﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾
بقلم / د.رشاد محمد البيومي
إخوتي الأعزاء.. إخواني الكرام..
يا من جمعني الله وإياكم على خير غاية وعلمنا من أكرم منهج واصطفانا لحمل رسالته، أكتب إليك مذكرًا، والذكرى تنفع المؤمنين.
مرت بجماعتنا إحن ومحن تشيب لها الولدان وتصور بعض الناس أمامها أن جماعتكم قد درست وولت واندثرت وتفكك شملها، ولكن الله خيب ظنون من ساءت ظنونهم، وحفظنا وحفظ دعوتنا وجماعتنا من كيد الكائدين وحسد الحاسدين.
وأحسب أنه عندما تغيب عنا أصول دعوتنا وجماعتنا تتفرق بنا الآراء وتتقاذفنا الأنواء، وأنه إذا اجتمعنا على الحب الذي ارتضيناه والمنهج الرباني الذي سلكناه تتساقط الخلافات وتتهاوى وسرعان ما تلتئم الجراح ويلوذ الكائدون بكيدهم، ويحترق المغرضون بغيظهم وتبقى الجماعة.
أذكركم مذكرًا نفسي أن وحدتكم هي سر بقائكم وأن لقاءكم على كلمة سواء هو أصل فلاحكم، وقديمًا قال إمامنا الشهيد "والله إني لا أخشى عليكم الدنيا مجتمعةً ولكن أخاف عليكم من أنفسكم".
وأحدثكم حديثًا من القلب، من قلب يُكِن لكم جميعًا دون استثناء كل الحب والتقدير، وقبل أن أحدثكم أذكركم بأنكم تحملون تاريخًا مجيدًا سطرته دماء الشهداء (قديمًا وحديثًا)، وعرق المجاهدين المرابطين في كل رقعة من بقاع العالم الإسلامي، ودموع الثكالى والأرامل والأيتام "الذين وقفوا معكم ولكم صابرين محتسبين"، أذكركم بأننا في مواجهة الباطل الذي تمكن من مقاليد الأمور امتلأت المعتقلات بخير الرجال وأنبلهم، فماذا كانت جريرتهم، أنهم قالوا ربنا الله.
هل نسيتم هذا، أو تناسيتموه؟ أحسبكم جميعًا على خير، تعرفون الحق وتدافعون عنه مهما طال الزمن، وتوقنوا أنها ضريبة العمل لله منذ بدء الخليقة، أذكركم بقول الله تعالى ﴿الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2)﴾ (العنكبوت).
وقد مرت بنا من الشدائد الكثير، ولكن أقساها وأمرها ما كان من داخل صفكم، فقد يُفتن البعض منا "وهو يحسب أنه يرجو الخير" وتُلبس عليه الأمور من غير تبين أو سعي لمعرفة الحقائق، وقد يتمادى البعض فيسقط في الطريق، وتبقى الجماعة.
ولا زلت أذكر تلك الفترة التي استطاع جمال عبد الناصر من خلال صلاته ببعض الإخوان (عندما كان فردًا جنديًّا يعمل معهم)، وأوعز إليهم ألاَّ خلاص لهذه الجماعة إلا بإقالة مرشدنا المبتلى الممتحن حسن الهضيبي.
ولقد استجاب لهذه المكيدة بعض الإخوان منهم الشيوخ والشباب، وتطاول بعضهم على قيادتهم وأشاعوا جوًّا من القلق، والفتنة في صفوف الإخوان، وراحوا ينددون ويتقولون، وانتهى أمر هؤلاء وبقيت الجماعة، ولكن كما تعود الإخوان وتعلموا من سيرة رسولهم صلى الله عليه وسلم وقفوا خلف قيادتهم وتحملوا في سبيل ذلك الكثير منهم (من أعدم ومنهم من مات في التعذيب ومنهم من قضى من سني عمره الكثير وراء الأسوار).
ولكن ما فترت همتهم ولا تغيرت فكرتهم؛ بل ظلوا ثابتين على عهدهم متمسكين بقيادتهم حتى أذن الله أن تنفرج الكربة وتستعيد الجماعة عافيتها.
ولقد عاد البعض ممن شاركوا في هذه الفتنة إلى رشدهم وبايعوا قادتهم، وشاركوا إخوانهم مسيرتهم إلى يومنا هذا، وانتهى أمر الذي نكصوا وغابوا عن الذكر، وإني على يقين بإذن الله أنكم قادرون على تجاوز تلك المحنة العابرة بصبر وثبات.
أمر آخر أذكر نفسي وإياكم به، لقد عاهدنا رب العزة على نصرة دينه ورفع لوائه وكانت غايتنا هي رضاء الله، وقدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن ولاؤنا لأحد إلا إذا كان على عهد الله محافظًا وفي سبيله مجاهدًا، تجمعنا الفكرة ولا ولاء للأشخاص إلا بقدر عطائهم والتزامهم وحرصهم على جماعتهم ودعوتهم فعندما واجهتنا محنة التأييد (وكانت المفاصلة بإعلان القيادة أنه ما كان للجماعة أن تأخذ بالرخص ولكن عليها أن تأخذ بالعزائم)، تولى بعض الناس وآثر السلامة وكان منهم بعض القادة وبعض الرواد، فماذا كان من الإخوان، فاصلوهم والتفوا حول لواء الجماعة ورايتها.
ومرت الأيام وانقضت تلك المحنة وظل إخوانكم ثابتين على عهدهم وما زادهم البلاء إلا يقينًا في نصر الله. وأحسب أنكم من الوعي والإدراك ما يجعلكم ماضين في سبيل الله ﴿لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ﴾ (المائدة: من الآية 105).
أذكركم بأمر آخر أن هناك من يتربص بنا الدوائر وينتظر منا الهنات والسقطات ويتلمس لنا الهفوات، فلا تعطوا لهؤلاء القوم من نفوسكم وأقلامكم ما يشيعون به الكذب والزور والبهتان، وثقوا أنه إن كان فينا منْ في قلبه مرض، فلن يستطيع مواصلة الطريق أبدًا ولن يستمر في العطاء، فدعوتنا دعوة إيثار وبذل وتضحية وليست دعوة عوائد ومكاسب دنيوية وستبقى بإذن الله ما بقيت فينا حياة.
أذكركم بأن قوتكم بصدق التزامكم وكمال وحدتكم وعليكم أن تفكروا لمصلحة جماعتكم وتقدموا أفكاركم لقادتكم، ومع الثقة في قيادتكم ستجدون كل الرعاية لما فيه المصلحة العامة، وتقدير ما يفيد مما ترون وما يمكن أن يؤجل العلم به لما يناسبه من أوقات.
أذكركم أن النصيحة واجبة على كل فرد منا ولكن من خلال وسائلكم التي تربيتم وتعملون من خلالها، هكذا علمنا رسولنا الكريم، وخير الأصدقاء من إذا نسيت الله ذكرك وإذا ذكرته أعانك.
أيها الإخوة الكرام؛ اعلموا أن الله منجيكم من كل محنة وكل بلاء ما دامت القلوب عامرة بذكر الله، متصلة به، متطلبة رضاه، وثقوا أنه لن يتنزل نصر إذا كان في القلوب مرض أو في النفوس شحناء وتذكروا قول الله تعالى ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا﴾ (آل عمران: من الآية 103) وتذكروا قوله ﴿قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلْ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ (الحجرات: من الآية17).
المصدر : نافذة مصر