ماذا في غزة؟!

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
ماذا في غزة ؟!
علم فلسطين.jpg


بقلم : معتصم حمادة

ما تقوم به القوى اليسارية والديمقراطية في غزة من إطفاء لحرائق الاقتتال، وجمع المتقاتلين إلى طاولة الحوار والبحث مع حماس في مخارج للأزمة المستعصية، يؤكد أن اليسار الفلسطيني يبقى على الدوام الضمانة لتصويب المسيرة وتقويمها وإخراجها من مآزقها التي توقعها فيها سياسات الاستفراد والإقصاء وتغليب المصالح الفئوية على المصالح الوطنية.

أمر طبيعي أن تهتم وسائل الإعلام بالحوادث الأمنية في قطاع غزة، أكثر من اهتمامها بالتطورات السياسية، خاصة تلك التي تجري من خلف الستار، ولا تتوفر معلوماتها إلا للمقربين من مراكز القرار في الدوائر السياسية المعنية داخل القطاع.

لذلك برزت على السطح، على سبيل المثال، الاشتباكات الدموية بين مقاتلي حماس وبين مقاتلي آل حلس في حي الشجاعية، حيث سقط ما لا يقل عن ستة قتلى وعشرين جريحاً من بين الطرفين.

كذلك برزت على السطح الاشتباكات الدموية بين مقاتلي حماس وبين مقاتلي حركة الجهاد الإسلامي، في مدينة رفح، حيث تبادل الطرفان الخطف، وسقط في صفوفهما جرحى، بعض جراحهم خطيرة.

كما سقط من بين المدنيين امرأة وطفل قتيلين برصاص الاشتباكات.

وعلى ضفاف هذه الاشتباكات أطلقت تصريحات تبودلت فيها الاتهامات، والإنذارات، والإنذارات المضادة. وكلها تؤشر أن في قطاع غزة تطورات يجب أن يسلط الضوء عليها.

الشيء الذي لم يسلط الإعلام الضوء عليه، هو تلك الاتصالات التي قامت بها قوى فلسطينية، أخذت على عاتقها مهمة إطفاء الحرائق ومحاصرتها ومنع امتدادها في باقي أنحاء القطاع.

وهي بشكل رئيسي الجبهة الديمقراطية، والجبهة الشعبية، وفي بعض الأحيان لجان المقاومة الشعبية.

ففي حي الشجاعية، حيث الاشتباكات العنيفة بين حماس وآل حلس (الذين تصفهم حماس بأنهم موالون لحركة فتح، ومن بينهم مسؤول فتح المعروف أبو ماهر حلس) لعبت قيادة الجبهة الديمقراطية، والفصائل الأخرى دوراً ملموساً في التوسط بين الجانبين لوقف إراقة الدماء والبحث عن حل للمشكلة الناشبة بين الطرفين.

ولقد أثبتت وقائع حوادث الشجاعية أكثر من خلاصة لا يمكن لأي مخلص أو حريص أن يتجاهلها:

@ أولى هذه الخلاصات أن الأمن في القطاع، في ظل امتلاك كل الشعب للسلاح (كل أنواع السلاح تقريباً من بنادق ورشاشات ومدافع وغيرها).

لا يمكن أن يكون مجرد إجراءات أو فرمانات تصدرها هذه الجهة أو تلك، خاصة إذا ما كانت الجهة متهمة من قبل معظم (بل كل) القوى السياسية الفلسطينية، بأنها اغتصبت السلطة بصورة غير شرعية، والكل ينظر إلى وجودها، كسلطة، باعتباره وجوداً مؤقتاً، لابد أن يزول يوماً، لصالح السلطة الشرعية (مهما قيل في هذه السلطة الشرعية وسياساتها التفاوضية).

وعندما نقول إنها سلطة مؤقتة ولا بد أن تزول يوماً ما، فإننا لا نأتي بجديد من جعبتنا، بل نحن نستعير ما قاله رئيس الحكومة الفلسطينية السابق، إسماعيل هنية الذي أعلن منذ أيام، أن سلطة حماس في غزة هي سلطة مؤقتة.

أي بتعبير آخر، لا بد لهذه السلطة أن تعود لأصحابها، ممثلة بالرئيس عباس، كرئيس منتخب لهذه السلطة.

