2010 جدران.. ونوافذ

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
2010 جدران.. ونوافذ
11625.jpg


بقلم : محمد السهلي

على قوى اليسار وفصائله أن توحد جهودها لتشكل صمام الأمان في مواجهة الاستقطاب الثنائي وتبادر إلى تفعيل الشارع للضغط من أجل استعادة الوحدة والتمسك بالحقوق الوطنية ومواجهة سيناريوهات الخطط الوافدة التي تسعى للنيل من هذه الحقوق وتصفيتها

مع نهاية كل عام وبداية آخر، تنهض أسئلة كبيرة تستمد مشروعية طرحها من وقائع العام الراحل، وربما ما قبله بكثير، ولعل أثقل الأسئلة وأشدها وطأة تلك التي تنهض أمامنا مرات عدة دون أن نجد لها إجابات تزيل عنها إشارة الاستفهام.

وكما تفرع القضايا المتراكمة والمؤجلة أخرى «جديدة»، فإن الأسئلة الكبيرة أيضا تتناسل وتتزاحم على مقدمة الأولويات.

وللمفارقة، فإن أكثرها بداهة (كما هو مفترض) يغطي مشهدنا الحاضر مظللا خلفه سؤالا أساسيا، كما حصل مع سؤال الوحدة الذي أصبح هاجسنا الأول فيما كانت محاولة الإجابة على سؤال العودة والاستقلال همنا الرئيس وهدفنا المنشود.

ودون أن نصاب بالتشاؤم والاحباط، فإن الإطلالة على العام الذي انقضى وأعوام قبله تكشف أمام ناظرنا مشهدا مزروعا بالجدران التي تنتصب في وجه طموحاتنا الوطنية، وتنكشف أيضا جدران أخرى كلفتنا إشادتها أنهارا من الدم والدموع وإذ بها تتصدع تحت وطأة الانقسام وتداعياته.

وربما من أبرز الأسئلة التي تتكرر هي ما يتعلق بالاستيطان، فالاحتلال الإسرائيلي كثف جهوده منذ العام 1967 في نشر الاستيطان وتوسعته في أنحاء الضفة الفلسطينية وخاصة القدس.

وارتفعت وتيرة الاستيطان منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي مع تصاعد الحديث عن تسوية سياسية بشأن الأراضي الفلسطينية إثر توقيع اتفاقية كامب ديفيد مع مصر.

وفعل الأمر نفسه بعيد توقيع اتفاق أوسلو في العام 1993 بعدما نجح في رهن البحث في مستقبل الأراضي الفلسطينية (يقصد الاستيطان) بنتائج المفاوضات، واستطاع أن يضاعف بنية الاستيطان وعدد المستوطنين خلال فترة قياسية معتمدا سياسة فرض الوقائع على الأرض، ليجد الفلسطينيون أنفسهم أمام شبكة استيطانية متينة تتمتع بكل أسباب البقاء والاستمرار.

ما سبق يجعلنا نتساءل حول أسباب عدم تعميم التركيز على استهداف بنية الاستيطان وجعله دريئة أساسية يستهدفها النضال الوطني الفلسطيني بكافة أشكاله بما فيها المقاومة المسلحة.

ويزداد هذا السؤال أهمية في ظل الواقع الذي وصلت إليه بنية الاستيطان في الضفة الفلسطينية، وتمكن الحكومات الإسرائيلية والأحزاب الصهيونية من جعل قضية الاستيطان مسألة مهمة على المستوى الداخلي الإسرائيلي نظرا لتكدس مئات الآلاف من المستوطنين الذين تم زرعهم في الضفة، لتجعل من مطلب تفكيك الاستيطان وترحيل المستوطنين عقدة إسرائيلية كبرى استخدمها بنيامين نتنياهو لتسويق موقف حكومته أمام واشنطن والاتحاد الأوروبي.

وتزداد أهمية هذا السؤال أيضا، مع قراءة الخطة الأميركية «الجديدة» لتسوية الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، حيث باتت الأولوية لمناقشة موضوعة الحدود وفصلها عن قضيتي القدس واللاجئين وقد وافق بنيامين نتنياهو بحماسة على هذه الآلية إدراكا منه بأن ميزان القوى على الأرض سيتيح له المجال لأن يسعى لضم الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة والقدس إلى إسرائيل ، وهذا يعني أن إسرائيل التي لم ترسم حدودها بعد ربما تفعل ذلك ولكن على حساب المزيد والمزيد من الأراضي الفلسطينية وإدارة الظهر بعد ذلك لباقي القضايا الأساسية التي يطالب الفلسطينيون بحلها ربطا بحقوقهم الوطنية.

قد يبدو هذا السؤال للبعض متأخرا، لكن المؤسف أنه تم طرحه على امتداد سنوات طويلة وبقيت مواجهة الاستيطان محصورة بعدد من العمليات على أهميتها لكنها لم تصبح أسلوبا عاما يجري اعتماده.

