وفاة الداعية الإسلامية .. زينب الغزالي
توفيت الداعية الإسلامية زينب الغزالي، أحدى أركان العمل الإسلامي النسائي في الوطن العربي والاسلامي، يوم الأربعاء 3-8-2005 في القاهرة عن عمر يناهز 88 عاما بعد أن أمضت نحو 53 عاما في حقل الدعوة الإسلامية عبر أنحاء عديدة من العالم الإسلامي.
ولدت زينب محمد الغزالي الجبيلي في 2 يناير 1917 في إحدى قرى محافظة البحيرة (شمال القاهرة)، ينتهي نسب والدها من أبيه إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه.. ونسب أمها إلى الحسن بن علي t.. وكان جدها تاجراً شهيراً للقطن أما والدها فهو من علماء الأزهر، وغرس فيها حب الخير والفضيلة والقوة في الحق.
كان يسميها "نسيبة بنت كعب" تيمنا بالصحابية الجليلة "نسيبة الأنصارية"، التي تزينت باثني عشر وساما ما بين طعنة وضربة سيف تلقتها يوم أحد حين ثبتت مع النبي عليه الصلاة السلام في ساعة تراجع من حوله الناس.. وكأن الوالد يؤهلها لما تخبئه لها الأيام فيصنع لها سيفا من خشب، ويخط لها دائرة على الأرض بالطباشير، ويقول لها قفي واضربي أعداء رسول الله فكانت تقف وسط الدائرة.. تضرب يمينا وشمالا.. من الأمام والخلف.. ثم يسألها كم قتلت من أعداء رسول الله rوأعداء الإسلام؟.. فتجيب المجاهدة الصغيرة: واحداً.. فيقول لها اضربي ثانية.. فتسدد الصغيرة طعناتها في الهواء وهي تقول: اثنين.. ثلاثة.. أربعة!!.
حرصها على دراستها
وبعد وفاة والدها وهي في العاشرة من عمرها، انتقلت مع أمها وإخوتها للعيش في القاهرة، وكافحت من أجل إكمال تعليمها برغم اعتراض أخيها الأكبر، وقرأت في صغرها للأديبة "عائشة التيمورية" وتأثرت بها، وذات يوم خرجت من منزلها بحي شبرا وعمرها اثنا عشر عاما وراحت تتجوَّل في الشوارع، فوقعت عيناها على مدرسة خاصة بالبنات فطرقت بابها، وعندما سألها البوَّاب عن غرضها، قالت له: جئت لمقابلة مدير المدرسة فسألها: لماذا؟ فقالت وهي واثقة من نفسها: أنا السيدة زينب الغزالي الشهيرة بنسيبة بنت كعب المازنية.. ولديّ موعد معه.. فأدخلها البواب وهو يتعجب من طريقة هذه الفتاة الصغيرة!!! خاصة بالبنات فطرقت بابها، وعندما سألها البوَّاب عن غرضها، قالت له: جئت لمقابلة مدير المدرسة فسألها: لماذا؟ فقالت وهي واثقة من نفسها: أنا السيدة زينب الغزالي الشهيرة بنسيبة بنت كعب المازنية.. ولديّ موعد معه.. فأدخلها البواب وهو يتعجب من طريقة هذه الفتاة الصغيرة!!!.
دخلت مكتب المدير وبادرته قائلة في طريقة آلية: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أنا السيدة زينب الغزالي، ولقبي نسيبة بنت كعب المازنية.. فنظر إليها الرجل، وتصور أن بها مسّاً من الجن.. ثم سألها ماذا تريدين يا سيدة زينب أو يا سيدة نسيبة؟ فقصت عليه قصتها وموقف شقيقها الأكبر من تعليمها وطلبت منه أن يَقْبلها طالبة في مدرسته.. وعندما سأل عن والدها وأخيها عرفها كل ثقة.. ثم انتقلت بعده إلى الصف الأول وبعد شهرين من انتظامها في الدراسة أجرى لها اختبارا ألحقها على إثره بالفصل التالي... وهكذا درست زينب في المدارس الحكومية لكنها لم تكتف بذلك.. فأخذت تتلقى علوم الدين على يد مشايخ من الأزهر منهم عبد المجيد اللبان ومحمد سليمان النجار رئيس قسم الوعظ والإرشاد بالأزهر.. والشيخ علي محفوظ من هيأة كبار العلماء بالأزهر.. وبهذا جمعت زينب بين العلوم المدرسية الحديثة والتقليدية القائمة على الأخذ المباشر من الشيوخ.
