محمد كمال يكتب: تقرير حالة.. للسيسي
بتاريخ : الجمعة 06 ديسمبر 2013
ما هو "تقرير الحالة" الذى ينبغى أن يقرأه "السيسى" الآن؟
وماذا يمكن أن يقدم له مستشاروه وناصحوه؟
سنكتب له بأمانة لا يستحقها، وسنفكك له الأحداث من بعضها، ونبسطها له؛ أملا فى أن يفهم هذه المرة!
لقد مر انقلابك "بعشر ضربات" فماذا كانت نتائجها؟
الضربة الأولى: كانت ناجحة للغاية فى حشد الجماهير ضد "د. مرسى" "والإخوان"، واستطعت تجميع مؤسسات الدولة وقواها السياسية فى بوتقة واحدة، فأصبحْتَ تسيطر على الشرطة والقضاء والإعلام والمحليات، والحركات السياسية والثورية المعارضة "للإخوان"، ثم استحوذت على "الأزهر والكنيسة".
وشققت الصف السلفى واجتذبت "حزب النور"، وقُدْت حملة تشويه إعلامية ضد الرئيس ومؤيديه، وتهيأت لك الظروف لتنفرد بقرارات تاريخية للجيش ولنفسك... وللشعب إذا أردت.
الضربة الثانية: كانت ناجحة خفقت لها قلوب أنصارك، وهى البادئة بإنذار 1/7 ثم إعلان 3/7 الذى اعتبره "الإخوان" وحلفاؤهم انقلابًا، لكن حلفاءك اعتبروه نصرًا، ورفعوك إلى السماء، وأصبحت زعيما شعبيا تهفو له القلوب فى 48 ساعة فقط.
ولم يستطع "تحالف الشرعية" أن يغير المعادلة السياسية طوال فترة اعتصامهم تغييرًا ملموسا، ومن ثم كانت نتائج المعركة لصالحك، للدرجة التى تخلى فيها بعض المصريين عن عواطفهم وإنسانيتهم وتنادوا بفض المعتصمين تحت تأثير مدافع الإعلام، وحفاظًا على بهجة النصر الذى كاد المعتصمون أن يضيعوها على "شعب السيسى" المنتصر.
الضربة الثالثة: كانت مثيرة للجدل، رغم الإعداد النفسى الجيد للشعب، وهى فض الاعتصامات، ولكن صدمة قتل الآلاف، وحرق جثثهم، ثم الضرب بالرصاص الحى فى المتظاهرين "برمسيس" مع امتهان المساجد، أتى بجديد فى المعادلة، فقد ازداد بعض مؤيديك تطرفا وإصرارًا على استكمال القبضة الحديدية حتى يستقيم حال البلد، وخسرت بعض من صدمتهم فداحة المشاهد.
وخسرْتَ أيضًا بعض الحيارى الذين يصدقون إعلامك حين تسربت الحقائق للشارع فأربكتهم رغم أنهم لا يشاهدون "الجزيرة" بل يخافون من مشاهدتها!!... ومن ثم تكون الحصيلة متكافئة، فالمؤيدون المتطرفون من أنصارك دافعوا عن "السيسى القوى" فى مواجهة "مرسى الضعيف!"، وأن البلد يحتاج "للقوى" فى هذه الظروف العصيبة، لكن هنالك من خسرْتَهم وفقدوا الحماس للمشهد السياسى برمته، فأصبحت النتيجة متعادلة.
الضربة الرابعة: كانت إضافة معتبرة لرصيدك، وهى ادعاء الإرهاب فى سيناء، ثم تسليط الضوء على شهداء الشرطة والجيش، وحسم إعلامك تعليق دمائهم برقبة "الإخوان" مما أعاد مؤيديك للمشهد مرة أخرى بعد أن كادوا يتركونك،.
واستطعت أن تقفز على مجزرة (37 شهيدا) بعربة الترحيلات بقتل (25 جنديا) ليتفرق دم الجميع وتنجو من المسئولية إعلاميا، ثم استمرت "لعبة الإرهاب" بمحاولة اغتيال وزير الداخلية وانفجار مبنى مخابرات الإسماعيلية لتسترد بها بعض أنفاسك المكروشة، ووافق جمهورك -من جديد- على ادعاءات الإعلام بأن "الإخوان" هم مرتكبو هذه الجرائم.
