ما مصير قرار اعتقال البشير بعد قمة الدوحة؟!

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث

بقلم السفير د/ عبد الله الأشعل


لا شك أن الدعم السياسي والمعنوي الذي لقيه السودان من قمة الدوحة العربية وقمة الدوحة العربية اللاتينية؛ يعني أن العالم الثالث كله يقف مع السودان في رفضه لقرار المحكمة الجنائية الدولية ضد البشير، وقد شدَّد بيان الدوحة الصادر عن القمَّتين على رفض قرار المحكمة، والآثار المترتبة عليه والتمسك بخط السودان في التسوية السياسية للمشكلة، ودعم الجهود الرامية إلى مواجهة الموقف الإنساني في دارفور.


صحيح أن البيان لم يلبِّ مطلب السودان صراحةً في أن تحل المنظمات العربية الإنسانية محلَّ المنظمات الدولية التي أبعدها السودان، ولكنَّ طريقة معالجة هذه النقطة أوضحت أن العرب لا ينتقدون موقف السودان، ولا يجارون حمى الهجوم عليه واتجاه مجلس الأمن إلى اعتبار هذا الموقف جريمة حرب.


من ناحية أخرى وصل المبعوث الأمريكي إلى السودان (الخرطوم) يوم 2/4/2009 بلهجة مخالفة تمامًا للتوقعات؛ حيث أكد أن واشنطن تمدُّ أيديها لصداقة السودان، وأن تتعاون معها في تنفيذ اتفاقيات السلام في دارفور مع الجنوب، ولم يكرر الانتقادات الرسمية الأمريكية لقرار طرد المنظمات الإنسانية، كما لم يُثِرْ مسألة البشير والمحكمة الجنائية؛ رغم الموقف المعادي يوم صدور القرار في 4 مارس؛ حيث اعتبر البيت الأبيض الرئيس البشير منذ ذلك اليوم "هاربًا من العدالة".


ومعنى ذلك أن تصريحات المبعوث الأمريكي تعني أمورًا أربعة:

أولها: أن واشنطن أسقطت موقفها السابق بشأن المنظمات الإنسانية.

وثانيها: أن واشنطن تتعامل مع السودان ورئيسه من أجل الصالح العام الذي يركِّز عليه البشير، وأن الرئيس ليس فارًّا من العدالة كما قيل منذ أسابيع.

وثالثها: أن اتفاق أبوجا هو مرجعية السلام كما تقول السودان أيضًا.

وأخيرًا: حرص واشنطن على التعاون مع سودان البشير على المشترك والإيجابي، وعلى تعزيز السلام في السودان.


ونعتقد أن الموقف الأمريكي انعكاس مباشر للدعم الكاسح للسودان في جبهة جديدة تساند السودان ضد التجاوزات التي تلبس ثوبًا قانونيًّا زائفًا، وتهدف إلى زعزعة استقرار السودان والعالم الثالث بأسره؛ مما يفتح الباب لانسحاب أعضاء المحكمة منها أو عزوف الآخرين عن الانضمام إليها، ما دامت واشنطن تستطيع من خلال مجلس الأمن أن تعاقب من تشاء، عضوًا أو غير عضو.


لا شك أيضًا أن التفاف الشعب السوداني حول البشير، وتحدي البشير تصريحات المدعي العام للمحكمة لتعقب البشير، وإنكار الخارجية الفرنسية تصريحاتها السابقة في هذا الشأن.. من أسباب الموقف الأمريكى الجديد.


وقد دفعت كل هذه التطورات الإيجابية بالبعض إلى القول بأن قرار المحكمة بالقبض على البشير قد انتهى، وأن تحدي البشير له، ورفضه من القمم السابقة، وإغفال واشنطن له، وتأكيدها أنها ليست طرفًا في نظام المحكمة ولا يعنيها هذا القرار وليست ملزمة بتنفيذه.. أدت جميعها إلى إسقاطه، بعد أن أسقطه شعب السودان باعتباره قرارًا مريبًا، يعبر عن مؤامرة على السودان وأهله، وهو موقف الحكم وشركائه في الحركة الشعبية لتحرير السودان أيضًا.


هذا التحليل السياسي لمصير القرار قد يبدو وجيهًا، ولكن رغم أن القرار يعاني من ثغرات قانونية خطيرة؛ فإن القرار لا يزال قائمًا من الناحية القانونية، ولذلك حرصت القمة العربية واللاتينية على رفض القرار وليس إلغاء القرار؛ لأن الذي يملك إلغاء القرار قانونًا هو سلطة قانونية، وهي إما نفس المحكمة أو محكمة أعلى من تلك المحكمة.


ونحن لا نزال نرى أن الجهة الوحيدة المختصة والساحة المناسبة لمنازلة هذا القرار من الناحية القانونية هي محكمة العدل الدولية، وأن الطرف الوحيد الذي يملك رفع الدعوى هو الحكومة السودانية، ويملك اللجوء إلى محكمة العدل الدولية بطريق الدعوى المباشرة في أول سابقة تقاضي فيها دولة عضو منظمة دولية، ومن الواضح أن اللجوء إلى المحكمة طلبًا لرأي استشاريٍّ حول قرار المحكمة الجنائية الدولية عن طريق الجمعية العامة للأمم المتحدة طريق آخر، ولا يجوز الجمع بين الطريقين؛ لأن من شروط طلب الرأى الاستشاري ألا يكون موضوع الرأي هو نفسه موضوع دعوى قضائية أمام المحكمة.


إن أهمية الطريق القانوني- رغم أن المؤامرة سياسية- مفيد في تعزيز سلطة القانون الدولي الصحيحة وإنقاذ العدالة الدولية الصحيحة من التفسيرات المجافية للقانون باسم القانون.


والخلاصة أن قرار المحكمة الجنائية، مهما اتسع نطاق رفضه، فإن إلغاءه قانونًا يتطلب عملاً قانونيًّا، وسيظل سيفًا مصلتًا بلباس الشرعية الدولية حتى يمكن تحديه، كذلك فإن تأجيل مجلس الأمن لتنفيذه بموجب سلطة المجلس في المادة 16 من نظام روما لا يُنهي القرار نفسه؛ ولكنه يظل مع تأجيل التنفيذ، ولم يكن معقولاً أن يمنح مجلس الأمن سلطة إلغاء حكم قضائي؛ وإلا كان ذلك خلطًا معيبًا بين سلطة الجهاز السياسي، وهيبة الجهاز القضائي.


بقيت نقطة أخيرة، وهي هل يؤدي رفض محكمة العدل الدولية لطلب السودان، سواء في الدعوى الأصلية وهي النزاع حول تفسير أربع معاهدات دولية أو طلب فرض إجراء تحفظيٍّ وهو وقف تنفيذ قرار القبض على البشير لحين البت في صلب الدعوى.. هل يؤدي ذلك إلى إضفاء الشرعية على القرار، ويصبح حكم محكمة العدل الدولية إذا قدِّر لها أن تسير في الدعوى إلزامًا على السودان؟ وهل يلزم هذا الحكم المحكمة الجنائية أيضًا؟، وألاَ يعدُّ تدخلاً في عملها المبدئي قبل أن يتاح للمحكمة الجنائية بكامل هيئتها أن تبتَّ في حكم الدائرة التمهيدية؟!

هذه أسئلة مشروعة، لكنها بحاجة إلى المزيد من المعالجة.

المصدر : نافذة مصر