“شوكان”.. رحلة مصور صحفي خلف القضبان (بروفايل)
صحفيون ضد التعذيب
في صباح الرابع عشر من أغسطس/آب لعام 2013، كان المصور الصحفي محمود أبوزيد الشهير بـ”شوكان”، يحمل كاميرته بقلب ميدان رابعة العدوية، لتوثيق مشاهد فض قوات الأمن لاعتصام الآلاف من أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي، ليبادره عدد من قوات الأمن بالقبض عليه، إضافة إلى صحفيين أجنبيين آخرين.
قبل فض اعتصام رابعة بيوم، لابد أن شوكان أطلع على بيان وزارة الداخلية الذي نشر على صفحتها الرسمية عبر موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، والذي ناشدت فيه الصحفيين بالتواجد أثناء الفض والعمل بحيادية ونقل صورة حقيقية أثناء عملهم، وهو ما استجاب له “شوكان” وحرص على التواجد منذ الساعات الأولى لعملية الفض.
وعقب إلقاء القبض عليه؛ أفرجت قوات الأمن عن الصحفيين الأجانب الذين كانوا برفقته، بينما بقي هو؛ إذ تم تجريده من معداته الصحفية، فضلًا عن تعرضه للضرب المبرح والإهانة والسب، ثم نقله إلى قسم شرطة “أول القاهرة الجديدة”، لتوجه إليه النيابة اتهامات بارتكاب جرائم القتل والتجمهر والانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، وتعطيل أعمال الدستور.
وفي أول عرض له على النيابة، قررت حبسه خمسة عشر يومًا، وتم ترحيله إلى سجن أبو زعبل، ومن ثمَّ بدأ تجديد حبسه جلسة تلو الأخرى, واستمر مسلسل التجديد، إلى أن تمت إحالته إلى محكمة الجنايات، في أغسطس/آب 2015، التي تنظر القضية حتى اليوم.
في مايو/أيار من العام 2014، اختارته لجنة حماية الصحفيين CPJ، ليكون ضمن عشرة صحفيين محتجزين على مستوى العالم الذين اختارتهم اللجنة لإبراز قضيتهم والحديث عن أسباب اعتقالهم والانتهاكات التي يتعرضون لها، كما ناشدت وكالة “ديموتكس” Demotix للمصورين المستقلين، السلطات المصرية للإفراج عن مصورها ولكن دون جدوى، كما أرسلت الوكالة خطابًا إلى الجهات المسئولة تؤكد فيه أن “شوكان” كان يغطي الأحداث لصالح الوكالة وليس كمشارك فيها.
وفي أكتوبر/تشرين الأول من عام 2014، وجهت منظمة “العفو الدولية” نداءً, أعربت من خلاله عن قلقها بشأن الوضع الصحي للمصور “شوكان”؛ بسبب سوء معاملته واحتجازه لمدة تجاوزت سنة كاملة دون محاكمة، وطالبت المنظمات والحقوقيين والنشطاء حول العالم بإرسال مناشدات للنائب العام ودار القضاء العالي ووزارة العدل؛ لحث السلطات المصرية على إسقاط التهم المنسوبة إليه، وبالتزامن معها أطلقت منظمة “مراسلون بلا حدود” بيانًا طالبت فيه بسرعة إطلاق سراح “شوكان”، ولكن أيضًا بدون جدوى.
وقد أودع “شوكان” في سجن طرة؛ إذ تدهورت حالته الصحية هناك بين فترة وأخرى، تارة يُنقل إلى المستشفى كما حدث في فبراير/شباط لعام 2015، حيث تم نقله إلى مستشفى قصر العيني الفرنساوي، وأجري بعض التحاليل والفحوصات والأشعة الطبية، لاسيّما أنه مريض بالتهاب الكبد الوبائي “فيروس سي”، ويعاني من فقر الدم والأنيميا الحادة.