وعلى المستوى الجماهيري، تمت مواجهة الاستيطان في عدد من القرى الفلسطينية المتضررة مباشرة من جدار الفصل العنصري في الوقت الذي كان يجب تعميم هذه الظاهرة في مواجهة الاستيطان في جميع أماكن وجوده، وكان من شأن ذلك لو اتبع أن يخفف إن لم يمنع اندفاعة المهاجرين اليهود «الجدد» باتجاه أراضي الضفة واستيطانها والتنعم بثرواتها، وكان من شأن ذلك أيضا، أن يضع قضية الاستيطان في المركز الذي تستحقه في صدارة اهتمامات المجتمع الدولي، باعتبارها عدوانا صارخا على الشعب الفلسطيني وانتهاكا للقرارات الدولية.

وإلى جانب الاستيطان تم تقطيع أوصال الضفة الفلسطينية بالحواجز العسكرية فأعاقت حركة المواطنين وضيقت على حياتهم في الوقت الذي كانت فيه المفاوضات مستمرة وآخرها تلك التي تفرعت عن مؤتمر أنابوليس أواخر العام 2007، وتم الادعاء في حينها من قبل إسرائيل أنها تعمل على إزالة عدد واسع من هذه الحواجز كبادرة حسن نية، ليتضح لاحقا أنه لم تتم إزالة أي حاجز ذي شأن.

والسؤال: لماذا استكان الفريق الفلسطيني المفاوض ومرجعيته للادعاءات الإسرائيلية وإلى جانبها الوعود الأميركية فاستمر في المفاوضات تحت دعوى أنه لا يريد أن يكون السبب في إفشالها؟.

على المقلب الفلسطيني، ينهض سؤال الوحدة الوطنية مجددا بعد عقود من انطلاقة الثورة الفلسطينية وقيام منظمة التحرير التي استطاعت أن توحد الشعب الفلسطيني في جميع مناطق تواجده مما أعاد الأمور إلى الوراء في محاولة البحث مجددا عن سبل استعادة الوحدة، باعتبارها شرطا أساسيا للتمكن من التقدم على سكة الحقوق الوطنية.

وبحصول الانقسام وتداعياته أصيب النضال الوطني الفلسطيني بانتكاسة كبيرة، وفسح المجال واسعا أمام الاحتلال الإسرائيلي وحلفائه بالاستفراد بالجانب الفلسطيني والضغط عليه دائما ليكون هو من يقدم التنازلات تلو الأخرى، فيما يحافظ الجانب الإسرائيلي على شروطه وتعنته تجاه سبل التسوية السياسية.

إن سؤال الوحدة الوطنية يعيدنا إلى تساؤلات كبرى تحيط به، ليس أقلها غياب الأولويات من على جدول العمل الوطني والتركيز على أولوية مواجهة الاحتلال وإجراءاته العدوانية المتواصلة كما يدفعنا إلى التساؤل عن ظروف نمو العوامل التي أسست لعقلية الانقسام وسياساته واستشرائها والتمسك بنتائج الانقسام وربما تمجيدها، في الوقت الذي لا يحصد فيه الشعب الفلسطيني من كل ذلك سوى الكوارث.

ونعتقد هنا أن إعادة الاعتبار للبرنامج الوطني الفلسطيني التحرري يجب أن تنطلق من معالجة هذه السياسات وهذه الأفكار حتى نتمكن من استعادة الوحدة الوطنية على أسس سليمة توحد طاقات الشعب وحركته السياسية وتقطع نهائيا مع حالة التشرذم والانقسام.

وعلى الرغم من اللوحة القاتمة التي دفعت إلى تظهير جميع هذه الأسئلة إلا أن نافذة الأمل الوطني لم تغلق ولا نعتقد أنها من الممكن أن تغلق ليس من موقع صناعة التفاؤل بل من موقع إدراك أن التناقض قائم وحاد بين مصالح الشعب الفلسطيني وطموحاته الوطنية من جهة، وبين الاحتلال وسياساته التوسعية من جهة أخرى.

وهذا هو الذي يؤسس إلى استمرار مواجهة الاحتلال حتى زواله مصحوبا بمستوطنيه ويحتاج ذلك بالضرورة إلى إعادة ترتيب البيت الفلسطيني وهذا واجب وممكن من خلال تحكيم المصلحة الوطنية العليا، فوق جميع المصالح الفئوية الضيقة التي أنتجت واقع الانقسام وتسعى إلى إطالته.

ومن النوافذ القائمة أيضا، الآمال المعقودة على قوى اليسار وفصائله التي من المفترض أن توحد جهودها وتفعلها لتشكل صمام الأمان أمام واقع التجاذب الثنائي القائم، وتبادر إلى تفعيل ضغط الشارع الفلسطيني في سبيل استعادة الوحدة والتمسك بالحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة ومواجهة سيناريوهات الخطط الوافدة التي تسعى للنيل من هذه الحقوق وتصفيتها.