وعرف أسرتها.. وعرف جدها تاجر الأقطان المشهور ووالدها الأزهري المعروف.. وأعجب مدير المدرسة بذكاء الفتاة وجرأتها.. فطلب منها إحضار أخيها علي الذي يؤيد تعليمها ليسجلها في المدرسة.. وأجرى لها اختباراً في بعض الأسئلة.. فأجابته بكل ثقة.. ثم انتقلت بعده إلى الصف الأول وبعد شهرين من انتظامها في الدراسة أجرى لها اختبارا ألحقها على إثره بالفصل التالي... وهكذا درست زينب في المدارس الحكومية لكنها لم تكتف بذلك.. فأخذت تتلقى علوم الدين على يد مشايخ من الأزهر منهم عبد المجيد اللبان ومحمد سليمان النجار رئيس قسم الوعظ والإرشاد بالأزهر.. والشيخ علي محفوظ من هيأة كبار العلماء بالأزهر.. وبهذا جمعت زينب بين العلوم المدرسية الحديثة والتقليدية القائمة على الأخذ المباشر من الشيوخ.
بين هدى شعراوي والشيخ النجار
بعد حصولها على الثانوية تعرفت زينب الغزالي على الاتحاد النسائي الذي كانت ترأسه هدى شعراوي وتوثقت العلاقة بينهما، وأصبحت من أعضاء الاتحاد البارزات فنظم الاتحاد النسائي بعثة إلى فرنسا تتكون من ثلاث طالبات، تمنت زينب أن تكون ضمن هذه البعثة.
بعد شهر من إعلان البعثة تحدد موعد سفر أعضائها.. كانت الأحلام السعيدة تداعب قلب زينب وعقلها المتدفق حيوية وأملًا.. ومن بين تلك الأحلام كان الحلم الأكثر تميزاً وتأثيراً.. يوم رأت والدها في منامها يطلب منها عدم السفر إلى فرنسا ويقول لها: إن الله سيعوضك في مصر خيرا مما ستجنينه من البعثة.. فقالت له: كيف؟ قال: سترين.. ولكن لا تسافري لأنني لست راضيا عن سفرك..
وسرعان ما عملت الرؤيا مفعولها.. فاعتذرت زينب عن الذهاب في الرحلة.. وحل الذهول بهدى شعراوي التي كانت زينب أملا من آمالها.. وتعدها لتكون إحدى العضوات البارزات في الاتحاد النسائي.. وعندما قصت عليها زينب الرؤيا التي رأت.. قالت لها: إن من الأحلام ما يتحقق ومنها ما لا يتحقق.. لا تضيعي الفرصة من يدك يا زينب.. واحتضنتها وهي تبكي.. لكن زينب أصرت على موقفها الجديد وقالت: ما دام والدي قد أمرني فلن أخالف أمره.
وظلت زينب تردد شعارات هدى شعراوي وتتبنى مشروعها لتنمية المرأة وإعدادها للنهوض بدورها الثقافي والاجتماعي..
وفي تلك الفترة خاضت مناظرات ومجادلات مع عدد من الأزهريين المناهضين للاتحاد النسائي ذي التوجهات التحررية، وطالب بعض الأزهريين بمنعها من الوعظ في المساجد، وقد انبرى الشيخ محمد النجار لمواجهة زينب بالحكمة والموعظة الحسنة.. فاستمع إليها وهي تدافع عن هدى ي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت أن تجعلها للإسلام إنك على كل شيء قدير.. أسألك بالقرآن أن تجعلها للإسلام!!!.
شعراوي وجمعيتها وأهدافها النبيلة
وقد لاحظ الشيخ قوة بيانها وفصاحتها.. وانتظر حتى انتهت من حديثها ثم تقدم منها برفق قائلا: هل تسمحين يا ابنتي أن أحدثك قليلا حول الدعوة الإسلامية؟ فأجابت طلبه المهذب وجلست تستمع إليه.. رفع الشيخ المبارك يديه إلى السماء سائلا ربه: اللهم إنِّي أسألك بأسمائك الحسنى وبكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت أن تجعلها للإسلام إنك على كل شيء قدير.. أسألك بالقرآن أن تجعلها للإسلام.. وصل اللهم على سيدنا محمد.. ولمحت زينب دموع الصدق التي رافقت دعاء الشيخ.. فتأثرت نفسها، وسألت الشيخ وهي تخفي دمعها: لماذا تعتقد أنني لست مع الله وأنا أصلي وأصوم وأقرأ القرآن، وسأحج بيت الله حين أستطيع.. كما أتمنى أن أستشهد في سبيل الله.. فقال الشيخ الحكيم: أحسبك كذلك.. واستمر يدعو لها ثم سألها: هل ستعودين إلى هدى شعراوي بعد خروجك من هنا أم ستبقين مع الله ورسوله؟.. فقالت: وأنا مع هدى شعراوي أعتبر نفسي مع الله ورسوله.. لكنها عاهدته على نصرة الحق.. واستمرت علاقتها بالشيخ الذي علمها أمورا كانت تجهلها وأخرى كانت تخطئ فهمها!!!.
