نقيب المهندسين الأردنيين: ندعو للتهدئة دون تنازل عن الحقوق
- الدور المهني والسياسي للنقابات لا يفترقان
- الحكومة هي المسئولة عن حالة التصعيد معنا

وقفت النقابات المهنية في الأردن سدًّا منيعًا في وجه المطامع والضغوط الأمريكية والصهيونية على حدٍ سواء، وكان لها السبق في عقد الندوات والمؤتمرات والمحاضرات والمهرجانات الهادفة إلى التعريف بحقيقة هذه المطامع والضغوطات المحاكة ضد الوطن من قِبَل العدو.
والمتتبع للشارع الأردني في الآونة الأخيرة يلحَظ مدى الفجوة الحاصلة بين النقابات المهنية من جهة والحكومة من جهة أخرى، فالأخيرة قامت مؤخرًا بتصعيد غير مسبوق ضد النقابات وأعضائها؛ حيث قامت بحظر أي نشاط للنقابات دون ترخيص مسبق حتى لو كان هذا النشاط داخل أسوارها.. زد على ذلك قيام أفراد من قوات الأمن بتمزيق اللافتات الداعية إلى مقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني والمعلَّقة على واجهات المبنى، إضافةً إلى ذلك قيامهم بإزالة لوحة للأسرى الأردنيين في السجون الصهيونية كانت معروضةً على واجهة المجمع، واقتحامات متكررة طالت جميع دوائره.
وللوقوف على حقيقة الأمر ولمعرفة آخر المستجدات بين الحكومة والنقابات وما آلت اليه الأوضاع المتدهورة هناك التقى مراسل (إخوان أون لاين) في الأردن بنقيب المهندسين ورئيس مجلس النقباء "بالإنابة" المهندس وائل السقا، وكان لنا معه الحوار التالي:
- في البداية نرجو منكم توضيح دور النقابات المهنية في الأردن، وهل يطغى دورها المهني على دورها السياسي؟
- النقابات المهنية الأردنية مؤسسات وطنية عريقة متجذرة في المجتمع والدولة الأردنية، عمرها ينوف على نصف قرن، تضم نخبة هذا المجتمع وصفوته المثقفة، ارتقت بالعمل المهني كالهندسة والطب والمحاماة والصحافة والصيدلة وغيرها من المهن العليا في السلم المهني، وقامت بتنظيمها وضبط ممارساتها المهنية بالتنسيق مع الهيئات العربية والدولية والإسلامية المماثلة؛ لتكون في خدمة المجتمع والدفاع عن مصالح منتسبيها ومكتسباتهم، وتأمين العيش الكريم للأعضاء في حياتهم ولعائلاتهم بعد مماتهم، وحقَّقت مظلةً واسعةً من التأمينات الصحية والاجتماعية والتقاعدية والاستثمارية، فأصبحت مثلاً يحتذى لمؤسسات المجتمع المدني في الأردن والدول العربية كافة.
- وقامت النقابات المهنية في الأردن بتنظيم آلاف النشاطات العلمية والمهنية والنقابية عبر سنين طويلة من عمر هذه النقابات، فشكلَّت مساحةً تزيد عن95 % من نشاطها ولكن لم تغفل النقابات منح مساحة ولو متواضعة لاهتمامها بالشأن الوطني العام والقضايا القومية والثوابت الإسلامية؛ إذ إن من حق منتسبي النقابات- وهم جزء من المجتمع والأمة- أن يعبِّروا عن آرائهم المنحازة دومًا إلى مصالح وطنهم ومبادئ أمتهم وعقيدتهم، حسبما كفل لها بذلك الدستور الأردني.
- ألا ترى أن دور النقابات السياسي قد طغى على دور الأحزاب؟!
- يجب أن نفرق بين العمل السياسي الذي يهدف إلى الحصول على السلطة والدخول في التشكيلات الحكومية والتنافس على المقاعد النيابية وبين العمل الوطني الذي يعبِّر من خلاله منتسبو النقابات المهنية عن آرائهم في القضايا العامة التي تمس مهنتهم أو تؤثر على مصالح مجتمعاتهم ومصائر أوطانهم وأمتهم، من خلال الأساليب المشروعة بالكلمة والمحاضرة والكتابة والمقال والنشرة والصورة والنشاطات المتاحة المختلفة، فالعمل الأول من اختصاص الأحزاب وحدها، وتنأى النقابات المهنية بنفسها عنه تمامًا، وأما العمل الثاني فهو واجبٌ محتَّمٌ على كل مواطن وكل مؤسسة تنتمي إلى هذا الوطن وهذه الأمة.
