ناشطون ومتمولون
7 يونيو 2009
بقلم: عماد الدين حسين
ناشط مصرى بارز فى مجال حقوق الإنسان قال لصديق له: إنه شعر بأنه فقد والده عندما خرج جورج بوش الابن من رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية.
لم أصدق حقيقة القصة لولا أن شخصا أثق فيه أقسم لى أن الناشط يقصد هذا الكلام فعلا، وبهذا القياس، فإن هذا الرجل يكون قد فقد والدته وربما كل أسرته عندما استمع يوم الخميس الماضى إلى خطاب الرئيس الأمريكى باراك أوباما من جامعة القاهرة، الذى تضمن ضمن أشياء كثيرة التخلى عن وهم ما سمى بأسطوانة الديمقراطية المشروخة فى المنطقة العربية.
جزء كبير مما يسمى بالمجتمع المدنى فى مصر يشعر بأنه تلقى طعنة نجلاء وفى الصميم عندما غربت شمس إدارة بوش، وتحولت الطعنة إلى خنجر مسموم مع اتضاح سياسات أوباما شيئا فشيئا.
أوباما وإدارته كما تحدث كثيرون، عملى ويريد تحقيق مصالح بلاده بغض النظر عن الشعار المرفوع، ومشكلة الناشط ــ سالف الذكر ــ وأمثاله، إنهم يعتقدون أن بوش أو أوباما أو أى اسم آخر فى أى عاصمة أوروبية أو أمريكية مشغولون فعلا بحقوق الإنسان فى مصر أو الصومال أو كمبوديا.
هذا الناشط، ربما كان مثاليا، وربما كان ساذجا، لكننى ورغم اختلافى معه جملة وتفصيلا فلا أملك إلا أن أحترمه، لأن الرجل فعلا يؤمن أن التغيير قد يتم فى مصر عبر تدخل أمريكا على غرار ما حدث فى العراق مثلا، أو ربما عبر ضغوط دبلوماسية واقتصادية، ولذلك يمكن فهم سر غضبه عندما قال لأصدقائه «إن أوباما سلم كل دعاة ورسل الحرية فى مصر والعالم العربى إلى الحكام كى يتم ذبحهم بدم بارد».
ناشط آخر لكنه أكثر حنكة ويستطيع التواؤم مع كل الإدارات الأمريكية سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية، ليكودية أو كاديمية، يعتقد أن أوباما باعهم وباع الديمقراطية، لكنه فى المقابل لا يلطم الخدود ولا يشق الجيوب، لأنه وأمثاله قد لا نفاجأ بأنهم ربما ينسقون مع الحكومة فى تحركاتهم ومعارضتهم.
يتمنى المرء أن يرى فى مصر مجتمعا مدنيا حقيقيا يستطيع أن يتصدى للفساد الذى ينخر جسد المجتمع.. لكن الحقيقة أن الذين يعملون فى المجتمع المدنى من أجل مصر وشعبها وقضاياه الحقيقية هم قلة «والكثيرون ومعظمهم يتصدرون المشهد، ويتولون مهمة التحليل والشرح والتعليق.. لا يرون فى الأمر بأكمله إلا كعكة التمويل الأجنبى سواء كان بالدولار أو اليورو.
هؤلاء لا تراهم الحكومة خطرا عليها، لأنها ببساطة تملك نسخا من صور الشيكات ومصاريف ورش العمل والتدريب سواء فى القاهرة أو المنتجعات الساحلية أو العواصم الأجنبية.
.. خطر هؤلاء الحقيقى على الشعب، لأنه لا يعرف حقيقتهم.. ليس هناك من هو أفسد من الحكومة سوى هؤلاء الذين يدعون أنهم يعارضونها.
المصدر
- مقال :ناشطون ومتمولون ، الشروق