وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا

بقلم:الإستاذ محمد مهدي عاكف

مقدمة

رسالة من محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين

بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- ومن والاه..

تمر أمتنا العربية والإسلامية بتحديات ضخمة وظروف عصيبة تقتضي من الحكام- كما تقتضي من الشعوب- اليقظةَ والوحدةَ والارتفاع إلى مستوى الأحداث.

فأمامنا تحدي احتلال العراق، بلاد الرافدين، ومهد الحضارة الإنسانية، وموئل الخلافة العباسية، وتحدي المذابح في فلسطين لشعبها البطل واغتيال شيخ المجاهدين "أحمد ياسين" ورفاقه الأطهار، وتحدي الإصلاح الداخلي الذي بات ملحًّا وضروريًّا ولا يمكن تأجيله بحالٍ من الأحوال، وتحدي إصلاح الجامعة العربية لتؤدي الدور الذي يجب أن تقوم به، وتحدي مواجهة الضغوط الأمريكية ومشاريع الهيمنة الواضحة التي تريد سلخ هذه الأمة من عقيدتها وثقافتها وحضارتها... إلخ إلخ.

إنها تحديات تفرض علينا إما أن نكون أو لا نكون.. إما أن نخرج العرب من كبواتهم وعثراتهم إلى أملٍ وأفقٍ جديدين، وإما أن يخرج العرب من التاريخ ولو إلى حين.

إن القادة والملوك والرؤساء والزعماء العرب أمام مسئوليتهم التاريخية، فهل ينجحون؟! إن القرار المنفرد الذي اتخذته القيادة السياسية في تونس- بإلغاء أو إرجاء الاجتماع الدوري للقمة العربية- وضع القادة أمام اختبار تاريخي حقيقي، وإذْ نرحب بالدعوة التي وجَّهها الرئيس "مبارك" لعقد القمة في مقر الجامعة بالقاهرة لنرجو من الرؤساء والزعماء أن يعملوا على التجاوب معها، والحرص على تجاوز الخلافات الشكلية، والمحافظة على الجامعة العربية، خاصةً في هذه المرحلة الفاصلة في تاريخ أمتنا.. لقد ظهر بوضوحٍ تامٍّ بُعد المسافة بين مشاعر وآمال وطموحات الشعوب العربية، وبين قدرات وإمكانات ومواقف الزعماء العرب.

إنني أطالب الزعماء العرب في هذه الظروف العصيبة أن يرتفعوا فوق خلافاتهم، وأن يلتقوا على كلمة سواء، وأن يعتصموا بحبل الله جميعًا، وليبدأ كلٌّ منهم إصلاحًا داخليًّا حقيقيًّا في بلده الذي استرعاه الله إياه، وأن يلتقوا ليتفقوا على الحد الأدنى المطلوب في هذه المرحلة وهو:

(1) رفض الاحتلال الأمريكي في العراق، وعدم الاعتراف بأي إجراءات يقوم بها الاحتلال لتقسيم العراق، وأن تنتقل المسئولية عن العراق إلى الأمم المتحدة والجامعة العربية؛ كي يتم انتخاب جمعية تأسيسية تضع دستورًا للعراق يحقق الاستقلال التام، وسحب القواعد الأمريكية، وتتحقق وحدة العراق كدولة واحدة، ولابد من دعم المقاومة العراقية التي تمثل ورقة الضغط الحقيقية على الاحتلال.

(2) إعلان واضح بالتخلي عن الإستراتيجية الفاشلة في التعامل مع العدو الصهيوني وعدم تقديم مبادرات من أجل السلام وعدم تجديد المبادرات القديمة التي لم يعبأ بها العدو بكل فصائله، والإعلان عن تقديم كل ألوان الدعم للشعب الفلسطيني ولفصائل المقاومة

(3) الاتفاق على الحد الأدنى من الإصلاح الداخلي في البلاد العربية وهو:

- إلغاء حالة الطوارئ وإطلاق الحريات وإخلاء المعتقلات من كافة سجناء الرأي.

- إجراء انتخابات حرة لاختيار برلمانات حقيقية في إطار نظام دستوري نيابي.