- هل ترى أن القوانين الأردنية تمنع النقابات من ممارسة عملها السياسي؟
- الدستور الأردني كفل للمواطنين- أفرادًا وجماعاتٍ- حريةَ التعبير عن آرائهم بكل الوسائل السلمية المشروعة بالكلمة والرسم والتعبير والتصوير والاعتصام والمسيرة والإضراب.. هذا بشكل عام، أما فيما يخص النقابات المهنية فإن قوانينها فهي التي تحكم عملها وتشرِّعه، وهي قوانين مرَّت بمراحلها الدستورية وصدرت بإرادة ملكية سامية، وأصبحت نافذة المفعول تكلِّف السلطة التنفيذية (الحكومة) بتطبيقها وحمايتها والدفاع عنها، وقد نصَّت قوانين النقابات جميعًا على تنظيم مزاولة المهنة والانتفاع بها في التعبئة الحضارية والاقتصادية والقومية ضمن أهداف إنشاء النقابات، كما تضمنت موادها وأنظمتها أن من أهم واجبات النقابي الاهتمام بالمجالات العامة في المجتمع، وشرَّعت العديد من موادها تشكيل اللجان التي تساعد مجالس النقابات في النواحي العلمية والاجتماعية والثقافية.
- ما السبب المباشر لإقدام الحكومة على خطوات التصعيد مع النقابات؟
- هذا السؤال يجب أن يوجَّه لمن قام بالتصعيد وهو الحكومة؛ حيث إننا في النقابات المهنية لم نقابل التصعيد بالتصعيد، بل لا زلنا نتبنَّى نهج التهدئة والحوار والاتزان والتعقُّل والحكمة؛ حفاظًا على مصالح الوطن العليا في هذه المرحلة الحرجة التي تمرُّ بها أمتنا ويتأثر بها وطننا، وإن كنا نلمح بأن الضغوط الدولية الأمريكية والصهيونية لا يطيب لها أن ترى منابر النقابات المهنية تدافع عن سيادة الوطن، وتقاوم التطبيع مع العدو الصهيوني، وتطالب برحيل الاحتلال الصهيوني والأمريكي من الأراضي العربية، وتريد لهذه المنابر أن تتحول إلى منابر داعية للتطبيع مع أعداء الأمة والسكوت عن الفظائع التي تُقترف بحق شعوبها.
- ومن المستفيد من ذلك فى رأيك؟
- المستفيد بالدرجة الأولى هم أعداء الوطن وأعداء الأمة، والذين يغيظهم تناغم وانسجام النسيج الاجتماعي الواحد لأبناء هذا الوطن.
- إلى أين وصلت درجة التصعيد؟
- قامت النقابة يوم الجمعة 25/2/ 2005 م بعقد هيئة عامة استثنائية حضرها جمهور غفير من المهندسين، أكدت من خلالها على التفاف الزملاء المهندسين حول نقابتهم ومجلسهم المنتخَب بطريقة شرعية وديمقراطية، كما أكدوا على حق النقابات المهنية في التعبير عن رأي منتسبيها في القضايا الوطنية العامة، وأيَّدوا القيادات النقابية في نهجهم المستند إلى العقل والحكمة والدعوة إلى التهدئة في إدارة هذه الأزمة التي نرجو أن تكون عابرة.
- نستغرب أشد الاستغراب من حكوماتنا التي تطرح مثل هذا الطرح، علمًا بأن عدة رؤساء حكومات- منهم رئيس الحكومة الحالي- قد التقَوا مع مجالس النقباء المتعاقبة، وبحثوا معها سبل تطوير وتنسيق العلاقة المتكاملة بين النقابات والأجهزة الحكومية المختلفة، فهل يُعقل أن يقومَ رؤساء الوزارات بمخالفة القانون والالتقاء مع مجالس غير قانونية وغير دستورية وينسقون معها ثم بعد ذلك يتهمونها بالخروج على القانون، بل إن جلالة الملك الراحل الحسين بن طلال قد زارَ مجمع النقابات المنية والتقى بمجلس النقباء في زيارة تاريخية أكَّد من خلالها رأس السلطات على شرعية وقانونية ودستورية هذا المجلس، ثم إن هذا المجلس عبارة عن مجلس تنسيقي بين رؤساء النقابات المهنية التي تستند في وجودها إلى القانون والدستور.