الأمن، في الحالة الفلسطينية وفي قطاع غزة بالذات، هو مسألة سياسية أولاً وقبل كل شيء، وبدون توافق سياسي، لن تنجح أية سلطة في توفير الأمن والاستقرار للقطاع وسكانه، أياً كانت هذه السلطة وأياً كان اتجاهها السياسي.

هذا ما أكدته تجارب الحكومات الفلسطينية المتعاقبة، وصولاً إلى الحالة الشاذة التي تمثلها حماس في القطاع الآن.

@ ثاني هذه الخلاصات أن القوى الديمقراطية واليسارية الفلسطينية هي التي لعبت الدور البارز في التوسط بين الأطراف المتقاتلة ليس لأن هذه القوى تهوى لعب دور الإطفائي، بل لأن هذه القوى تتبنى على الدوام سياسات وبرامج ومواقف وطنية تشكل القاسم المشترك للحالة السياسية الفلسطينية.

وليست هي المرة الأولى التي تلعب فيها هذه القوى ـ وعلى الأخص الجبهة الديمقراطية هذا الدور.

فتاريخ م. ت. ف. حافل بالوقائع التي تؤكد مثل هذه الخلاصة.

نذكر منها تلك المرحلة القاسية التي انقسمت فيها م. ت. ف. على نفسها، فذهب جزء منها نحو التحالف مع النظام الأردني وخرج على البرنامج السياسي للمنظمة.

وذهب جزء آخر يبحث لنفسه عن م. ت. ف. «بديلة» أثبتت التجارب أنها عصية على الولادة.

وحدها وقفت الجبهة الديمقراطية ممسكة براية م. ت. ف وبرنامجها السياسي تواجه الرياح الفلسطينية والإقليمية بل والدولية كذلك وبقيت على صمودها وعلى تمسكها بموقفها، إلى أن عاد الطرفان عن تيههما إلى جادة الصواب، ليلتقيا معاً حيث تقف الجبهة الديمقراطية بسياستها وبرنامجها ومواقفها اليومية.

@ ثالث هذه الخلاصات أن القوى التي تنجح في إطفاء نار الفتنة، وصون الدماء الفلسطينية هي المؤهلة، أكثر من غيرها، لأن تلعب دوراً أكبر، بحيث توفر للحالة الفلسطينية المخارج اللازمة للخروج من أزمة الانقسام التي أدخلتها فيها السياسات الاقصائية للطرفين معاً فتح وحماس.

تلعب هذه القوى ـ وبشكل خاص الجبهة الديمقراطية ـ دوراً لإعادة توحيد الحالة الفلسطينية رغم تجربتها المرة مع هذين الطرفين أصحاب السياسات الاقصائية.

فلقد دخلا أكثر من مرة في اتفاقات ثنائية على حساب الآخرين، كما فعلا في 11/9/2006، وفي 28/2/2007، في مكة.

لكن القوى اليسارية والديمقراطية، دائماً تغلب المصالح الوطنية العليا على المصالح الفئوية، فتتجاوز أخطاء الآخرين، وتبقى على موقعها الفاعل لصالح الوحدة الوطنية، السبيل الوحيد لصون الحقوق والبرنامج الوطني. وما أكدته حوادث الشجاعية من خلاصات أعادت حوادث رفح التأكيد عليه.

هذه المرة كان الاقتتال بين حماس والجهاد الإسلامي.

تخلله إصدار البيانات النارية، والتي لا تقل خطورة عن إطلاق القذائف وتبادل عمليات الخطف.

ومع ذلك نجحت القوى اليسارية والديمقراطية في وضع حد للتدهور، من موقع الحرص على الحالة الوطنية ومصلحتها العامة.

هذا الدور الذي لعبه مناضلو القوى الديمقراطية واليسارية في الميدان، واصلوه في اللقاءات الثنائية مع الأطراف المعنية وصولاً إلى حل للأزمة القائمة.

لأنه وبدون حل جذري لهذه الأزمة، فإن نيراناً أخرى مرشحة للانتقال هنا وهناك في أرجاء القطاع المختلفة.

لذلك تحملت هذه القوى المسؤولية الوطنية، وأجرت الاتصالات اللازمة.