وتارة أخرى، يُنقل “شوكان” إلى زنزانة انفرادية للتأديب، كما حدث في فبراير/شباط لعام 2016، عندما تم اتخاذ إجراء تعسفي بحقه، حيث وجد أحد العساكر في الزنزانة الخاصة به هاتف جوال، وحينما تم سؤاله عنه، أنكر “شوكان” أنه خاصته، فقامت إدارة السجن بتحويله لزنزانة انفرادية كإجراء عقابي له، ورغم اعتراف أحد زملائه بالسجن أن التليفون خاصته، إلا أن إدارة السجن تعسفت بشأن حبسه انفراديًا دون النظر إلى اعتراف السجين الآخر.
العديد من الرسائل، كتبها “شوكان” إلى العالم الخارجي، أملًا منه في التحرك أو التعاطف معه، بعد أن تجاوز العامين داخل جدران سجنه رغم انتهاء مدة حبسه احتياطيًا، ومنها تلك التي كتبها في الذكرى السنوية ليوم حرية الصحافة في العالم، قائلًا: “أنقل لكم جزء من مأساة الصحفيين المصريين، الذين يحتفلون بهذا اليوم داخل عتمة الزنازين”.
وتساءل شوكان في أولى رسائله في مايو/أيار لعام 2015: “كم هو بعيد عنّا معنى (حرية الصحافة)، فأنا أقضي أكثر من 600 يوم في السجن ولا أعلم متى سينتهى هذا الكابوس المظلم، فقط لأنني كنت أقوم بعملي كمصور صحفي أثناء عملية فض اعتصام رابعة العدوية وأنصار الرئيس المعزول مرسي”، وفي رسالة أخرى أكد شوكان، أنه لا ينتمي إلى أي جماعة أو حزب سياسي، وفي رسالة ثالثة صرخ المصور الصحفي من داخل محبسه: “أغيثوني أثابكم الله“.
“لقد اشتقت إلى الكاميرا.. اشتقت إليها.. اشتقت إلى سبب بلائي ومصيبتي.. اشتقت أن أمسكها بين يداي لأرى الحياة بها ومن خلالها، اشتقت أن أتركها مساءً على وعد اللقاء بها صباح اليوم التالي، واشتقت أن استنشق عبيرها في الصباح قبل قهوتي.. نعم – وللأسف – اشتقت إلى عملي؛ هذا الذي كلفني ولازال يكلفني أيام من عمري”.. تلك كانت رسالة رابعة لشوكان، كتبها في أغسطس/آب من العام 2015، بمناسبة مرور 700 يوم على حبسه.
ومن داخل محبسه بسجن طرة، كتب المصور الصحفي، محمود أبو زيد، الشهير بـ”شوكان”، رسالة جديدة، تزامنًا مع حفل توزيع جوائز مسابقة “شوكان للتصوير الصحفي”، وجاء نص الرسالة كالتالي: “كم أسعدني وآلمني – في آن واحد – دعمكم ومشاركتكم في مسابقة للتصوير الصحفي حملت اسمي، فرحت كثيرًا حين علمت عن المسابقة وحماسكم للمشاركة فيها، فشكرًا لكم على صوركم الرائعة التي لم أرها أسفًا، ولكن ثقتي بكم منحتني يقينًا عن مدى صدقها وجودتها، كم كنت أتمنى أن أكون بينكم الآن، ولكني لازلت قابع في محبسي، أدفع من عمري أعوامًا ثمنًا للصورة، حبست لأني واحد منكم، ممن ينزلون في الصباحات حاملين كاميراتهم واضعين الحقيقة- والحقيقة فقط – نصب أعينهم، واحد ممن يعرضون حياتهم لخطر الاعتقال أو الموت، لا لشيء ولكن فقط لكونهم مصورين صحفيين، هدفهم التوثيق ونقل الصورة”.
