من المسؤول؟

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
من المسؤول؟


بقلم: الأستاذ عبد القادر الأسمر

هل صحيح أن كل مآسينا وهموم الأمة تقع على عاتق الاستعمار والامبريالية؟ وان ما اصاب شعوبنا من صنوف القهر والظلم والفاقة هو بسبب المؤامرات الخارجية التي تعمل على اعاقة تطورنا؟ ومن ساقنا إلى هذه الحال المتردية سياسياً وأمنياً واقتصادياً وعلى مختلف المستويات؟

سيقولون: الصهيونية العالمية والاحتشاد الغربي، الأوروبي والأميركي، للانقضاض على بلادنا وشعوبنا وعقيدتنا و.. و.. إلى آخر المعزوفة الجديدة التي كانت في منتصف الخمسينيات والستينيات أيام «الطيب الذكر» أحمد سعيد تلقي باللائمة على الرجعية العربية مع اللازمة المعهودة: «الاستعمار والامبريالية».. وكل هذه الاتهامات التي تعلق على مشجب الآخرين من اجل ان نصون انفسنا عن تحمل بعض المسؤولية عما أصابنا من مآس.

هل تذكرون الشعار المعلب «ثورة حتى النصر» الذي جعلوه ذريعة لاتهام كل مناهض لهم بأنه خائن وعميل ويعمل ضد الثورة بالتعاون مع الاستخبارات العالمية والصهيونية والرجعية؟

ألم يكن هذا الشعار البراق حجة لفرض الضرائب واعتماد سياسة التقشف - على الشعوب فقط - فيما «القطط السمان» المتولية مقاليد الحكم ترتع مع الأقرباء والحاشية وأعضاء الحزب الحاكم؟

من المؤلم ان نستعيد هذه الذكريات المرة التي لا نزال نعيش بعض وقائعها، ولكن في اطار جديد وتوصيفات مستجدة، فضلاً عن مسميات مبتكرة، ليس إلا، حيث تغير العدوّ، وتحولت المؤامرة الخارجية الى اتهام داخلي يحمّل الشعوب العربية مسؤولية ما أصاب الأمة من وهن وشقاق، وان الأفكار الارهابية والمتطرفة هي التي تعيث فساداً، وحدها، وان السبب أيضاً هو تلكم المعارضات والطروحات التي تزعزع كيان الأمة واستقرارها.

هم يريدون من جماهير الأمة التزام حركات القرد الثلاث: «لا أرى، لا أسمع، لا أتكلم»، وان يرتضى احدنا القناعة والزهد والرضى بما اصابنا، وألا نعارض او ننتقد او نحتج حتى ولو في سرنا حتى لا نعصي أولي الأمر منا!!

وكيف يتأتى لأي مواطن عربي أن يصمت ويقمع صوته ويصاب بالقرحة وارتفاع الضغط هو يقرأ مثل هذا الخبر الصادر منذ أيام؟

يقول الخبر ما مختصره: نشرت مجلة «أرابيان بيزنس» ما وصفته بقائمة الأغنياء العرب، وقالت ان مجموع ثروات الشخصيات الخمسين الذين ضمتهم القائمة هذا العام بلغ 207 مليارات دولار. وقد دخل الى القائمة 15 اسماً جديداً بثروات وصل حجمها الى أكثر من 40 مليون دولار.

خبر آخر ورد في سياق الاحتجاج على قرار الحكومة السويسرية منع اقامة المآذن أفاد بأنّ العرب يودعون في بنوك سويسرا ما يزيد على 600 مليار دولار، ورغم ذلك فالحكومة السويسرية غير آبهة بمشاعر من يعوّمون اقتصادها ومالها!!

وكيف تكون ردة فعل الانسان العربي وهو يقرأ ويسمع المزيد من الأخبار المماثلة وعن تكاليف الأعراس والطهور والنجاح في الصفوف الابتدائية بمئات الملايين من الدولارات في الوقت الذي صدرت فيه تقارير عن منظمات دولية عدة تتناول الواقع العربي على المستويات الصحية والتعليمية والاجتماعية والتي يقول احدها:

«ارتفع معدل البطالة في البلاد العربية 15٪ هذا العام اضافة الى 26٪ العام الماضي، اي ان معدل البطالة اجمالاً بلغ نحو 41٪، ويحتاج الشباب الجامعيون والمهنيون الى 51 مليون فرصة عمل في عام 2010، اما عن المستوى المادي فإن 65 مليون انسان عربي يعيشون تحت خط الفقر، من بينهم نحو 30 مليون في فقر مدقع...».

ولم نتطرق الى وفيات الآلاف ممن لا يجدون مستشفيات لائقة، وانعدام الرعاية الصحية والحدّ الأدنى من الكفاف الغذائي، ولا الى ارتفاع نسبة الأمية لعدم توافر المؤسسات التعليمية، فهي في رأينا تأتي في الدرجة الثانية من الأهمية بعد القضية الاجتماعية وانعدام فرص العمل.

فكيف ستكون مشاعر هؤلا الخمسين مليون شاب الذين لا يجدون أي فرصة عمل وهم يقرأون قائمة مشاهير الأغنياء في الوطن العربي؟

كيف يقتنعون بأنّ بناء الأبراج والجزر المعدنية التي صرف عليها نحو 100 مليار دولار -حتى الآن- سيعود مردودها الى أبناء الأمة وهم يرون ان كبار القيمين عليها من الانكليز والاميركان، وأن العاملين فيها هم من الهند.

عشرات المليارات تنفق على أسلحة وهمية، فيما يمكن توفير ثمن طائرة لبناء مستشفيات ومدارس ومشاريع تنموية (آبار، خزانات، مياه، طرقات..) في معظم الدول العربية وبخاصة في القارة الافريقية.

هي أخبار متقاطعة تبعث على القلق وتزيد من حنق الشبيبة الذين تدفعهم مظاهر الغنى الفاحش والبذخ الى النقمة ان لم يكن الى الانفجار قبل ان يستدرج بعضهم الى فخ الانتماء الى من يزوده بالمال وبالسلاح طبعاً حتى ولو اتهم في ما بعد بأنه من الارهابيين.

ألم يتساءل القيّمون على مقاليد الأمة عن أسباب ارتماء بعض ابنائنا في احضان التطرف؟

انها احدى مآسي العرب منذ مطلع هذا القرن، ولا دخل هنا للاستعمار والامبريالية والصهيونية، فقد أصبحت هذه المعزوفة سمجة وقد بليت لكثرة التكرار.

وليراجع كل مسؤول ومتصدر القائمة نفسه عما قدمه لأمته وشعوبها.

المصدر