- أما بخصوص اللجان الوطنية فهي منصوصٌ على حق المجلس في تشكيلها ضمن مواد قانونه ونظامه الداخلي كما أسلفنا سابقًا، علمًا بأن الأنظمة الأساسية لاتحادات المهنية العربية والإسلامية والدولية- والتي نحن في نقابة المهندسين الأردنيين جزءٌ منها- تنص على تناول القضايا الوطنية العامة والقضايا القومية والإنسانية كجزء من اهتمامات النقابات والاتحادات الهندسية.
- في حال بقيت الأمور على ما هي عليه.. هل ستُقْدمون على الاستقالة الجماعية كما هددتم سابقًا؟
- إننا كنقباء ومجالس نقابية نعتبر الهيئات العامة مرجعَنا الأساسي، فهي التي انتخبتنا وأعطتنا ثقتها وهي التي تصوغ السياسات العامة للنقابات المهنية، وحسب ما يحدث من تطورات سنجعل هذه الهيئات العامة صاحبةَ القرار في أي توجه مصيري.. إلا أننا نعتقد أن هذه الهيئات العامة تدعم توجَهَنا الحالي في إدارة هذه الأزمة.
- كيف ترى حجم التأييد من أعضاء النقابات المهنية لدورِكم ووقوفهم مع قضيتكم؟
- كان هذا واضحًا من خلال الهيئة العامة التي عُقدت يوم الجمعة25/2/2005م إذ لم تكن نسبة المعارضين لموقفنا تتجاوز 1-2% على أبعد التقدير، وهذا طبيعي لأنه من غير المعقول أن يقف الإنسان ضد مصالحه ومكتسباته، فالهجمة الحكومية لا تهدف فقط إلى حرمان النقابات المهنية من حقها في التعبير عن مواقفها وآرائها في القضايا الوطنية والعامة، بل تهدف إلى تحجيم النقابات المهنية وتقزيمها إلى جمعيات منزوعة الصلاحيات مسلوبة الإرادة وتغيير قوانينها دون الرجوع إلى هيئاتها العامة وإلغاء إلزامية عضويتها؛ مما يفتح الباب على مصرعيه لفوضى مهنية عارمة تضر بالمجتمع أولاً قبل أن تضر بالمهنيين أنفسهم، كما تهدف إلى فرض السيطرة والتدخل في إدارة الصناديق المالية والتقاعدية والاستثمارية الغنية بالنقابات المهنية؛ مما يهدد هذه الصناديق بالضعف والإفلاس كما حدث مع العديد من الصناديق التي وقعت تحت سيطرة الإدارة الحكومية المترهلة.
- هل تعتقد أن هذه المرحلة الحرجة تحتاج إلى التصعيد مع الحكومات في ظل الضغوط الأمريكية على المنطقة.. أم أن الأمر يحتاج إلى تفاهمات؟
- نحن كنا وما زلنا مع التفاهم والتنسيق، وندعو إلى التهدئة والحوار والعقلانية، ونحن على أتمِّ استعداد لتفهم ظروف المرحلة وتقدير موقف الحكومة دون المساس بخطين أحمرين:
- الأول: حق النقابات المهنية في التعبير عن رأيها في القضايا الوطنية والعامة، ورفض التطبيع مع العدو : الصهيوني، ورفض الاحتلال الأجنبي لبلادنا العربية والإسلامية، وحق المقاومة في ممارسة دورها ضد المحتل هذا الحق المكفول شرعيًا وقوميًا ودوليًا وإنسانيًا.
- الثاني: الحفاظ على المكتسبات المهنية والمالية للنقابيين، وعدم المساس بقوانين النقابات إلا عبر القنوات الدستورية الصحيحة والتي تبدأ بهيئاتها العامة.
المصدر
- مقال:نقيب المهندسين الأردنيين: ندعو للتهدئة دون تنازل عن الحقوقإخوان أون لاين