يا مرحباً بالموت في سبيل الله
بقلم: الدكتور محمد شندب
إنها صرخة الإيمان والقوة والشموخ أطلقتها والدة القائد القسامي الشهيد محمود المبحوح حين تلقت نبأ استشهاده.
لقد هزّت صرخة هذه المرأة المجاهدة وجداني وزلزلت بصبرها كياني، فهي لا تخشى الشهادة، بل ترحب بالموت في سبيل الله، وحالها يقول: «غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه».
إن كلمات هذه الأم العظيمة هي بداية تباشير الفجر الجديد الذي أخذ يطل على أمتنا بعد ليل دامس من الذل والاستكانة.
والدة الشهيد محمود المبحوح تذكرنا بالخنساء في ليلة القادسية «وهي المعركة الحاسمة التي أسقط فيها المسلمون الامبراطورية الفارسية وفتحوا بلاد العراق وفارس وخراسان..».
هذه الخنساء هي وأمثالها من النساء المؤمنات صنعت أمة أخرجت البشرية من ظلمات الجهل والجاهلية الى نور الإيمان وعدالة الإسلام.
واليوم يطل على الكون جيل جديد يحب الموت ويعشق الشهادة. هذا الجيل الرباني الصادق هو طليعة الأمة في مواجهة قوى الشر والظلم والجبروت.
إن أمتنا اليوم لا تستطيع تغيير معادلة الذل المفروضة عليها إلا بجهاد هؤلاء الأبرار الذين سلكوا درب ذات الشوكة وعبروا بدمائهم الزكية طريق المجد والقوة والحرية.
ويوم تراجعت الجيوش العربية سنة 1948 أمام هجمات العصابات اليهودية، كانت كتائب «الإخوان المسلمين» تضرب في عمق فلسطين وتصل الى مشارف القدس.
وأدرك الاستعمار البريطاني وحلفاؤه الصهاينة خطر المقاومة الإسلامية على مستقبل المشروع الصهيوني في فلسطين والمشرق العربي، وصدرت الأوامر لحكام مصر من أسيادهم (الانكليز) بضرورة التخلص من الرجل الذي أقضّ مضاجع الاستعمار وأربابه.
وهكذا امتدت يد الغدر لتغتال مؤسس الحركة الإسلامية في مصر وباعث نهضة هذه الأمة من جديد الإمام حسن البنا الذي نال شرف الشهادة، وظن أعداء الله وأعداء الإنسانية أن القضاء على الإمام سينهي دعوته، وما فطنوا أن دماءه تحولت مع الأيام الى نور أضاء في سماء العرب والعجم. وها هي الحركة الإسلامية التي أسسها الإمام الشهيد تعم أنوارها أنحاء المشرق والمغرب.
وفي أرض الإسراء والمعراج تنبت اليوم قوة ربانية جديدة لا شرقية ولا غربية تمسك القرآن بيمينها وتمسك البندقية بيسارها.
تتحدى كل الحلول الاستسلامية. تضرب أنوف أباطرة الطغيان وتلطم بقبضاتها خدود جبابرة الصهيونية، واليوم أجيال الشهادة تتدفق وأبناء الحركة الإسلامية يتسابقون والحمد لله الى الفوز بجنة عالية قطوفها دانية.
لقد رفع الإمام حسن البنا راية الجهاد لتحرير فلسطين كل فلسطين من البحر الى النهر وعلى دربه تنطلق قوافل الشهداء تحمل رايات العز والفداء، يتقدمهم الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي والقائد يحيى عياش والآلاف المؤلفة من الرجال {الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا}.
إن مستقبل الصراع القائم بيننا وبين اليهود الغاصبين يتحدد من خلال هذا الجيل الذي بدأ يشق طريقه الى ساحة النزال وسط التحديات الكبيرة في الداخل والخارج. وكلما انحازت الأمة الى خيار هذا الجيل الرباني، اقتربت تباشير النصر والتمكين.
إن قوى الظلم والطغيان في الأرض تعمل اليوم بكل طاقاتها وامكاناتها الاقتصادية والإعلامية والثقافية كي تبعد أجيالنا عن مصدر قوتها ورفعتها.
قال تعالى {... ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا. ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والأخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} سورة البقرة.
ومن أجل إبقاء أمتنا ذليلة ومتخلفة، فُرِضَتْ عليها أنظمةٌ علمانية وديكتاتورية حتى لا يفكر أحد بفلسطين ولا بأية قضية هامة أخرى.
بل جل اهتمام الناس كيف يدورون حول شهواتهم وملذاتهم الدنيوية.
إن أعداء الإسلام، وفي مقدمتهم الكيان الصهيوني، يدركون أن عظمة هذه الأمة تكمن في دينها ونهج ربها كما أخبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
فبعد معركة اليرموك الفاصلة، غادر هرقل مدينة دمشق باتجاه الدولة البيزنطية ولما وصل الى مشارف انطاكية التفت الى سوريا وقال: «وداعاً يا سوريا لا لقاء بعده».
ثم دخلت بلاد الشام في دين الله وتمنى صفرينيوس بطريرك القدس على قادة الجيش الإسلامي أن يستأذنوا عمر رضي الله عنه كي يأتي الى الشام ويتسلم مفاتيح المدينة المقدسة، «وذلك كما جاء في كتبهم».
ولما وصل عمر بن الخطاب الى مدينة دمشق احتشد الناس وعلى رأسهم أمين هذه الأمة، أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، ليستقبلوا الرجل الذي أسقط الامبراطوريتين الرومانية والفارسية.
فإذا بأعرابي يسير على قدميه يجرّ جملاً يحمل اعرابياً آخر هو رفيقه في رحلته من المدينة الى الشام.
وكان أبو عبيدة ينتظر مشهداً مختلفاً لعمر لأن أهل الشام معتادون مظاهر الأبهة والفخامة. فأخذه عمر وضمه إليه وقال: «لو قالها غيرك يا أبا عبيدة. نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإذا طلبنا العزة بغيره أذلنا الله».
نعم لقد فتح المسلمون الشام ودخلوا فلسطين تحت راية التوحيد. واليوم لن يسترد العرب والمسلمون شبراً واحداً من فلسطين إلا إذا حملوا من جديد راية الحق والهدى والرشاد.
إن دماء الشهيد محمود المبحوح ترفد نهر الدم الجاري على أرض فلسطين منذ سنة 1948م وحتى اليوم.
وسوف تتحول بعون الله تعالى هذه الدماء الزكية الى قوة عاتية تحطم كل معتد وطاغية.
قال تعالى: {ولا تهِنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين} سورة آل عمران.
المصدر
- مقال:يا مرحباً بالموت في سبيل اللهموقع: الجماعة الإسلامية فى لبنان