من أجلك أنت يا جمال

بقلم / د. جمال حشمت

الضغوط التي يمارسها النظام الحاكم المصري علي شعب مصر تزداد يوماً بعد يوم ، ومن العجيب انه يتزامن مع تلك الضغوط فشل في الآداء علي كل المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والعلمية والثقافية والصحية والبيئية مما يزيد من الضغوط التي يمارسها علي الشعب المصري ..

ومن أجل تغطية هذا الانهيار الحادث في بنية الدولة كان الكذب علي الشعب وإلهائه بقضايا تافهة يصنعوا منها ملهاة كبيرة ينشغل بها الناس أخرها أنفلونزا الخنازير التي لم تؤجل افتتاح الدراسة لجمع المصاريف ! لكنها لم تستبعد إغلاق المدارس أو الجامعات بعد ذلك !!

نظام أفرط في الإنفاق علي قوات أمن لم يعد هدفها الرئيسي اليوم سوي حماية النظام من أي اضطراب تحت شعار حماية الاستقرار والشرعية ... وكلاهما كذبة ، فلا استقرار مع شعب يزداد كل يوم فقراً ، ويعاني كل ساعة قهراً وحرماناً ..

فالاستقرار هنا لعصبة حاكمة مالكة لأكثر من 80% من ثروات البلاد !!

ولا شرعية مع اعتماد القوة في التعامل مع الخصوم السياسيين والإقصاء لكل القوي السياسية والأحزاب الفاعلة ، مع الإصرار علي تزوير كل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية ، فأين هي تلك الشرعية التي تحميها قوات أمن تخصم جزءاً كبيراً من موازنة الدولة ، وأموال الشعب التي يجب أن توجه لمسارات أخري تحميه من الفقر والجهل والمرض ؟! .

وقد تجاوز النظام الآن قضية الاستقرار والشرعية إلي التوريث ، وفي سبيل ذلك وضع النظام الحاكم كل ثروات مصر ومكانتها تحت أمر جهات خارجية للحصول علي الرضا والتأييد ، تحت مظلة زيادة الاستثمارات وتمثيل العلاقات ، ولعل ما جاء في تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التابعة للاتحاد الأوروبي ، والذي ذكر أن مصر هي ارخص المصادر الموردة للغاز الطبيعي لأوروبا بواقع 4% من حجم الاستهلاك الكلي من خارج القارة الأوروبية !

وما يؤكد ذلك أن سعر الغاز الجزائري الذي يصل لأوروبا يصل إلي 4.2 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية ، بينما مصر تصدره بسعر 1.6 دولار لكل مليون وحدة حرارية !!

وذلك رغم فقر مصر من حيث الاحتياجات التي تتفوق فيها الجزائر ، مما يتسبب فى خسائر يومية لا تقل عن 20 مليون دولار، حيث أن السعر العالمي 12 دولار لكل مليون وحدة غاز !! إضافة لما يتم بيعه بنفس الخسائر للكيان الصهيوني ، والسؤال البديهي :

في مقابل ماذا يتم إهدار ثروات الوطن وحقوق الشعب المصري في بند واحد ؟

أخر البلايا التي يحياها الشعب المصري هذه الأيام إشغالنا بمؤتمر الحزب الحاكم كأنه مناسبة وطنية أو كأن هناك انجازاً يعقب كل مؤتمر !! ، وأكثر ما يضحكنا في هذه المؤتمرات شعاراتها فبعد "بلدنا بتتقدم بينا" وقت ثبت عكسها وبعد مناصرة المواطن الكادح الذي مات من كدحه دون أن يسأل عنه احد ، يختار المؤتمر هذا العام "من أجلك أنت " وأولويته قضايا الفئات الأكثر احتياجاً وان المواطن البسيط هو محور مناقشات الحزب الوطني !!!

والعجب في أن هؤلاء المترفين الذين ذمهم القرآن في كل موضع جاء ذكرهم لا علاقة لهم بالمواطن البسيط وقد جعلوا كل فئات المجتمع أكثر احتياجاً من أساتذة الجامعات للمعلمين للأطباء للموظفين والعمال حتى الفلاحين والطلاب ، صار الجميع في خانة الأكثر احتياجا ، ورغم ذلك تتوجه الاستثمارات للفئات الأعلى حظاً فهذا مشروع يتم في دمنهور لنزع 105 فدان من بسطاء الفلاحين الذين يحيون على زراعتها بعد أن كانت سباخا من أراضي الأوقاف منذ أكثر من 50 عاما ، وعندما تسأل من اجل ماذا تنزع هذه الأرض وتبور بصورة غير شرعية وغير دستورية ـ حيث صارت أراضي الأوقاف وأموال أوقاف المسلمين نهباً للنظام الحاكم ـ ؟

قالوا لعمل مول ضخم !!

لقد تحولت مصر إلي منتجع لدي هؤلاء المترفين ويبدوا أنها من ضمن البضائع التي قدمت لتحسين وجه الوارث والوريث في محافظة البحيرة بلد الأئمة والعلماء والتي تقف حجر عثرة أمام الرضا وقبول النظام الحاكم الذي انشغل بنفسه ومستقبله حتى لو كان الثمن مزيد من الظلم والاستبداد والتفريط في ثروات الوطن !!

ولا حل إلا بانتهاء فكرة التوريث وإدراك صعوبة تحقيقها لأسباب طويلة يطول شرحها أهمها حق الشعب في محاسبة المسئولين عن أسوأ فترة مرت بها مصر ، أولئك الراغبين في الإفلات من استحقاقات المحاكمات العادلة تحت مظلة التوريث وشعار الثلاث ورقات الاستقرار والشرعية ، ولعلنا نصدقهم القول عندما نحذرهم من نشوة السلطة والثروة التي يرقلون فيها مؤقتا بقوله تعالي " يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (20) أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ " سورة غافر ..

دبوس مشبك :

السجون المصرية بأكملها تجأر بالدعاء في جوف الليل إلي الله تعالي لينهي ليل مصر وظلمتها التي طالت وقد أوشك فجرها بالظهور إن شاء الله .

يا جنود الله صبرا إن بعد العسر يسرا

لا تظنوا السجن قهرا ربّ سجن قاد نصرا

المصدر : نافذة مصر