وفي بداية مارس/آذار من العام 2016، منعت إدارة سجن طرة، بشكل مفاجئ الزيارات عن شوكان، واستمر المنع لأكثر من 10 أيام، كما رفضت إدخال الطعام والمتعلقات الخاصة به، وذلك دون مبرر واضح، وعندما سأل والده عن سبب المنع المفاجئ، جاء الرد على لسان عقيد شرطة داخل السجن: “مفيش زيارات خليه يتربى عشان يمشي كويس”.
وفي جلسة محاكمته، والتي انعقدت في الحادي والعشرين من مايو/أيار 2016، سمحت هيئة المحكمة برئاسة المستشار حسن فريد، لـ”شوكان” بالخروج من القفص الزجاجي للحديث عن واقعة إلقاء القبض عليه؛ حيث قال: “أنا مصور صحفي، نزلت لتغطية الأحداث من جانب قوات الأمن لمدة ٣٠ دقيقة وكان معنا ٢مصورين واحد فرنسي وآخر أمريكي ولكن تم إخلاء سبيلهما فيما تم التحفظ على معدات التصوير الخاصة بي، ولم يتم تحريزها، وأنا لست طرف في أي معادلة سياسية والتصوير مش جريمة، واتحبست ١٠٠٠ يوم”.
وحينما سأله القاضي: “هل كان معاك تصريح بالتصوير؟”، فأجابه “شوكان”: “الدعوة كانت عامة من خلال بيان وزارة الداخلية ودعوة للإعلام وكل منظمات المجتمع المدني، والتصوير كان متاح للجميع، ونزولي كان بجانب قوات الأمن وكنت معهم حتى أؤمّن نفسي”.
وبشكل تدريجي، تدهورت حالة “شوكان” الصحية، لاسيّما بعد فترة الحرمان التي فرضتها إدارة السجن عليه كنوع من العقاب، وما ترتب عليها من منع زيارة أسرته له أو السماح بدخول الأدوية له؛ خاصةً وأنه يعاني من فيروس سي، بحسب ما أكده والده خلال زيارته في 13 مارس/آذار 2016.
وعقب زيارة والده له مطلع شهر رمضان المعظم، كانت الحالة الصحية لـ”شوكان” أكثر تدهورًا؛ إذ يعاني من آلام في الظهر بسبب الالتهابات التي أصابته في سلسلته الفقرية، نتيجة الحبس الانفرادي التأديبي الذي تعرض له فبراير/شباط الماضي، واستمر لمدة شهر، ورغم سماح إدارة السجن له بالعرض على طبيب السجن والذي أعطاه مرهم لعلاج حالته، إلا أن أوجاعه استمرت كما هي، ولم يسهم العلاج في تحسين صحته بأي شكل من الأشكال.
المصور الصحفي الشاب، الذي احتفل بعيد مولده الـ28 داخل زنزانته الضيقة في سجن طرة، يوم 10 أكتوبر/تشرين الأول، تخرج من أكاديمية أخبار اليوم “قسم الصحافة”، امتهن التصوير منذ عام 2010، وعمل في عدد من الجرائد والمواقع الإخبارية محلية ودولية تحت مسمى “صحفيين بالقطعة”، عشق شوارع مصر ومعالمها فشارك في تغطية الجانب الإنساني والاجتماعي من حياة المصريين من احتفالات ومهرجانات.
وقد ذاع صيت “محمود أبو زيد” في الداخل والخارج، والذي اشتهر فيما بعد باسم “شوكان”، من خلال لقطات عدساته التي نُشرت بصحف وجرائد في جميع أنحاء العالم، على رأسهم مجلة “التايم” البريطانية The Time و”صن” البريطانية The Sun، و”بيلد” الألمانية Bild.de ومنظمات حقوقية كثيرة.
المصدر
- تقرير:“شوكان”.. رحلة مصور صحفي خلف القضبان (بروفايل)موقع: مرصد صحفيون ضد التعذيب