- تحقيق المصالحة الوطنية داخل كل بلد عربي.

(4) تشكيل لجنة مصغرة لبحث كافة المبادرات المتعلقة بتطوير الجامعة العربية كرافعة للعمل العربي المشترك، وتحديد مدة زمنية لها، واعتماد إجراءات سريعة لإزالة الحواجز المصطنعة بين الدول والشعوب العربية.

الوحدة العربية.. والجامعة العربية

إن اهتمام (الإخوان المسلمون) بالوحدة العربية وبالجامعة العربية ليس حديثًا؛ بل هو اهتمام قديم قدم دعوة (الإخوان).. وأودُّ في هذه الظروف أن أذكر (الإخوان المسلمون) والناس جميعًا بمواقفنا الثابتة في هذا الصدد:

- إن الإسلام فرض على كل إنسان أن يعمل لخير بلده وأن يتفانى في خدمته، وبذلك فإن المسلم هو أعمق الناس وطنية وأعظمهم نفعًا لمواطنيه.

- و(الإخوان المسلمون) يحبون أوطانهم، ويحرصون على وحدتها القومية، وهذا الإسلام الحنيف نشأ عربيًّا، ووصل إلى الأمم عن طريق العرب، وجاء كتابه بلسان عربي مبين، وتوحدت الأمم باسمه على هذا اللسان يوم كان المسلمون مسلمين.

- وقد جاء في الأثر: "إذا ذلَّ العرب ذلَّ الإسلام"؛ فالعرب هم عصبة الإسلام وحراسه، و(الإخوان المسلمون) يعتبرون العروبة، كما عرفها النبي- صلى الله عليه وسلم-: "ألا إنَّ العربية اللِّسان.. ألا إنَّ العربية اللِّسان" (رواه ابن كثير عن معاذ بن جبل)، ومن هنا كانت وحدة العرب أمرًا لابد منه لإعادة مجد الإسلام وإقامة دولته وإعزاز سلطانه.. ومن هنا وجب على كل مسلم أن يعمل لإحياء الوحدة العربية وتأييدها ومناصرتها، وهذا هو موقف (الإخوان المسلمون) من الوحدة العربية.

فالإخوان كما يحترمون قوميتهم الخاصة، ولا يرون بأسًا بأن يعمل كل إنسان لوطنه، وأن يقدم ما يخد وطنه على ما سواه، هم بعد ذلك يؤيدون الوحدة العربية باعتبارها الحلقة الثانية في النهوض، ثم هم يعملون للجامعة الإسلامية باعتبارها السياج الكامل للوطن الإسلامي العام، وبعد ذلك فإن الإخوان يريدون الخير للعالم كله، فهم ينادون بالوحدة العالمية؛ لأن هذا هو مرمى الإسلام وهدفه ومعنى قول الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ (الأنبياء: 107)، ولا تعارض بين هذه الوحدات بهذا الاعتبار، فكل منها يشد أزر الأخرى ويحقق الغاية منها.

هذا ما أكده (الإخوان) على لسان مؤسس دعوتهم وباني جماعتهم الإمام الشهيد "حسن البنا" الذي لم يكتفِ بالكلام؛ بل ساهم في وضع ميثاق الجامعة العربية باقتراحات ظهر معظمها في الميثاق، ومن تلك الاقتراحات العملية، التي لازال هناك أمل بوضعها موضع التنفيذ رغم مرور ستين عامًا على كتابتها ما قاله الإمام الشهيد في مذكرته التي أرسلها في 18 سبتمبر 1944م إلى (رئيس وأعضاء اللجنة التحضيرية لمؤتمر الوحدة العربية)، وكانت في بنودٍ ستةٍ هي:

1- تحقيق مظاهر الوحدة العامة في الوطن العربي.

2- تحقيق الأماني القومية ومساعدة الأمم الناشئة على نيل استقلالها واستكمال نهوضها.

3- الكيان السياسي العام للأمم العربية المتحدة.

4- تحديد الصلة بين البلاد العربية وجاراتها من الممالك الإسلامية غير العربية.