فكان اللقاء مع رئيس الحكومة السابق إسماعيل هنية، ثم لقاء آخر مع الدكتور محمود الزهار.

جرى فيه نقاش واضح وصريح للحالة بعيداً عن المجاملة والمحاباة.

وقد نقل ممثلو الجبهة الديمقراطية إلى القياديين في حماس الموقف واضحاً: لا حلّ للمشكلة إلا بعد أن تتراجع حماس عن نتائج حسمها العسكري في القطاع، وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل 14/6/2007.

بعدها يبدأ الحوار.

@ ولا حوار ثنائياً بعد اليوم.

الحوار يجب أن يكون وطنياً وشاملاً، تشارك فيه كل الأطراف.

فقد أثبتت التجارب أن الحوار الثنائي لا يقود إلى حلول ناجعة.

جربتم الحوار الثنائي منذ 27/6/2006، وحتى 8/2/2007، وانتهيتم إلى ما انتهيتم إليه من اقتتال وانقسام واحتراب دائم.

@ لا عودة إلى الاتفاق الثنائي في مكة.

فلقد أثبتت تجربة هذا الاتفاق أنه الطريق الأقصر نحو الاقتتال.

فعندما تقوم العلاقة على المحاصصة، تتحول المحاصصة إلى تزاحم، والتزاحم إلى تصادم وهكذا، إلى أن تقع الواقعة ويسيل الدم من الجانبين.

@ الأساس الصالح لإعادة توحيد الحالة الفلسطينية هو وثيقة الوفاق الوطني هي التي ترد على ما هو مطروح في لقاء أنابوليس الدولي.

وهي التي ترد على المشروع الإسرائيلي، والمشروع الأميركي.

وهي التي تحدد بوضوح أهداف النضال الوطني وآلياته.

وترسم خطاً تصاعدياً للمقاومة وتصون وجودها. لذلك لسنا بحاجة إلى البحث عن وثيقة جديدة.

نحن بحاجة إلى التزامكم بهذه الوثيقة وانضباطكم لها واحترامكم لها، وعدم خروجكم عليها، كما فعلتم في 11/9/2006، وفي 8/2/2007 مع محمود عباس وفتح.

@ لا تهاون مع الدعوات لإنشاء مرجعية فلسطينية بديلة، أو منظمة تحرير فلسطينية بديلة. منظمة التحرير الحالية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.

وكان واضحاً في وثيقة الوفاق الوطني الكلام عن ضرورة إعادة بناء مؤسساتها على أسس ديمقراطية، بما في ذلك تشكيل مجلس وطني جديد عبر الانتخابات وفق مبدأ التمثيل النسبي، وبمشاركة الأطراف الفلسطينية كافة بما فيها حماس والجهاد.

وإن عدم مشاركة هذين الطرفين لا يمس بشرعية المنظمة بقدر ما يمس بمصداقية هذين الطرفين إزاء وثيقة الوفاق الوطني، وإزاء الموقع التمثيلي لمنظمة التحرير.

هذه النقاط هي التي شكلت الأساس السياسي لتحرك نشط، انتهى في 20/10/2007 إلى عقد اجتماع رباعي (راجع تقريراً عنه في مكان آخر) تم فيه بحث الأزمة الفلسطينية وكلفت الجبهتان الديمقراطية والشعبية بصياغة ورقة عمل تشكل أساساً للتحرك نحو الخروج من الأزمة، عبر خطوات واضحة وثابتة.

وهكذا، يعود اليسار (والقوى الديمقراطية) ليؤكد، أنه، في المنعطفات الخطيرة، يبقى الضمانة لتصويب المسيرة وتقويمها، وإخراجها من مآزقها.

مع الاعتراف الصريح والواضح أن حركتي فتح وحماس تتحملان المسؤولية كاملة، كل من موقعه، في توفير الأجواء للخروج من الأزمة: حماس عبر التراجع عن نتائج الحسم في القطاع، وفتح عبر الالتزام بالوثائق الوطنية، بما في ذلك إجراء الإصلاحات اللازمة في أجهزة السلطة وإداراتها، وفي مجمل النظام السياسي الفلسطيني.

المصدر