وكان نجاحك مضاعفًا حين استثمرت هذا النجاح ولفتَّ الأنظار إليه بجوار مشاكل "سيناء" ونجحت فى استصدار تصريحات أوروبية وأمريكية تدعمك فى الحرب ضد الإرهاب!..
واستغل إعلامك نتاج هذه العمليات فى محو جريمة فض الاعتصامات من الذاكرة، والتأكيد على (إرهاب الإخوان)، فَتَوازن موقفك الإعلامى العام واحتفظت بقدر معقول من الشعبية.
الضربة الخامسة: كانت خصمًا من رصيدك؛ وهى حديثك "للمصرى اليوم" ثم تسريب الحوار، وتمزيق صورتك أسبوعيا عبر المعالجة المحترفة من "الجزيرة"، والتى أظهرتك كمستبد، ومنحاز ضد الفقراء وكطالب سلطة، وعدو لثورة يناير، ورغم الدفاع المستميت عنك أحيانا.
والتجاهل الإعلامى أحيانا أخرى، إلا أن الشارع وصلته التسريبات وتداولها فأخرجت كتلا من مؤيديك إلى عالم "الحيرة" أو "الكنبة" مرة أخرى، ولم يفلح حادث مقتل الضابط "محمد مبروك" فى التغطية على الفضائح، كما تفتحت أعين النشطاء الذين أيدوك، وبدأ الشك يظهر بشدة على خطابهم.
وخضت معركة خائبة تماما مع "عنان"، بجوار انتشار حملات مَهِينة لتأييد ترشيحك للرئاسة، وضعتك على ألسنة الناس بشكل يفقدك إجماع اللحظة الملهمة الذى صنعته فى (30 يونيو)، ثم ما لاح فى الأفق من عدم رضا الدول الحليفة لك بترشحك فى معركة الرئاسة والاكتفاء "بوزارة الدفاع"، خاصة بعد التأكيد على عدم دعمك ماليا من حلفائك.
الضربة السادسة: كانت موجهة إليك من حكومتك الفاشلة عبر أزمات شعبية مثل الوقود وأنابيب الغاز، والتى استثمرها معارضوك لتشير إلى تردى الأوضاع وكذب وعودك: (وبكره تشوفو مصر) و(أد الدنيا) و(نور عينينا)، ثم أصبحت الحكومة عبئا ثقيلا بسبب الارتفاع الجنونى فى الأسعار وفشلهم فى قرض الصندوق، وإخفاقهم فى جلب الاستثمارات، وانهيار السياحة، وتوقف المصانع.
وهروب الشركات الأجنبية، وارتفاع البطالة، وطبع البنكنوت، والاقتراض غير الواعى، والعجز أمام حوادث الطرق والقطارات، ثم تعليق المعونة الأمريكية الذى أتى كطعنة فى الظهر من الحليف... فتسرب اليأس إلى الشارع بشكل نسبى.
ومع إصرار خصومك على تعرية أخطائك وصمودهم بوجهك، فقد تراجع (الأمل) فيك، وهذا تأثيره أكبر من انخفاض الشعبية بكثير.
الضربة السابعة: ضربة موجهة منك إليك وخصما من رصيدك، وهى التخبط فى خارطة المستقبل التى فرضتها بنفسك، فرغم الانتهاء من مشروع "الدستور" لكن أهميته تضاءلت بجوار الأمواج المتلاطمة من المشاكل السياسية والاقتصادية، والمشكلة أن عدم الاهتمام بالدستور مُرشَّح ليصدمك يوم الاستفتاء حين تقل نسبة الإقبال والتصويت عن دستور 2012!!