5- المطالبة بحقوق الشعوب الإسلامية المظلومة ورعاية الأقليات المسلمة في مختلف البلاد والأقطار.

6- دراسة لون الحضارة التي يجب أن تصطبغ بها الأمة العربية؛ لأن الناحية الاجتماعية لا تقل أهمية عن الناحية السياسية إن لم تزد عليها.

وقد طالب وقتها الإمام الشهيد بمطالب عملية مازالت تعبر عن آمال الشعوب العربية مثل:

- رفع الحواجز الجمركية بين البلاد العربية.

- منح حرية المرور والتنقل بين البلاد العربية وإباحة الهجرة والاستيطان على نطاق واسع.

- التعاون الاقتصادي وتكوين الشركات العربية المشتركة.

- تنمية التعاون الثقافي والتشريعي والعسكري بتوحيد برامج التعليم ومناهجه وتوحيد منابع التشريع وقواعده.

كما دعا الإمام الشهيد إلى دراسة متأنية لتكوين "الحكومات العربية المتحدة" التي تحقق الكيان السياسي للأمم العربية المتحدة، مع ترك الحرية لكل شعب عربي في اختيار نوع وشكل الحكومة التي يرجوها، وختم مذكرته بقولٍ مازال جديرًا بالتأمل إلى يومنا هذا في مواجهة الضغوط الأجنبية نذكر به القادة والشعوب العربية:

"إننا حين نريد لأوطاننا وشعوبنا الحصول على كامل الحرية والاستقلال لا ننكر ولا نغفل أن بيننا وبين دول العالم وأممه وشعوبه صلات يجب أن تبقى، ومصالح يجب أن تنظم؛ حتى يقوم التعامل على أساس من الحبِّ والتعاون والإنصاف".

إن هذه الآمال وتلك الاقتراحات، وهذه المطالب مازالت قائمة، ممَّا يدلل بوضوح على مدى التفريط الذي قامت به الحكومات العربية المتتابعة منذ ستين عامًا، ولعل السبب هو الاعتراف الصريح الذي قاله الرئيس الأمريكي "بوش" في لحظة صدق نادرة؛ حيث أعلن أن أمريكا ساندت الديكتاتوريات في البلاد العربية لمدة ستين عامًا، فالاستبداد والحرص على البقاء في كراسي الحكم رغم أنف الشعوب، هو الذي أدَّى بنا إلى الفشل، والتفرق والتنازع هو الذي كرَّس هذا الفشل، وصدق الله- تعالى- إذ يقول: ﴿وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾ (الأنفال: 46).

هل نحن على مستوى التحدي؟

إن دم الشيخ الشهيد "أحمد ياسين" ودماء شهداء العراق و فلسطين معلقة فوق رؤوس الحكام العرب تُناديهم أن يرتفعوا إلى مستوى الأحداث، وأن يراجعوا أنفسهم، وأن يتخذوا القرارات الصعبة في هذه الظروف العصيبة.

القمة العربية يجب أن تنعقد دون تأخير، ولكن انعقادها دون اتخاذ قرارات جادَّة قد يعني باختصار: نهاية مرحلة من تاريخ العرب، وبداية فوضى لا ندري ما الذي ينتج عنها وما الذي ستدمره في أتونها.. وأذكِّر القادة العرب بأن العواصف القادمة تستلزم التترس والاحتماء- بعد الله- بالشعوب.

وإنني أخاطب الشعوب العربية اليوم

إن حلم الوحدة العربية لم ولن يسقط، وإن الفشل الذي تسبب فيه بعض الزعماء لن يحطم آمالنا، ولن يصيبنا بالإحباط أو اليأس، فاليأس ليس من أخلاق المؤمنين، وإن الملايين التي خرجت تُعلن ولاءها لله ولرسوله وللجهاد في سبيل الدين في أعقاب اغتيال شيخ المجاهدين ؛ هذه الملايين قادرة- إن حولت كلامها إلى عمل، وهتافها إلى نشاط، وحماسها إلى خطط- أن تحقق آمال العرب والمسلمين ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ (الرعد: 11)، فابدأوا بأنفسكم ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى﴾ (المائدة: 2)، ﴿اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران: 200)

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم