نفط العرب ومصير العراق وأميركا
بقلم : عبد العال الباقوري
منذ غزو العراق واحتلاله في 2003، لم تفصح الدوائر الأميركية المختلفة، سواء دوائر الإدارة أو دوائر معارضيها وناقديها، عن دور النفط في هذا العدوان، كما أفصحت في الفترة الأخيرة، في أعقاب العدوان والاحتلال مباشرة، بل قبلها، كانت هناك إشارات إلى العامل النفطي، بناء على دوره في تحديد أهداف ومصالح الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة العربية، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وبعد سقوط الاتحاد السوفييتي ومنذ العقد الأخير من القرن العشرين أصبحت أهداف ومصالح أميركا في المنطقة والوطن العربي تتمثل في ضمان تدفق النفط العربي، بل والسعي إلى فرض «أدوات» تحقق ذلك، ولعلنا لا نزال نذكر تصريحات هنري كسينجر وزير خارجية أميركا في السبعينيات عن احتلال مصادر البترول العربي، حتى لا تتكرر تجربة الحظر التي جرت في إطار حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973.
الضغط الأميركي في هذا المجال منذ السبعينيات إلى التسعينيات من القرن الماضي جعل الحديث عن النفط كسلاح سياسي يتوارى، وأصبح العرب أنفسهم يتحدثون عن ثروتهم الطبيعية كأداة اقتصادية فقط.
وبقي العراق وحده يتحدث عن النفط كسلاح سياسي بالإضافة إلى ذلك دخل العراق مرحلة تصنيع البتروكيماويات، على الرغم مما تعرض له من خسائر في الحرب الطويلة مع إيران، وحرب التدمير في 1991 وما تلاها من حصار.
أما الهدف الأميركي الثاني ـ إلى جانب النفط ـ فقد كان الحفاظ على التفوق الإسرائيلي ضد الدول العربية مجتمعة.. هذان الهدفان تحددا وبرزا بشكل واضح في ظل إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش، وفي ظل الدور الكبير الذي أصبح المحافظون الجدد يلعبونه في هذه الإدارة.
وهؤلاء المحافظون الجدد صهيونيون قبل أن يكونوا أميركيين وقد جعلوا أميركيتهم في خدمة صهيونيتهم وكتاباتهم في هذا المجال عديدة، ولا تزال مستمرة إلى اليوم.
ومع ذلك فإن خبثهم الصهيوني دفعهم في أحيان كثيرة إلى مواراة الحديث عن العامل النفطي، على الرغم من أن دعواتهم إلى ضرب العراق ترجع في بعض المصادر إلى ثمانينيات القرن الماضي، خاصة عند بول وولفوتز حين كان عميداً لكلية السياسة في جامعة هوبكنز.
على أية حال، شهدت الفترة الأخيرة دلائل واعترافات من أميركيين كان لهم دورهم في إدارة بوش بأن العامل النفطي كان حاسماً في دفع أميركا إلى غزو العراق واحتلاله. وتمثل هذا بشكل خاص في مذكرات آلان غرنيسبان الرئيس السابق للاحتياطي الفيدرالي الأميركي أي البنك المركزي الأميركي، والتي بلغت الإشارة إليها في الأسبوع الماضي، مع ربط هذه المذكرات مجموعة الشهادات التي شهدها الكونغرس الأميركي في خلال شهر أيلول / سبتمبر الماضي، وبالبحوث العديدة التي توالت في فترة قصيرة،
والتي صدرت عن أهم مراكز الدراسات الاستراتيجية الأميركية، لدرجة أن المحلل الاستراتيجي المعروف انتوني كوردسمان» أصدر في شهر واحد ثلاث دراسات مهمة عن العراق، إلى جانب دراسة عن الميزان العسكري السوري ـ الإسرائيلي، وقد صدرت هذه الدراسات عن مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية في واشنطن، ولعل الدراسة التي صدرت في الرابع من أيلول / سبتمبر الماضي أهم هذه الدراسات إذ أن عنوانها يوحي بمضومنها «فرصة أميركا الأخيرة في العراق: الاستراتيجية الأميركية المتغيرة للوفاء باحتياجات العراق الواقعية».
وقد ابرز كوردسمان «العامل النفطي في الاستراتيجية الأميركية الملائمة في العراق.
فهو يشير إلى تزايد اعتماد أميركا على الواردات من النفط في العقد القادم، حيث أن العراق يختزن في أرضه حوالي 12% من الاحتياطي البترولي النفطي المؤكد عالمياً، في حين يبلغ نصيب دول الخليج حوالي 60%، و40% تقريباً من احتياطي الغاز العالمي.
إن حديث الانسحاب على مراحل، يتردد على استيحاء في دراسة كوردسمان على العكس من دراساته السابقة، والأكثر عمقاً بشان العراق، واحتمالات المستقبل، وهو لا يكتفي بأن يذكر أن الانسحاب الأميركي قد يستغرق فترة عامين، بل يختتم هذه الدراسة بعبارة متعددة الإيحاءات إذ يقول: إن الفشل يمكن أن يكون سريعاً.
وأن شكل من «النجاح الأميركي» قد يحتاج على الأقل إلى نصف عقد من الصبر الاستراتيجي، وهو يتحدث عما يسميه فترة أو خطة عبور بين إدارة بوش والإدارة التي ستخلفها ويقول: بأن الكونغرس والمرشحين الديمقراطيين يحتاجون أيضاً إلى أن يتطلعوا إلى ما بعد انتخابات 2008، وبأفق بعيد عن الانتهازية السياسية.
