مصر التغيير والمخاوف
2011-02-14
بقلم : مصطفى ابراهيم
لم يتوقف صديقي المثقف السياسي، والحذر بطبعه، من تنبيهي وتحذيري من حماسي الشديد للثورة المصرية، والطلب مني الانتظار والتريث، ومع إيمانه الشديد بانتصار الثورة المصرية، الا انه كان يقول ان المشكلة لا تتوقف عند تحقيق مطالب شباب الثورة من الطبقة الوسطى المتمثلة بالإصلاحات السياسية والديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية.
فالإصلاحات ابعد من ذلك، وأن ما يهم الناس في مصر من الطبقات المسحوقة من الموظفين والعمال والفلاحين، التغيير في الاوضاع الاقتصادية المتردية، واوضاع التعليم والصحة، وغيرها من الملفات السياسية المهمة التي ستكون محل نقاش بين فئات المجتمع الفلسطيني خاصة الاحزاب السياسية والمثقفين، والجماهير العربية، وطبيعة العلاقة التي ميزت النظام المصري السابق مع الولايات المتحدة واسرائيل، وهذه الملفات تتطلب حراكا سياسيا وجدلا مصريا خلال الفترة القادمة من الاصلاح والتغيير.
ما ذكره صديقي صحيح ومشروع والذي لا يقل خطورة عن ما ذكره صديقي هو المخاطر الخارجية، ومحاولة الالتفاف على الثورة ومنجزاتها، وذكرته بالدور الاسرائيلي الكبير والداعم للنظام المصري، وغياب ذلك عن شباب الثورة وحجم الدعم الذي قامت به إسرائيل لمواجهة الثورة المصرية باعتبار النظام المصري ذخرا استراتيجيا لإسرائيل، كما وصفه الوزير السابق بنيامين بن إليعيزر المقرب من الرئيس المخلوع حسني مبارك الذي قال: في بداية الثورة "إن وضع إسرائيل أصبح أسوأ".
فمن حقنا ان نسال عن سر هذه العلاقة المميزة والخوف الاسرائيلي من انهيار النظام المصري، وما هي البنود السرية في اتفاقية كامب ديفيد، وما هي الضمانات والتعهدات التي قدمها النظام المصري لإسرائيل؟
في بداية الثورة عبرت إسرائيل عن عدم رضاها من ما اتخذه الرئيس الامريكي باراك اوباما والاتحاد الاوروبي من الثورة المصرية، ومطالبتهم النظام المصري بضرورة القيام بإصلاحات ضرورية، وفي حينه قال: مسؤول إسرائيلي كبير إن الأمريكيين والأوروبيين ينجرون وراء الرأي العام ولا يفكرون بمصالحهم الحقيقية، وأضاف "حتى لو كانت هناك انتقادات ضد مبارك، فجيب إعطاء الحلفاء الشعور بأنهم ليسوا لوحدهم"، وبحسب المسؤول الإسرائيلي فإن السعودية والأردن تنظران إلى تخلي الغرب عن مبارك، وبالتالي سيكون لذلك أبعاد خطيرة جدا.
ولا يخفى على احد الخلافات الكبيرة التي نشبت بين الولايات المتحدة واسرائيل بسبب التحول الأمريكي والتردد والارباك في موقف الاولى في ضغطها على النظام المصري للاستجابة لبعض مطالب الثورة.
إسرائيل تابعت وما زالت باهتمام بالغ احداث الثورة المصرية، وقبل انتصار الثورة المصرية لم تخفي إسرائيل قلقها وخشيتها، و بات واضحا الان ان إسرائيل اكثر قلقا وخشية من شكل وطبيعة النظام الذي سيكون في مصر، فهي لم تكن ترغب باي تغيير، وكأنها تقول انها هي من تملك ارادة التغيير عند المصريين، وان ما يهمها مصلحتها.
وبعد يوم واحد من انتصار الثورة المصرية نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، عن مصادر أمنية إسرائيلية قولها أن ثورة مصر كانت خلال الـ 18 يوما الأخيرة في مركز مباحثات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وأن الأجهزة الأمنية الاسرائيلية تتحدث مؤخرا عما أسمته "رياح سلبية" تهب من دول الجوار، وأن "الرسالة المركزية هي عدم الاستقرار، وعدم الوضوح بشأن ما سيحصل، وأن الأمر يتطلب الرد المناسب"، واعترفت المصادر ذاتها أيضا أنه "يترافق مع الوضع الحالي بعد آخر يتمثل في عدم القدرة على وضع تقديرات بشأن ماذا سيحصل".
ما يثير القلق ليس الخوف الاسرائيلي فقط، بل ما صرح به مبعوث اللجنة الرباعية للسلام في الشرق الاوسط توني بلير، عندما قال: المسألة الأهم فيما يجري في مصر ليست مطالب الشعب الثائر المطالب بالحرية والعدالة الاجتماعية، ولكن استقرار منطقة الشرق الأوسط، ومستقبل عملية السلام في المنطقة، مضيفا الشعب يريد نظاما حكوميا مختلفا سيحصل عليه، لكن السؤال يبقى ماذا سينتج عنه؟ وأضاف أن التحركات الشعبية فى مصر جزء من موجة تغيير ستؤثر على المنطقة بأكملها نحو الأفضل إذا ما تمت إدارتها بشكل مناسب، وكيف نسيطر على مخرجات تلك الثورة؟
النظام المصري كان الحليف الاستراتيجي الثاني في المنطقة العربية للولايات المتحدة وسعت الاخيرة من ذلك لحماية مصالحها وضمان أمن إسرائيل، ليس هذا فقط بل التأكد من ألا يقوم النظام المصري بوضع أي خطط اقتصادية أو عسكرية أو اجتماعية أو تربوية لعقود قادمة تهدد مستقبلا، وعليه غضت الولايات المتحدة الطرف عن ما قام به النظام خلال سنواته الثلاثين من فرضه لقبضته البوليسية على جميع مناحي الحياة السياسية المصرية، وقمع للحريات وغياب العدالة الاجتماعية وتزوير الانتخابات، وعدم القيام بمشاريع اقتصادية حقيقية.
في ظل انتصار الثورة والتغيير المأمول، المخاوف الخارجية كبيرة وحقيقية، ويجب التنبه له فالأوضاع الاقتصادية المتردية والتخلف والامية والأوضاع الصحية وانهيار التعليم، والجوع والفقر، هذا يتطلب استراتيجيات جديدة وخطوات جذرية من اجل التغيير وأعتقد أن ذلك سوف يأخذ وقتا طويلاً، وان المصريين امامهم مشوار طويل من اجل تحقيق جميع هذه المطالب المهمة، والتي من اجلها قام الشعب المصري بالثورة وهم سينجحون في ذلك.
الخشية والخوف قائم أيضاً من خلال محاولة الولايات المتحدة والغرب وإسرائيل واذنابها في المنطقة افشال الثورة واجهاضها، وعلى الثوار التنبه لكل تلك المخاطر ومحاولات الالتفاف على الثورة، ومناقشة كل ذلك بعقل مفتوح وحذر شديد خاصة ان مصر عادت الى الحضن العربي بزوال النظام الحليف الاستراتيجي لأمريكا، وهل ستظل مصر ذخرا استراتيجيا لإسرائيل؟ أمام المصريين ملفات وقضايا كثيرة وكبيرة، والايام والشهور القادمة ستكشف لنا حقيقة التغيير الحقيقي والمخاوف التي يجب ان تظل ماثلة امامنا، وعلينا ان نمنح المصريين الوقت اللازم لذلك وان لا نستعجله