هزة ربانية تعرضت زينب بعد ذلك لحادث الكريم.. وإن كان غضبك علي لأنني ارتديت القبعة فسأنزعها وسأرتدي حجابي.. وإني أعاهدك وأبايعك يا ربي إذا عاد جسمي كما كان عليه فسأقدم استقالتي من الاتحاد النسائي، وأؤسس جماعة لنشر الدعوة الإسلامية، وأدعو المسلمات إلى ما كانت عليه الصحابيات، وأعمل من أجل الدعوة وأجاهد في سبيلها ما استطعت.. ويتقبل الله الكلمات الصادقات وتتنزل الرحمات.. ويذهل الجميع لمعجزة الشفاء الذي كان أملاً بعيدا قبل أن تصعد دعوات زينب إلى السماء.. ومن الطريف أن الطبيب رفض أن يتقاضى أجرا على شفاء لم يصف له دواء!!!
زينب في ثوبها الجديد!!
أوفت زينب بعهدها لربها فور تمام شفائها.. وبدأت انطلاقتها الجديدة بخمار يتوج رأسها.. وإيمان يغمر قلبها.. واستقالت من الاتحاد النسائي.
وحاولت هدى شعراوي أن تؤثر في قرار زينب، وقالت وهي تبكي: يا زينب كنت أريدك خليفتي من بعدي.. فقالت زينب: لقد اخترت واختار الله فأنا مع اختيار الله وسأظل ابنتك الوفية وسأذكر فضلك ومكارمك..
أسست جمعية السيدات المسلمات في عام 1937م.. وحصلت على التصريح من وزارة الأوقاف ولم يتجاوز عمرها الثمانية عشرة ربيعاً.. وكان معها موافقة على إنشاء خمسة عشر مسجدا .. وأقامت الكثير من المساجد الأهلية.. وكانت تعقد 119 اجتماعا في السنة، وأصدرت مجلة لقيت ترحيبا واسعا... وخلال عقدين من الزمان جذبت خلقا كثيرا منهم بعض قيادات الثورة.
بين هدى شعراوي والامام حسن البنا
بدأت صلتها بجماعة الإخوان المسلمين بعد تأسيس جمعيتها بعام، واقترح عليها الإمام حسن البنا مؤسس الجماعة ضم جمعيتها إلى الإخوان وأن ترأس قسم الأخوات المسلمات في الجماعة، لكنها رفضت في البداية ثم عادت إلى التنسيق مع الإخوان بعد عام 1948 وأصبحت عضوة في الإخوان المسلمين، وكلفها الشيخ البنا بدور مهم في الوساطة بين جماعة الإخوان والزعيم الوفدي مصطفي النحاس رئيس وزراء مصر حينها، كما لعبت دورا مهما في تقديم الدعم والمساندة لأسر الإخوان المعتقلين بعد أزمة 1954م مع قادة ثورة يوليو 1952 زمن الثبات والمواجهة.
لم يقتصر عمل الجمعية على أعمال الخير.. بل اتجهت للعمل السياسي الذي لا يمكن فصله عن العمل الاجتماعي.. ولما كان هدف الجمعية الدفاع عن الإسلام والمطالبة بالشريعة ودعوة المسلمين إلى كتاب الله.. فقد اصطدمت مع جميع ادات في آب 1971، بعدها توجهت زينب الغزالي إلى عدد من الدول العربية والإسلامية في رحلات دعوية، وكان لها إسهامات بارزة في الصحافة الإسلامية، كما زارت الجبهة الأفغانية أثناء الجهاد ضد الاحتلال السوفيتي في الثمانينيات أكثر من مرة، ولها عدد من الكتب منها: (أيام من حياتي) و(نحو بعث جديد) و(نظرات في كتاب الله) ولزينب الغزالي رؤية لمستقبل المرأة المسلمة.. وترى أن تطوير العالم الإسلامي وتحديثه يجب أن يتم أيضا عبر المرأة، كما أن النهضة بالمجتمع (تبدأ وتنتهي عندها)
المصدر
- مقال:وفاة الداعية الإسلامية .. زينب الغزاليمجلة الرائد