مصر المنعزلة

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث

د/ رفيق حبيب


مصر الرسمية تكرس انعزالها عن محيطها وتحد من دورها الإقليمي بنفسها، في توجه يتزايد مع الوقت، ويدل على أن النظام المصري قد أخرج نفسه بالكامل من المحيط العربي والإسلامي، وبدأ في تأسيس مصر المنعزلة عن محيطها. فمع تسارع وتيرة المواجهة بين مصر وحركة حماس بعد فرض مصر لورقة مصالحة على حركة حماس، بسبب الضغوط الأمريكية على الدور المصري، وعلى مجمل مسار المصالحة الفلسطينية، تتجه الحكومة المصرية إلى تأكيد سيطرتها على حدودها مع قطاع غزة، بالصورة التي تمكنها من خنق القطاع عندما تريد. وهو ما يعني أن النظام المصري يريد امتلاك مفتاح الأنفاق، حتى يستطيع الضغط على حركة حماس، بقفل الأنفاق في وجه سكان قطاع غزة، حتى يجبر حركة حماس على الموافقة على الصورة التي يراها النظام للمصالحة الفلسطينية. وتصور النظام الحاكم متفق مع تصور حركة فتح وقيادة السلطة الفلسطينية، ومتوافق أيضا مع الرؤية الأمريكية، حيث يتفق الجميع على أهمية التوصل لمصالحة توفر الأجواء المناسبة لإجراء انتخابات في الضفة الغربية وقطاع غزة، يتم بمقتضاها إخراج حركة حماس من العملية السياسية وسيطرة قيادة فتح والسلطة النافذة على مجمل الوضع السياسي.

ولكن دور النظام المصري تجاه قطاع غزة، يقطع كل روابط الجيرة والأخوة والعروبة والإسلام، مع الشعب الفلسطيني المحاصر. ومشاركة النظام في حصار قطاع غزة، تنهي كل الدور المصري المناصر للقضية الفلسطينية، وتغير موقف مصر الرسمية إلى النقيض، وتجعلها غريبة عن المنطقة، ولا تربطها بأي طرف آخر، إلا مصالحها الخاصة، أو ربما مصالح النخبة الحاكمة الخاصة فقط. وهذا التغير يؤثر على موضع مصر في الخريطة السياسية والجغرافية، حيث يجعلها تتقوقع داخل نفسها لتحمي مصالح القوى الخارجية الداعمة لها، وتفك روابط الدولة المصرية بأي دور إقليمي.

ولكن دور مصر تجاه قطاع غزة المحاصر، جاء مناسبا لدور مصر الرسمية في مباراة كرة القدم مع الفريق الجزائري، حيث اتضح مدى أهمية مباراة كرة القدم، لدرجة جعلت هذه المباراة أهم من أي روابط تاريخية وحضارية ونضالية، تجمع الشعب المصري والشعب الجزائري. واتضح مرة أخرى، أن روابط العروبة والإسلام، غابت بالكامل عن توجهات النخبة الحاكمة في مصر. فمصر بالنسبة لهم تبدأ وتنتهي عند حدودها، ولم تعد هناك أي روابط تربطها بمحيطها.

وفي نفس اللحظات التي يمارس فيها النظام المصري سياسته لحصار قطاع غزة، تتدهور الأوضاع في السودان لحد يقرب السودان من لحظة انفصال الجنوب عن الشمال. والسودان، الذي ظل لعقود طويلة السودان الشقيق، كغيره من الأشقاء، لم يعد في بؤرة اهتمام السياسة الخارجية المصرية. ونسمع البعض يردد أن القاهرة تحاول توطيد علاقتها مع حكومة الجنوب، حتى إذا حدث انفصال لا تكون حكومة الجنوب معادية لها. ومن المعلوم أن القاهرة ساندت الحركة الشعبية في الجنوب في فترات غضب القاهرة من حكومة السودان، كما من المعلوم أيضا أن فصل جنوب السودان عن شماله، هو خطة حاذت الدعم والقبول الغربي عبر عقود. فالغرب ساند مشروع فصل الجنوب وخطط لدعمه، منذ عقود طويلة. ولكن القاهرة مازالت تقف وكأنها على الحياد، فلم تكتفي مصر الرسمية بأنها منذ خمسة عقود تنازلت عن وحدة وادي النيل، بل أنها الآن تتنازل ولو ضمنيا عن وحدة السودان نفسه. ويبدو أن فصل جنوب السودان عن شماله، لا يؤثر مباشرة على النخبة الحاكمة في مصر، ولا يؤثر أيضا على مصالح مصر من وجهة نظر النخبة الحاكمة. مما يؤكد على أن إستراتيجية الحكم في مصر، أصبحت تجعل من مصر جزيرة معزولة عن كل محيطها، بل يبدو أن النخبة الحاكمة ترى أن مصلحتها في عزل مصر عن محيطها العربي والإسلامي، وقطع الروابط التي تربط مصر بمحيطها الجغرافي، مما يجعل مصر محمية خاصة بالنخبة الحاكمة، ويجعلها في الوقت نفسه محمية تابعة للحلف الغربي بقيادة أمريكا. فكلما تم عزل مصر عن محيطها العربي والإسلامي، كلما كانت قادرة على تنفيذ الأجندة الغربية، والدخول في تحالف مع الحلف الأمريكي الصهيوني. فتجريد مصر من كل مسئولياتها التاريخية، وفصلها عن الانتماء العربي والإسلامي، يساعد على توجيه مصر نحو هويتها القومية الخاصة بها، وجعلها بلدا معزولا.

كل هذا يعمق من تبعية مصر للسياسة الغربية، والتي تقدم الدعم للنظام الحاكم في مصر، فيصبح ثمن بقاء النظام الحاكم في الحكم، هو قطع علاقة مصر مع محيطها وتاريخها. ولكن هذا الوضع يهدد مصر الحقيقية في وجودها وتاريخها ودورها. وعزل مصر بهذه الصورة يؤثر سلبا على مجمل أوضاع المنطقة، ويؤدي إلى دخول المنطقة في حالة تفكك شديدة، لن تسلم منها مصر، كما يفتح الباب أمام الصراعات الأهلية والصراعات بين الدول. كما أن تفكيك المنطقة بهذه الصورة يسمح بمختلف أشكال التدخل الخارجي، ولن تكون الحكومة المصرية هي الحليف الأساسي للغرب، بل سيجد الغرب حلفاء له كثر، مما يمكنه من فرض هيمنته على الجميع، دون أن يقع في يد حليف واحد.

مصر المنعزلة إذن، هي بوابة الفوضى في المنطقة، وهي التي تمهد لدخول المنطقة في حالة من الصراعات المفتوحة، وتجعل مصير كل الدول والأنظمة معرض لأنواع مختلفة من المخاطر. وما يقوم به النظام الحاكم من عملية عزل لمصر عن محيطها، هو خروج على التاريخ المصري، وانتحار للنخبة الحاكمة.


المصدر: نافذة مصر