لمحات تربوية.. أن جاءه الأعمى

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
لمحات تربوية.. أن جاءه الأعمى

بقلم: أ. د. محمد عبد المعطي الجزار

هكذا لم يقعده عذره عن أداء الواجب والوفاء الصادق لأخوة الإيمان التي كان يبرها الأخ المجاهد أبو الفتوح عفيفي رحمه الله من قويسنا- منوفية زائرًا لأخيه سلطان حسن سلطان بمسكنه بالقلج- قليوبية.

فلما مرض وأقعده المرض لم ينس المزور زيارة الزائر مع ما له من العذر، بل هو أول المعذورين، فكاد يعوده ساعيًا إليه من القلج إلى مدينة قويسنا، وقد كان يكفيه أن يتصل هاتفيًّا ليطمئن على أخيه الذي لا يطمع في أكثر من ذلك، بل يحرجه أن يأتي إليه أخوه المكفوف والمريض من بعيد.

فلما جاء أجل (أبو الفتوح) سعى إليه أخوه من أقصى القليوبية ليتبع جنازته وليوفي ببيعته وفاءً صافيًا مجردًا يذكرنا بسلفنا الصالح من المهاجرين والأنصار، ويذكرنا بما علينا نحن الإخوان المسلمين تجاه إخواننا حتى تكون هذه المواقف من السابقين الأطهار حجة لنا لا علينا.

وإذا كنا لم نسعد بصحبة الأنصار والمهاجرين فقد سعدنا بصحبة هذا السلف المبارك في سرائنا وضرائنا فلا عذر لنا.

وقد ذكرنا بهذا المعنى مرشدنا الحبيب- لا فض فوه- بهذا المعنى من أمام المقبرة حين أوصانا بأن نكون حارسين أمناء لهذا الميراث الذي ورثناه عن هؤلاء السابقين الأبرار لنكون لمن بعدنا كما كانوا هم لنا.

﴿مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23)﴾ (الأحزاب).

اللمحة الثانية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)﴾ (التوبة).

هذا النداء من رب العالمين نودي به الذين آمنوا على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعته آذانهم، وكان هؤلاء الصادقون أحيانًا يعيشون بينهم، ويشهدون لهم بشهادة الله لهم بالصدق بعدما اجتبوا الصدق وصبرهم على الأذى طوال ثلاثة عشر عامًا في مكة، ثم هجرتهم منها يبتغون فضلاً من الله ورضوانًا، وينصرون الله ورسوله وهم الذين شرفهم الله بحضور بدر وأحد والخندق فلم يتخلفوا عن رسول الله ولم يرغبوا بأنفسهم عن نفسه.

وظل هؤلاء شهادة صدق ربانية لم يغيروا ولم يبدلوا وبقيت شهادة الله معهم ولهم، لم ير منهم جيلهم قبل نزول الشهادة لهم ولا بعدها أي نكوص أو تردد أو ضعف ينزل بهم عن هذه الرتبة العالية حتى لحقوا ربهم وجاء بعدهم من حققوا ما حققه سلفهم من الصدق؛ ولكن في حدود ما قال الله تعالى: ﴿لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنْ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ (الحديد: من الآية 10)، ولا حدود ما قال صلى الله عليه وسلم "لا تسبوا أصحابي فوالله لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه".

وخلود القرآن الكريم وحفظ الله له تبقى مبشرات أن هذا الصنف من الناس يبقى موجودًا أبد الدهر وهذا البقاء يجاوز القرون الفاضلة التي حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"، على كله وبذره، كما يقول حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "الناس كأبل مائة لا تجد بينها راحلة"، وعلى خفاء كمثل الأخفياء الأتقياء الذين إذا ماتوا لم يفتقدوا وإذا حضروا لم يعرفوا.

والمجرمون يجيشون جيوشهم، ويجمعون كيدهم، ويستنفرون المثقفين والإعلاميين يعدونهم وعيونهم وما يعدونهم إلا غرورًا، كل ذلك ليطفئوا نور الله بأفواهم وكيلا يكون للصادقين وجود على صفحات الجرائد ولا على شاشات التليفزيون، ولا مقاعد مؤسسات المجتمع فهم محظورون محرومون من كل الحقوق الإنسانية حتى المواطنة التي سطروها في دستورهم على جاهليتها ووطينتها وضيقها وإقليميتها وعنصريتها كأنهم تواصوا بما تواصى به سابقوهم ﴿أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ (الأعراف: من الآية 82).

والمؤمنون يمتثلون أمر ربهم ليكونوا مع الصادقين تكثيرًا لسوادهم وشدًّا لأثرهم ووقوفًا في صفهم؛ فهم معهم في أي صعيد وعلى أية حال ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ﴾ (التوبة: من الآية 120)، والصادقون ينادون على المؤمنين أن هلم إلينا وكونوا معنا لتنالوا الشهادةّ ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ﴾ (الفتح: من الآية 29) ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْغَالِبُونَ (56)﴾ (المائدة).

والقائل أن يقول: إذا كان الصادقون الذين نزلت فيهم شهادة الصدق من لدن ربهم العليم بهم؛ فأين هؤلاء الصادقون الذين أمرنا أن نكون معهم في زماننا؟

إنهم الذين قال الله فيهم: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ (177)﴾ (البقرة).

والذين قال الله فيهم حصرًا ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ (15)﴾ (الحجرات).

وإذا أعياك أيها المؤمن أن تسعد بمعية الصادقين فاجتهد أن تكون صادقًا وحينئذٍ سيرسل الله إليك الصادقين فيكونوا معك ﴿يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾ (النور: من الآية 35).

والصدق مع الله يجمع الصادقين ويؤلف بين قلوبهم، والأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف..

نسأل الله أن نكون مع الصادقين... آمين.

المصدر

قالب:روابط أبو الفتوح عفيفي