وأياً كانت أخطاء الماضي، فإن الولايات المتحدة تحتاج، من وجهة نظر كوردسمان إلى ما يسميه «التزاماتها الأخلاقية واحتياجاتها الاستراتيجية المستقبلية، وهذا يتطلب من الرئيس الأميركي المقبل جهداً مزدوجاً والتزاماً واضحاً، ولا يعني هذا تأييد المستوى الحالي للقوات (الأميركية في العراق) أو التزام نهائي محدد إذ لم تتقدم إلى الأمام عملية المصالحة السياسية (الداخلية) من العراق، وفي الربيع المقبل.
بل يعني التزاماً ممتداً إن تحققت المصالحة.
أليس هذا ما عبر عنه هنري كسينجر بقول إنه «من المحظور الفرار من العراق»، وهذا عنوان مقاله الذي نشرته صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية في 20 أيلول / سبتمبر الماضي، إنه يدافع عن إدارته للأزمة الفيتنامية في ظل إدارة الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، ويدعو إلى الاستفادة من دروس هذه الأزمة.
وهو يرفض وجهة نظر الحزب الديمقراطي التي طالبت بتحديد موعد نهائي للانسحاب من العراق ويرى أنه ليس من الممكن وضع خطة عشوائية كما يرى أنه من المحظور وضع قدرة الشعب الأميركي على الصمود موضع الاختبار، ويخلص كسينجر إلى وصف الانسحاب السريع وأحادي الجانب من العراق بأنه «سيكون كارثة». ويدعو بدلاً من ذلك إلى تسوية سياسية من خلال وجهات النظر التي يناقض بعضها بعضاً، أو تتطابق فيما بينها،
سواء من ذلك وجهات نظر الأحزاب العراقية المختلفة أو الدول المجاورة للعراق، أو الدول الأخرى ذات العلاقة بهذه القضية، فبدون ذلك، بدون مثل هذه التسوية «سيفيض الطوفان العراقي على الجانبين ويفرق جميع الضالعين في الأمر» ويدعو وزير الخارجية الأميركية الأسبق وأخبث دبلوماسي أميركي ذي ميول صهيونية عرفته السياسة الأميركية في الوطن العربي، إلى أنه يجب على الرئيس بوش أن يتقدم قدر المستطاع نحو هذا الهدف، أي نحو التسوية التي حددها أطرافها، منا أن هذا أيضاً هو واجب الرئيس الذي سيحل محله في البيت الأبيض.
والخلاصة، يرى كسينجر أن ما تحتاج إليه أميركا في العراق حالياً أكثر من أي شيء آخر هو «إعادة بناء الشراكة الديمقراطية الجمهورية في الفترة الرئاسية الحالية، وفي الفترة الرئاسية المقبلة».
وهذا يعني باختصار أن الانسحاب الأميركي الكامل والشامل من العراق لم يعد وارداً في 2008.
بل أصبح الحديث السائد في الإدارة الأميركية ومن دوائر مختلفة خارج الإدارة عن وجود أميركي دائم في العراق، وعن استمرار قوات الاحتلال بشكل أو آخر لمدة عقد من السنوات حسبما صرح به بوش نفسه.. ماذا وراء هذا؟
إذا كان العرب واعين بالخطر وجادين في مواجهة مثل هذه الأخطار والمخططات، ما عليهم سوى أن يتذكروا مقولة كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية الحالية ومستشارة الأمن القومي السابقة بأن العراق «مفتاح إعادة تشكيل المنطقة بأكملها» أدلت بذلك في أول اجتماع لمجلس الأمن القومي في إدارة بوش.
وفي الاجتماع الثاني للمجلس نفسه قال دونالد رامسفيلد وزير الدفاع عنئذ: «تخيلوا ما ستكون عليه المنطقة من دون صدام، وبنظام منحاز إلى المصالح الأميركية.
سيغير ذلك كل شيء في المنطقة وما وراءها».
حقاً، تخيلوا!! ولكن لماذا نتخيل، ألم يصبح الخيال واقعاً؟
إن هذا بعض ما رواه بول أونيل أول وزير خزانة من إدارة بوش واقتبسناه من دراسة هاني فارس عن «السلسلة المتصلة بين فلسطين و العراق و لبنان » المنشورة في عدد أيلول / سبتمبر الماضي من مجلة «المستقبل العربي» أي عند وصول بوش البيت الأبيض في 2000 «بدأ رسم خرائط حقول النفط العراقية ومناطق التنقيب، وسرد الشركات التي ربما تكون مهمته باستغلال هذه الأصول الثمينة».
وأشار هاني فارس في دراسة إلى أن كسينجر ـ كسينجر إياه، كان ـ إلى جانب بوش ونائبه تشنيي من أكبر الداعين إلى أن «مصير العراق والشرق الأوسط ونفطه، وأوروبا والولايات المتحدة في نهاية المطاف سيكون مهدداً إذا هزمت أميركا في العراق أو تركته قبل أن تتمكن من صياغة مستقبل هذا البلد».
المصدر
- مقال:نفط العرب ومصير العراق وأميركاالمركز الفلسطينى للتوثيق والمعلومات