وارتبكت حسابات الخارطة التى أردت إثبات قوتك كرجل دولة من خلال دقة تنفيذها، فإذا بها تنهار تماما؛ فالدستور ينتهى بعد موعده متضمنا المواد نفسها التى رفضتها القوى السياسية فى 2012، وها هو اجتماع سرى يسفر عن قلبها رأسا على عقب بحيث تأتى انتخابات الرئاسة قبل البرلمان عكس إعلانك الدستورى، وذلك بسبب خشيتك من انهيار شعبيتك أكثر، وها هى الشهور الستة تمر دون انتهاء المرحلة الانتقالية!
ويبدو أن إحساس الفشل وصل لحلفائك، حتى صرخ "عمرو موسى" قائلا: (لقد قمنا بالانقلاب لنأتى بدولة أفضل من دولة مرسى ونحن الآن فى أسوأ دولة).
الضربة الثامنة: ضربة موجهة إليك من التحالف بنجاحهم فى تجاوز عقبات محاكمتك دوليا ومعك حلفاؤك، وأنت تعلم جيدًا خطورة هذه الخطوة رغم استهانتك الظاهرية بها، وتعلم أن حلفاء -مثلك- لأمريكا تم إدانتهم لقيامهم بنفس أفعالك مثل "ميلوسيفتش" و"كارازديتش" و"بينوشيه".
وهنا يحدث تحول خطير يدمر خططك المستقبلية؛ إذ بدأت الدائرة تضيق من (ثورة شعب!) بقيادتك، إلى (أزمة شخص) أصبح مستقبله بيد خصومه.
الضربة التاسعة: والتى هبطت بك وأحبطت مؤيديك، وأعادت للشارع بعض إنسانيته المفقودة، وذلك بعد قتل الطلاب داخل الجامعة وتقرير "نيابتك" بأن الطلاب قتلوا زميلهم، ثم إقرار قانون التظاهر مع رفض حلفائك له، وسجن الطلبة والفتيات عشرات السنين بأحكام قضائية دمرت سمعة القضاء حصنك وسندك المنيع، مما صدَّع البيت الانقلابى، وشق صف مؤيديك تماما.
وأصبحت لا تحوطك إلا كتلتك الصلبة المتمثلة فى قيادات المؤسسات الحاكمة والحزب الوطنى ورجال الأعمال الفاسدين، والفئة الموسرة المستفيدة من استمرار الفساد والظلم الاجتماعى، مضافا للإعلام الذى يرتبط مصيره بك، لتبرز -أخيرا- باعتبارك قائد دولة "مبارك".
الضربة العاشرة: اتخذت قرار محاكمة "د. مرسى" فى لحظة تشفٍّ وإحساس بالنصر، ورغم أن القرار كان مبكرًا فى الوقت، إلا أن تداعياته وآثاره تجنيها أنت ومعارضوك الآن، فلقد أصبحت الضربة التى اتخذتها بيديك موجهة إلى صدرك وأصبح الوطن كله الآن متلخصا فى شخصين:
أحدهما يمثل القتل والاعتقال وانهيار الأحوال المعيشية وضياع المروءة، ومعه على ذلك مؤيدون ينافحون ويبررون أفعاله.
والثانى: معتقل واستشهد من أجل شرعيته الآلاف لما يمثله من إرادة الشعب، ويسترد اعتباره بعد مظهره البطولى فى أثناء المحاكمة.
فأصبح الوضع معكوسا؛ إذ أصبحت أنت سجينا فى قصرك وأصبح هو حرا فى محبسه، وركبت أعلى خيلك فهزمك بلا خيل ولا سيف.
لنكن صادقين... أنصاره من فئة الأبطال المضحين... وأنصارك من فئة الجبناء المنتفعين.
إذن... لا أمريكا ولا السعودية ولا مؤيدوك قادرون على إنقاذك بينما تُغرق أنت نفسك.
هذا "تقرير حالة" وطن قفزت على سفينته لتقودها من حيث لا تملك مقومات القيادة.
سيادة الفريق: لا تخش شيئا... وتقدم بثبات إلى (المشنقة)... فهى مجرد شكة دبوس.
مكملين...
لا رجوع.
المصدر
- مقال:محمد كمال يكتب: تقرير حالة.. للسيسي موقع: إخوان الدقهلية