايا والمصاعب والمصائب . فما لينوا منا قناة صليبة، ولا استطاعوا أن يمنعونا من الكفاح الدائم ، والدأب المستمر في سبيل هذا الوطن الحبيب، ولن يستطيعوا منعنا من العودة إليه والمشاركة في معركته المقبلة متى آن الأوان ، وهو قريب إن شاء الله .